نزل القرآن يلقي ضوءًا على جميع المراحل المهمة في هذه المعركة، ما يفيد مكانتها في امتحان قلوب المؤمنين وعبرتها للاحقين، وفضحها للمنافقين وربتها بعطف على المؤمنين مهما بدا ضعفهم وكسرتهم، وقد وردت 60 آية بسورة آل عمران تبدأ بذكر أول مرحلة من مراحل المعركة {وإذ غدوت من أهلك تبويء المؤمنين مقاعد للقتال } وتترك في نهايتها تعليقا جامعا على المعركة { مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِه} كما ترى بالآيات تطييب لنفوس أهل الإيمان{ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} وقوله { إن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}وقوله بالبشرى : {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } وقوله (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) وقوله فى لحظة الانكسار وتحول المعركة وبيان ذلك الامر فى هذه الايات تعزية وصبراً ورحمة منه على المؤمنين وهم فى ساعة العسرة وزلزلت الأرض من تحت أقدامهم وظنوا انه لا ملجأ من الله الا اليه فكانت المواساة من الله لهم وتعزية وتسرية عن المؤمنين ورسوله (142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143) وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ وبدأ التحفيز وبث الروح والتثبيت للمؤمنين والوعد بالجزاء الحسن والجنة حال طاعتهم لله ولرسوله واتباع أوامره فقال تعالى(145) وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ثم بدأ الحث من الله للمؤمنين بعدم طاعة أهل النفاق والشرك ووضح لهم موقفهم ومدى الحقد والحسد والكره الدفين فى قلوبهم وأظهر الله مخططهم للنيل من الإسلام وحذرهم الله من كيدهم وخطرهم فقال تعالى(148) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ وقد وضح الله تعالى فى هذه الأيات كبف كان النصر حليف المسلمين فى بادىء الأمر لما نفذوا خطة القائد رسول الله وكيف فعلوا بالمشركين وهزموهم شر هزيمة ونالوا منهم حتى ملأت الدنيا قلوب البعض منهم وهم القوة الضاربة لحماية ظهر المسلمين هم الرماة وتركوا مواقعهم لأخذ الغنائم فحدث ما حدث وفال تعالى(151) وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ثم أوضح الله موقف المسلمين لما دارت عليهم الدائرة وكيف تولوا وأدبروا عن ساحة القتال متوجهين الى المدينة والى الجبال المجاورة لأحد خوفا من هول قتال المشركين فقال تعالى (154) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) ثم وضح كيف ان المنافقين كانوا يحاولون زعزعة صفوف المسلمين ويثيروا الفوضى والذعر وبين خطتهم ووضح للمؤمنين ان نهايتكم الى الله اليه المرجع والمتاب فيجازى من أطاع وأحسن ويعاقب من عصى وخالف ونصح الرسول بان يشاورهم فى الامر ويستغفر لهم ويعاملهم بالرفق واللين والهواده فقال تعالى (155) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158) فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ وبدأ الله فى التسرية عن رسولة صلى الله عليه وسلم وعن المؤمنين موضحاً لهم كيف بعث فيهم رسول منهم يعلهم ويخرجهم من الظلمات الى النور وكيف ان اطاعوا الله ورسوله ماذا أعد لهم من منازل ونعيم مقيم دائم ووضح لهم مدى منزلة الشهيد فى سبيل الله ومكانتة فانظر الى رحمة الله سبحانة وتعالى وحبه لهم لأنهم يحبونه وليثبت لهم ان ما حدث لهم فى هذه العزوة كان سوء تقدير منهم لانهم لم يأخذوا بالأسباب ولكى يميز الله الخبيث من الطيب ذلك هو ما اشتملت عليه الأيات الى نهايتها(163) لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164) أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168) وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178) مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) ما هى الدروس المستفادة من غزوة أحد ؟ ان طاعة أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم مهمة للغاية فى شريعتنا نحن المسلمون، كما يتضح في هذه الغزوة، حيث كان لعصيان الرماة في غزوة أحد لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم عواقب سلبية وخيمة، حيث كان هذا هو السبب الأساسي للهزيمة التي تعرض لها المسلمون. لذا ماذا يجب علينا ان نفعل عند الهزيمة؟ عندما نتعرض للهزيمة، علينا أن نلوم أنفسنا أولاً، ونأخذ في الاعتبار أن ذنوبنا هي السبب في الهزيمة، فينبغي أن نتوب عن خطايانا، وأن ندرك أخطائنا ونُعد أنفسنا إعداداً جيداً لكي نتصرف بطريقة مختلفة وأفضل حتى نتمكن من الحصول على نتائج مختلفة في المرة القادمة، إن الهزيمة هى الوقت المناسب للتخلي عن الأنا لدينا لأن عواقب الهزيمة تأتي على الجميع. كما أن العصيان والطمع سبب للهزيمة فالطمع هو أيضا عدو النصر، والنصر يتطلب الصمود. لكن العصيان والطمع يصرفانك عن الصمود. فإذا كنت تريد النجاح والانتصار من أجل هذا الدين، فحارب عصيانك وإحساسك بالطمع أولاً .فتعلم ان تكون ليناً طيباً هشاً مع الناس كما قال الله لرسوله فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (آل عمران: 159) فلقد حفز هذا اللين والرحمة المسلمون على الكفاح بقوة أكبر والسعي لطاعته صلى الله عليه وسلم أكثر، الأمر الذي أثبت أنه مثمر للنضال، فحتى عندما يرتكب الناس أخطاء، فهذا لا يعني أن تكون قاسياً ووقحاً معهم، ولكن ابق لطيفًا مع الناس ، حتى بعد أن أخطأوا، وامنحهم فرصة أخرى. كما أن هذه الغزوة تعلمك أن يكون لديك امل فالهزيمة والنصر ليسا دائمين، فالأيام دُول، كما قال تعالى: "إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" [آل عمران: 140]، وهو ما حدث بعد هزيمة أحد، حيث عمل المسلمون بجد لتحقيق النصر في غزوة الخندق، فبعد الهزيمة عُد أقوى واجعل هزيمتك درسًا مفيداً لك، واستفد من أخطائك. ولا يتسع بنا المقام لزيادة فى العرض المهم الاعتبار والعظة والاستفادة وهذا ما حدث بعد ذلك ( شهداء أحد) .. انتهت المعركة في صفحتها الثانية باستشهاد 70 صحابيا، نزل فيهم قوله تعالى : {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } وقد قتل 35 مشركا على أرجح الأقوال .وقد أقدمت قريش قبل انسحابها من ساحة القتال على جريمة شنعاء بالتمثيل بأجساد الشهداء وبقر بطونهم وجذع أنوفهم وقطع آذانهم، وشق هذا المشهد الأليم على النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم والصحابة، وتعهد برد الصاع لقريش، ولكن جاء أمر الله بالصبر والاحتساب، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم صحابته عن التمثيل بالعدو في الغزوات. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم بين ظهراني صحابته الممثل بهم »أنا شهيد على هؤلاء كفنوهم في دمائهم فإنه ليس جرح يجرح في الله إلا جاء يوم القيامة يدمي، لونه لون الدم، وريحه ريح المسك، قدموا أكثرهم قرآنا فاجعلوهم في اللحد ثم قال النبي أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة فأتوهم وزوروهم، والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد الا ردوا عليه السلام إلى يوم القيامة وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بدفن شهداء أُحد ولم يصلِّ على أحدمنهم ولم يغسلهم . ومن سيرة عظماء الشهداء بغزوة أحد، نستعرض تلك القطوف اليانعة على سبيل المثال لا الحصر حيث لا يتسع المقام لذكرهم جميعاً وهم كما قلنا يربو عددهم على السبعين شهيداً وسنذكر من كان له أثر فى حادثة او موقف مع الرسول . 1:_حمزة بن عبد المطلب "أسد الله" : أطاح برؤوس نفر من حملة لواء المشركين من بني عبد الدار، وقتله العبد وحشي، ومثل بجثته، وشوهد الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم وهو يبكي حتى ارتفع نشيغه حزنا عليه وكمدا. وقد وجدوا إلى جواره أنصاري شهيد ممثل به أيضا، وأعطوا لكل واحد منهما ثوب للكفن، وأنشدت صفية برحيله: دعاه إله الحق ذو العرش دعوة إلى جنة يحيا بها وسرور 2 _مصعب بن عمير: حامل لواء المهاجرين بالمعركة. فلما استشهد بأحد على يد ابن قمئة، أمر الرسول بتغطية رأسه وأن يجعلوا على رجليه نوعا من العشب يسمى الإذخر، فلم يكن الكفن يكفي طوله، وقرأ صلى الله عليه وسلم، قوله تعالى : {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } 3 _حنظلة بن أبي عامر "غسيل الملائكة": وجد عمر في يديه بللا وهو يكفنه له رائحة المسك، فأرسل النبي الصحابة ليسألوا أهله، وكان أن خرج في ليلة زفافه بعد البناء بعروسه، إذ نادى المنادي قبل الفجر "حي على الجهاد"، فقام فزعا حتى نسي أن يغتسل وأسرع إلى أرض المعركة، فاستشهد، فرأي الرسول صلى الله عليه وسلم الملائكة تغسله بين السماء والأرض. وكان أن ضرب فرس أبي سفيان فوقع على الأرض، وهم ليذبحه، حتى أتاه ابن شعوب، وحمل عليه بالرمح . 4 _أنس بن النضر.. سمع في غزوة أحد أن الرسول قد مات، وأنه قتل، فقال لأصحابه : "فما تصنعون بالحياة بعد رسول الله؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله ".واندفع في صفوف القتال قائلا لسعد بن معاذ "يا سعد والله إني لأجد ريح الجنة دون أحد"، فقاتل حتى قتل، وما عرفته إلا أخته ببنانه، وبه بضع وثمانون ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم. 5 _سعد بن الربيع.. سأل النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم عنه أفي الأحياء أم الأموات، فوجده زيد بن ثابت في الرمق الأخير بين الجرحى، وأوصاه بأن يقريء نبي الله السلام ويخبره بأنه يجد ريح الجنة، موصيا : يا زيد بلغ قومي من الأنصار السلام، وقل لهم: لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله مكروه وفيكم عين تطرف" 6 _عمرو بن الجموح: كان ذا عرج، فرفع عنه الجهاد، ولكنه خرج بإذن النبي، فرآه في الجنة برجل سليمة 7 _مخيريق: حبر يهودي خالف قومه فأسلم وقتل في المعركة، فقال عنه الرسول الحبيب "مخيريق خير يهود"، وكان لليهود موقف مخز عموما شامت مما حل بالمسلمين باحد. 8 _عبد الله بن جحش: دعا ربه أن يرزقه بغزوة أحد رجلا شديدا بأسه وحرده يقاتله في الله ويقتله ويجدع أنفه وأذنه ، ونال ما تمنى طلبا للجنة. 9 _عبد الله بن عمرو بن حرام: قال لابنه " ما أراني إلا مقتولا في أول من يقتل من أصحاب النبي " وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد استشهاده لعمته وولده يبكيانه، فقال: »ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب وكلم أباك كفاحا، يا جابر أما علمت أن الله أحيا أباك فقال: يا عبدي، تمن علي أعطك، قال : يارب تحييني فأقتل فيك ثم ثانية ، فقال الرب سبحانه: إني سبق مني أنهم إليها لا يرجعون، قال يارب فأبلغ من ورائي ، فأنزل تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ..« وقد اعتاد الصحابة الشهداء على رؤية من سبقوهم ببدر يبشرونهم بقرب الملتقى، جرى ذلك مع ابن حرام وخيثمة أبو سعد الذي فقد ابنه ببدر، كما خرج للمعركة الشيوخ كأبي حذيفة بن اليمان وثابت بنوقش، وقد قتل الأول خطأ وتصدق ابنه بديته، كما دعا رسول الله لوهب المزني والذي أتى وابن أخيه واستشهدا بساحة القتال بعزم شديد، والأصيرم الذي أسلم حديثا فما صلى في حياته صلاة ولكنه استشهد فنال الجنة. 10 _ومروا بامرأة من بني دينار وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها بأحد، فلما نعوا لها قالت: فما فعل رسول الله قالوا خيرا، فلما رأته قالت: كل مصيبة بعدك صغيرة، وقالتها أم سعد بن معاذ شهيد المعركة، وقد بشرها النبي أن قتلى أحد ترافقوا في الجنة وشفعوا في أهلهم جميعا، ودعا الرسول لمن خلف منهم . وانتهت المعركة علنى قد وفقت فى عرضها لكم بأحداثها وفق ما أوضحتة سورة آل عمران وتطابقت تأملاتنا فى السورة مع رؤيتكم ورأينا ان (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)النور. والى لقاء أخر