«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وثائق 'ويكيليكس' وارهاب جمال مبارك
نشر في الزمان المصري يوم 26 - 03 - 2011

ثمانية أسطر ملزوزة، بخط عصبي تحت تصنيف 'سري جدا' و'للمرسل اليه فقط'، هي التي تُحدث العاصفة. يتهرب النائب العام للدولة، الدكتور عبد المجيد محمود. يرفض تصديق التفصيلات لكنه لا ينكر ايضا. المدعي العام هشام بدوي يسير في طريقه.
لكن الساحة السياسية عاصفة سواء أكانت الوثيقة حقيقية أم مزيفة. والعاصفة تندفع الى كل ركن. جرى تقديم عشرات الاستئنافات على أيدي اعضاء مجلس الشعب ومحامين طالبين التحقيق فيما ورد في تلك السطور الثمانية وهي الوثيقة الأشد زعزعة التي تم الكشف عنها في مقر قيادة مباحث أمن الدولة المصرية قبل اسبوعين. والدعوة الى محاكمة جمال مبارك ابن الرئيس المخلوع باعتباره مسؤولا عن موت 88 مواطنا وسائحا وجرح مئات في ثلاث عمليات ارهابية في شرم الشيخ.
الوثيقة تتحدث من تلقاء نفسها، في 25 حزيران ( يونيو) 2005، على الورقة الرسمية لوزير الداخلية، لخص رئيس جهاز الأمن حسن عبد الرحمن، اللقاء السري الذي تم في شرم الشيخ بين اربعة رجال جُندوا للمهمة وهي تفجير الفنادق ومواقع الاستجمام التي يملكها رجل الاعمال حسين سالم، الوسيط المصري في صفقة الغاز مع اسرائيل. الهدف: تصفية حساب جمال مبارك مع سالم الذي لم يجهد نفسه ليحرز من اجله عمولة تبلغ 10 في المئة من الصفقة. استشاط جمال الذي اضطر الى الاكتفاء ب 2.5 في المئة فقط، غضبا. ولم تساعد مئات ملايين الدولارات التي وضعها في جيبه بفضل ال 2.5 في المئة تلك على تسكين نفسه.
ساعة البدء، في الثالث والعشرين من تموز ( يوليو) 2005، في الواحدة ليلا، لم تُختر صدفة: فهذه هي الذكرى السنوية لثورة الضباط الأحرار في مصر، وهي العيد الوطني الذي يغرق المدن الكبرى بعشرات الاحتفالات. عرف المخططون للمهمة في سيناء سلفا ان الانتباه ونشر القوات المعززة من اجهزة الامن سيكونان محصورين في القاهرة، حول الرئيس ووزراء الحكومة ورجال الحياة العامة والهيئة الدبلوماسية. كان الافتراض ان لا تطرأ مشكلة خاصة في ادخال الشاحنات التي تحمل المتفجرات في شبه الجزيرة. تضمن الوثيقة ايضا لوزير الداخلية حبيب العادلي ان 'جميع المشاركين يعرفون جيدا التفاصيل العملياتية ويعلمون بالضبط كيف يجب عليهم العمل في الساعة المحددة'.
جرت المهمة بنجاح. جرى تنفيذ سلسلة العمليات بحسب التخطيط مع احداث أضرار شديدة بالممتلكات، واصابة اشخاص، وضربة مفاجئة لفرع السياحة. تمت مطاردة خلية الارهاب اياما طويلة، وأسرعت اجهزة الامن الى اتهام القاعدة. لم يتأثر أحد بعلامات السؤال التي أُثيرت إثر نجاح الارهابيين في تهريب شاحنات تحمل متفجرات عن طريق الحواجز الامنية والتفتيشات المشددة في سيناء. ولم يُصغ أحد ايضا الى عشرات البدو الذين اعتُقلوا وأصروا قائلين في التحقيق معهم: 'نحن أبرياء'.
كنوز ماما سوزان
يصعب أن نصدق انه لم يمر سوى شهرين منذ حدث الخلع الدراماتي لحسني مبارك. ويصعب ايضا ان نصدق كيف أُديرت مصر، بقبضة حديدية والى أي ذرى بلغ الفساد. الرئيس، وزوجته سوزان، والابنان علاء وجمال منطوون معزولون في الفيلا البيضاء داخل نطاق فندق 'موفنبيك' في شرم الشيخ. يزعم شهود عيان ان وضع مبارك تدهور وانه يحتاج الى مساعدة على السير. وفريق طبي من المانيا يلازمه.
أول أمس رُميت قضية جديدة الى وسائل الاعلام: فرقية ابنة الرئيس السادات تتهم مبارك بقتل أبيها في أوج العرض العسكري في تشرين الاول (اكتوبر) 1981. ويلتزم ابن الأخ ايضا عصمت السادات الإتيان بشهود يُجرمون مبارك. قبل سنتين عندما حاول عصمت الايماء الى القضية زُج به في السجن.
في اثناء ذلك أخذت موجة الاستئنافات تحتل العناوين الصحافية ومبارك وابناه صامتون، لكن المجلس العسكري الأعلى يُبين انه لا توجد نية لمحاكمة مبارك محاكمة عسكرية. مُنع الرئيس المخلوع من الخروج الى خارج البلاد ويوصى بحزم ألا يظهر. جرى الحجر على حساباته المصرفية وجرى وضع اليد على ممتلكاته التي تساوي عشرات ملايين الدولارات، وتجثم طائرته 'الاير باص' الرئاسية يتيمة في مهبط قرب القاهرة. وقد أعلنت سلسلة طويلة من المحامين المشاهير رفضهم تمثيل العائلة في عشرات الدعاوى القضائية التي تجمعت فوق طاولة النائب العام. جرى الكشف من جملة ما تم الكشف عنه، عن الألاعيب المالية ل 'ماما سوزان'، الزوجة التي اكتسحت بحساباتها أكثر من 150 مليون دولار من تبرعات جُمعت لمكتبة الاسكندرية. وتبين ايضا ان الماما طلبت وحصلت على آثار نادرة من المتحف الوطني وحُلى ذهبية ثمينة جدا. وكل ذلك موثق في وثائق جمعها 'شباب الثورة'.
كل يوم يمضي يجر الى غرف التحقيق أو الى غرف الاعتقال في سجن طرة مشاهير سابقين، واصحاب مراتب رئيسية في سلطة مبارك التي دامت ثلاثين سنة. ستة وزراء و120 رجل اعمال وموظفون كبار، ورؤساء اجهزة، ومحررو صحف وكل من أخذ لجيبه اموالا عامة.
ينتظر النائب العام اللحظة التي يُسلم فيها الانتربول صاحب الملايين حسين سالم، رجل الشركات الوهمية للرئيس السابق لصفقات السلاح وحسابات المصارف السرية في الخارج. لوحظ سالم الذي هرب الى دبي بطائرته الخاصة في اليوم الثاني من المظاهرات ثم انطلق من هناك الى جنيف، في هذا الاسبوع في لندن واختفى مرة اخرى. عندما تضاءلت احتمالات القبض عليه، أصدر النائب العام أمرا بفتح حساباته المصرفية والبحث عن تحويلات وايداعات في حسابات عائلة مبارك. شهادة سالم حيوية من اجل الربط بين الأطراف في قضية سلسلة العمليات الارهابية ومشاركة جمال مبارك.
وثيقة بجنيهين
قبل لحظة من دهم مئات المتظاهرين مقر المباحث في القاهرة في حي نصر، اجتهد ضباط وموظفون في احراق الأدلة المُجرمة، طُرحت وثائق في النار وجُشت ودُست في أدراج خفية. لكن آلاف الاوراق وجدت طريقها الى الخارج، وأصبحت تُباع منها نسخ مصورة في الميدان المركزي في القاهرة بجنيهين مصريين (أقل من شيكل واحد).
الخميس أعلن 'المجلس العسكري الأعلى' الذي يفاجأ كل صباح من جديد بمقدار الفساد والعفن في النظام السابق، حل المباحث وانشاء 'مجلس الأمن القومي'. يمكث جميع قادة المباحث المصرية الآن في السجن. وتم اقتحام 40 فرعا للمنظمة التي أدارت السلطة الحديدية تحت غطاء قانون وضع الطوارىء والاعتقالات التعسفية.
ينتظر وزير الداخلية المطرود العادلي محاكمة مُظهرة لاطلاقه سراح 23 ألف سجين ثقيل من السجون بعد ان نشبت المظاهرات التي أسقطت مبارك وارسالهم لضرب المتظاهرين في الميادين حتى الموت. تم اعتقال عشرة آلاف منهم فقط وأُعيدوا، أما الباقون على حسب وثيقة اخرى فما زالوا يسرقون البيوت السكنية ويبحثون عن الانتقام بسبب السنين الطويلة من التعذيب في التحقيق، والاغتصاب وتزييف القضاة المجندين للأحكام. التزم وزير الداخلية الجديد الكف عن اعمال التنصت، والتعقب الخفي، والنميمة بواسطة الجواسيس والزيارات المباغتة لرجال النظام في منتصف الليل.
في احدى الوثائق المصنفة بأنها 'في الدرجة العليا من السرية'، يُشرك رئيس المباحث المصرية الجنرال حسن عبد الرحمن رؤساء الأقسام الثلاثة الرفيعة في شعبة العمليات فيما يقلقه. يؤكد بخطوط سوداء قائلا: 'يجب ان نضمن سلفا ان يكون المعتقلون الذين يؤتى بهم الى المحاكم أنقياء من العلامات. في المدة الاخيرة كشف كثيرون جدا من المعتقلين في المحكمة عن ندوب وجروح عميقة أثرت في أجسامهم في التحقيق، وأوصي بأن يظل المعتقلون غير الأنقياء في السجون مدة أطول وألا يؤتى بهم الى المحاكم في حضور أبناء العائلة ووسائل الاعلام حتى يُشفوا تماما'.
تكشف مئات الوثائق التي نُقلت الى صفحة التسريبات المصرية في الفيس بوك وحظيت بمئات الردود الغاضبة، عن سلطة رعب تعقبت الشخصيات الرئيسية في السياسة وفي عالم الاعمال وفي الحياة الثقافية حتى ممثلي السينما. من الذي أصدر الأمر؟ وزير الداخلية المخلوع. والى من قدم التقارير؟ بحسب شهادات مقربي مبارك لم يكن الرئيس في الصورة في السنين الاخيرة منذ أن مرض بالسرطان.
تشير شهادتان جديدتان الى عيني جمال مبارك المفتوحتين. فقد أمر في 2004 بأن تُنقل اليه نسخ جميع التقارير الاستخبارية وتقارير المباحث قبل أن يرى أبوه الاوراق الأصلية.
تتذكر اسرائيل ايضا وثيقة سرية كتبت في أوج المظاهرات. يكتب فريق محققي المباحث رأيا استشاريا معللا الى وزير الداخلية ومستشاريه في سؤال من الذي أحدث الاضطرابات حقا ومن الذي يسعى الى اسقاط مبارك. كُتب في الوثيقة: 'بحسب علمنا وتقديرنا الذي يعتمد على معلومات استخبارية، دبرت اسرائيل والولايات المتحدة المظاهرات قصدا الى زعزعة الاستقرار الداخلي، والاضرار بمكانة مصر الدولية والعربية واضطرارها الى اقامة علاقات تطبيع وتعاون تام مع اسرائيل'.
أُبلغ يوم الخميس ليلا ايضا عن اعتقال 'مواطن اردني عمل في مصر في خدمة الاستخبارات الاسرائيلية'. يزعم متحدث رسمي في القاهرة ان 'الشاباك' استعمل بشار أبو زيد في مصر منذ اليوم الذي نشبت فيه المظاهرات، 'مع خلع مبارك مباشرة أُرسل لجمع معلومات عن قادة السلطة الجديدة وعن النشاط الذي يجري حول صفقة الغاز المصرية لاسرائيل'.
وتكشف وثيقة اخرى 'سرية جدا' ايضا عن ان المباحث أجرت تعقبا لصيقا لمبارك داخل الفيلا في الشرم. 'نحن نسمع مما نتنصت عليه ان المخلوع ما زال يسلك كأنه يُدبر شؤون الدولة'، يُبلغ المراقب مصطفى م. نائب وزير الداخلية. 'مبارك لا يتنازل: فهو يهاتف رجال حياة عامة ويطلب اليهم ان يؤيدوا الامين العام في الحزب الحاكم الجديد وان يُبلغوه ما يحدث في مكاتب الادارة'.
ويحقق النائب العام الآن في شكوى جديدة على مبارك فحواها انه حاك في الشرم 'عملية المظاهرات المضادة' وأرسل بلطجية الى ميدان التحرير والاسكندرية في محاولة لاخافة شباب الثورة. 'في ضوء كل ذلك لم يعد احتمال لأن يُرى وجه مبارك للجمهور'، يُبين طارق ح.، وهو اكاديمي أُبعد عن حلقة المقربين من القصر. 'اذا ظهر فجأة فان المظاهرات ستتجدد وتخرج عن السيطرة'.
رجل الاعمال والأميرة
استعمل جهاز المباحث آلاف العملاء والمُبلغين والمصورين السريين والمُنبئين. وهكذا تعقبوا المنافس في الرئاسة الدكتور محمد البرادعي، وسجلوا المكالمات الهاتفية التي أجرتها زوجته. ولم يخجلوا ايضا من التنصت على رئيس الحكومة والوزراء لضبطهم في نقاط ضعف مثل اعمال فساد وقضايا جنس وعلاقات بجهات خارجية لابتزازهم. ومن لم يحظ بالتنصت عليه جند نفسه للمهام أو اضطر الى التعاون مع الجهاز القوي. تكشف وثيقة آسرة عن تسجيلات تنصت على اعضاء مجلس الشعب، ورجال اعمال وأدباء، تبين انهم يرفضون التعاون وحظوا برد عنيف: فقد تسلل تقنيون الى بيوتهم وركبوا عدسات تصوير ومعدات تنصت في غرف النوم كي يوثقوا اعمالهم في الأسرة ويبتزوهم عند الحاجة.
كان هذا مصير رجل اعمال مصري متزوج معروف وأميرة من الكويت، تم تصويرهما زمن اقامة علاقات جنسية، وكي لا تنشر العلاقة الساخنة استُدعي الاثنان الى مقر المباحث في الاسكندرية وحصلا على قائمة مهام.
الآن يطلب رئيس مجلس القيادة العسكرية الأعلى والحاكم الفعلي في مصر، وزير الدفاع حسين طنطاوي من المتظاهرين اعادة الوثائق التي تشتمل على تفاصيل غرامية. في مقابلة ذلك يأتي مستعملو موقع التسريبات 'ويكيليكس' الى بيوت من يملكون الوثائق طالبين وضع أيديهم على الكنز المخبوء. لكن شباب الثورة ردوهم خائبين وقالوا 'الوثائق لنا وستُستعمل شهادة تجريم للسلطة الفاسدة'.
تكشف وثيقة اخرى كتبت في ذروة المظاهرات عن الخطة لوقف المظاهرات باللطف. فقد تلقى الامين العام للجامعة العربية، عمرو موسى، الذي ينافس على الرئاسة، توجها شخصيا عاجلا من نائب رئيس المباحث للخروج الى ميدان التحرير وتسكين الشباب. زار موسى الميدان مرتين لكنه لم ينجح في اقناع الجماهير بالعودة الى بيوتهم.
دفع الثمن عن هذه الصلة: فبعد ان تم الكشف عن الوثيقة مباشرة أعلن قادة حركة 'شباب الثورة' انهم يحولون تأييدهم الى المرشح الثاني، البرادعي. تكشف الوثائق ايضا عن مشاركة الاجهزة في تزوير نتائج الانتخابات لمجلس الشعب في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي لمنع أحزاب المعارضة والاخوان المسلمين من موطىء قدم. يبلغ قادة الفروع في الاسكندرية والمدن البعيدة عن القاهرة في فخر كيف أفسدوا أوراق التصويت ومنعوا دخول ناخبين مُعلمين اشكاليين الى صناديق الاقتراع.
كذلك وُصم مسار تعيين قضاة: فمن أُعلموا بأنهم 'ليسوا منا' لم يحظوا بالتعيين أو وُقفت ولايتهم بمرة واحدة. وفي مقابلتهم حظي القضاة الذين أظهروا طاعة الاوامر ولا سيما في تحريف قرارات الحكم في المحاكمات الجنائية، بتسخين مقاعدهم الوثيرة سنين طويلة.
تتناول وثيقة مثيرة اخرى صفوت الشريف الذي بدأ حياته المهنية موظفا في مقر الاستخبارات، وانتقل الى وزارة الاعلام، وأُهبط ليتولى رئاسة الحزب الحاكم، وأصبح متحدث مبارك وهو الآن معتقل في سجن طرة. تبين ان الولاء الذي أظهره شريف طوال السنين ذو جدوى فقد جمع ثروة كبيرة وأبعد وقرّب رجال اعمال بحسب مصالح وبحسب كبر الرشوة ونجح في اثارة غضب الاجهزة.
كلفه ذلك ثمنا باهظا: فقد صوره فريق تعقب خفي بصحبة مذيعة تلفاز مشهورة أصغر منه سنا بثلاثين سنة، متوجهين بالسيارة الفخمة نحو بيت معزول قريب من الاهرام. 'يصلان دائما في ساعة متأخرة من الليل'، كما أبلغ رئيس فريق التصوير، 'ويتركان على حدة في الصباح الباكر، مع ابتسامة مثيرة'.
اعذرونا
لا ينجح أحد في الخروج نقيا من الرائحة الكريهة التي تنشرها الوثائق. فقد حظي رجال الاعلام الرواد في التلفاز وصحف المؤسسة بذيل خفي ايضا. تكشف واحدة من الاوراق عن ان مذيعي برامج الضيافة تلقوا على الدوام 'توصيات' بمن يحسن اجراء مقابلة معهم ومن يُحرَّم ذلك عليهم. ومن حاول التذاكي وأصر على منح معارضي النظام فرصة الكلام، فاجأه ان تبين له مقعد فارغ في الاستوديو.
يخرج محررو الصحيفة اليومية 'الاهرام'، التي كانت بوق السلطة سابقا، ويدخلون الآن غرف التحقيق. 'أطلب معذرة ضخمة من القراء'، قال المحرر عبد المنعم سعيد في مقالة افتتاحية درامية وكأنه يجلد نفسه على ذنبه. 'ضللناكم كثيرا طوال السنين، إغفروا لنا أننا لم ننقل صورة وضع حقيقية ولم نقم بواجبنا المهني'.
لكنه يصعب عليهم في مصر أكثر من كل شيء ان ينعشوا انفسهم من المعلومات التي كُشفت عن السجون السرية. فقد كُشف عن انه احتُجز في ثمانية منها، 9413 سجينا سياسيا ما زال 213 منهم لم يؤت بهم للمحاكمة. عمل أحد مواقع السجن هذه في الطابق السفلي لمبنى الحزب الحاكم ولم يكن ذلك صدفة، وآخر في مقرات المباحث.
لهذا وبرغم غضب المتظاهرين ما زالوا يحذرون في هذه الاثناء من احراق فروع اجهزة الامن. اذا استثنينا الوثائق السرية فلسنا نعلم كم من معارضي السلطة الذين اختفوا مرة واحدة ما زالوا محتجزين في الأقبية المظلمة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.