بقلم الكاتب و السينارست والمُعد المصري وائل مصباح إن مصر ليست هبة النيل فحسب كما وصفها هيرودوت,وليس معنى هذا التقليل من أهمية النيل,فالحضارة المصرية لم تكن تزدهر وتترعرع دون ذلك التفاعل المزدوج بين المصريين وبيئتهم,فلقد وفر النيل مقومات صنع الحضارة,ولكن لو أن نهر النيل يجرى بل يلهث لملايين السنين في هذه البقعة من الكرة الأرضية دون أن يعيش على ضفافه بشر فهل كانت ستوجد مصر؟بالطبع لا. أليست هناك انهار أخرى عاش على ضفافها بشر دون أن تصبح مصر؟نعم. ألا يمر النيل على ثمانية بلدان أخرى غير مصر،فلماذا لم يظهر فيها حضارة تقارب لا تشابه حضارة الفراعنة؟ إن كفاح المصريين وتفاعلهم البناء والمبدع عبر آلاف السنين مع معطيات النيل العظيم وواديه الفسيح هو الذي أبدع تلك الحضارة العتيقة الراسخة،لذا يظل الإنسان المصري بعقله وعرقه هو صانع مصر. لا تتسرع لتضم صوتك لصوت شفيق غربال والذي اعتقد أن مصر هبة كل المصريين _ أكثر من ألف مليون مصري ساهموا في صنع الحضارة المصرية على مر العصور،وأنت واحداً منهم _ فلو أننا عاشنا على أرض أخرى،أو لو أن أرضنا لم يكن يجرى فيها النيل،فهل كان بامكاننا أن نصنع حضارة كتلك التي صنعناها؟ربما! ألا توجد شعوباً أخرى أقامت حضارتها دون أن يجرى في أرضها نهر النيل؟نعم. ألم يظل النيل يجرى في بلادنا حتى اليوم؟والفرق شاسع بين حضارتنا القديمة وحضارتنا الحديثة. ولا تحاول أن تمسك العصا من المنتصف,وتقول أن مصر هبة النيل والمصرين معا،رغم انه يُصح أن نقول أن النيل هبة للمصريين،وأن مصر هبة المصريين,ولكن القول الفصل _من وجهة نظري المتواضعة_ هو أن مصر هبة الرب,نعم هبة الرب،أقروا الكتب السماوية وانتم تتيقنوا من تلك الحقيقة. فلأمر ما شاء رب العرش لأنبيائه ورسله أن يخرجوا من تلك البقعة الوسطي من شرق الأرض,فيبشروا فيها بما نزل عليهم من كتب الدين ورسالات السماء,ولأمر ما شاء الإله العليم أن يُقبل أنبياؤه على مصر ويردوها,فيقيموا فيها ما شاء لهم أن يقيموا,أو يكون لهم بها سبب يعظم أو يهون,أجل فلقد كانت مصر وستظل فصلاً جليلاً من تاريخ كل دين,على أرضها كلم الله موسى وبعثه هداية للعالمين,وأقبل عليها يسوع في المهد وكانت به أسبق المؤمنين,ثم صارت من بعد حصن الإسلام ومعقله الحصين. ومن قبل ذلك أقبل عليها أبو الأنبياء خليل الرحمن إبراهيم,فأقام بها بين أهلها يقول لهم ويسمع منهم,ثم يخرج بجارية مصرية _ هاجر _ تكون أماً لبكر بنيه_ إسماعيل_ الذي باركه ربه,فكان صديقا نبيا,ومن إسماعيل تخرج امة عظيمة هي أمة العرب المستعربين,ومنها كانت قريش زعيمة العاريين والمستعربين أجمعين. وقد شاء الله أن يشرف الأصل بالفرع,فتشرف هاجر بمولد إسماعيل,بل يشاء تخليداً لتلك الفتاة المصرية الطاهرة, فيفرض على عباده السعي كما سعت بين الصفا والمروة حاجين أو معتمرين,إذ تأذن ربك للآلاف من خلقه أن يطوفوا بين الجبلين إذ يتدافعون ما دارت الشمس كل عام مسبحين مهللين,وأن يكون فرضه هذا من أركان دينه الذي انزله وارتضاه كافة للعالمين"إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما". ومن بعد إبراهيم جاء يوسف,إذ حمل إليها صبيا فعاش فيها حياته حتى توفاه الله في أرضها"وقال الذي اشتراه من مصر لإمرته اكرمى مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث". ونشا فيها موسى حيث ربي وليدا ولبث فيها من عمره سنين"فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا أنى آنست نارا لعلى آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون ". وأما يسوع فقد أتت به مريم تحمله حيث أقامت بين عين شمس وبابليون"وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين"،ولذا ستظل مصر قبلة التوحيد,إذا ضُرب بها الدين فقل على الدنيا السلام. وكان لحبيبنا وقدوتنا محمدا صلى الله عليه وسلم _ كما كان لجدة إبراهيم_ زوجة مصرية هي مارية ابنة شمعون التي أنجبت له ولده إبراهيم,كما كان له صلى الله عليه وسلم فيها أحاديثه الشريفة ما وصى بها الناس بأهلها,وذكر إننا نكون على الأعداء نعم العون,صدق الصادق الأمين, الذي لا ينطق عن الهوى. وسبحان ربك الأكرم الذي انبت في مصر القرطاس والقلم,وجعلها المدرسة التي فيها علم الإنسان بهما ما لم يكن يعلم,إذ تأذن لأهلها فجعلهم أول من يكتبون وعنهم اخذ الناس القلم وما يسطرون. هذه مصر التي ذُكرت في القرآن الكريم في ثمانية وعشرين موضعاًَ,وقيل بل أكثر من ثلاثين,ما بين تصريحا أو كناية,ونضيف أنها ذكرت في الكتاب المقدس في ستمائة وثمانين موضعاً,فهل يوجد قطر من أقطار الأرض اثني عليه المولى عز وجل بمثل هذا الثناء,ولا وصفه بمثل هذا الوصف,ولا شهد له بالكرم غير مصر؟! إلا يكف كل هذا ليظل اسمها باللغات الأجنبية مثل العربية _مصر_ بدلا من EGYPT ؟!! هذا الاسم الذي أعاده إليها ابنها البار أنور السادات بعد أن ظلت لسنوات تبحث عنه كأم ضاع منا وليدها،فلتكن تلك الدعوة هي الشرارة الأولى لحملة تطالب بذلك بدلاً من حملات التشكيك و التخوين. فبالفعل فإن لم أكن مصرياً،لوددت أن أكون مصرياً،هذا ليس شعار مستلهماً من مقولة الزعيم الراحل مُؤسس الحزب الوطني مصطفى كامل بل حقيقة نحسها جميعاً في وقت الأزمات،بل نردده معا من طابور المدرسة وحتى مباريات الكرة، "بلادي بلادي بلادي..كل حبي وفؤادي"وأخيرا استحلفكم بالله أن تقرأوا فاتحة الكتاب لكل قطرة دم روت وستروى شجرة الحرية ذات الجذور المتوغلة في ثرى أرضنا الطاهرة،الباقية،الخالدة،أما نحن فزائلون. وائل مصباح عبد المحسن