الأزهري: قمنا بأعمال تأسيسية لتطبيق رؤية الدولة لتجديد الخطاب الديني    أمل عمار: النساء تواجه تهديدات متزايدة عبر الفضاء الرقمي    محافظ أسوان: تطوير طريق السادات هدية الرئيس السيسي للأهالي    وزير الطيران يكرم عددا من المتميزين ويؤكد: العنصر البشري ركيزة التنمية    عاجل - مدبولي يلتقي رئيس البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية ويؤكد: مصر أكبر دولة عمليات للبنك في جنوب وشرق المتوسط    جيش الاحتلال تدمير مقر القيادة للنظام السوري السابق في قمة جبل الشيخ    رئيس أوكرانيا يعرب عن امتنانه للجهود التي تبذلها التشيك لدعم بلاده    نجم ليفربول يعلن رحيله نهاية الموسم: سأظل مدينًا لكم    «وكيل الشباب بشمال سيناء» يتفقد الأندية الرياضية لبحث فرص الاستثمار    جهود مكثفة لضبط المتهم بقتل شاب في مشاجرة بالتبين    الأرصاد الجوية تحذر: طقس غير مستقر وأمطار خفيفة على بعض المناطق    مصرع مُسن وإصابة آخرين في حادث مروري بقنا    جوري بكر في بلاغها ضد طليقها: "نشب بيننا خلاف على مصروفات ابننا"    إحالة المتهم في قضية الطفلة مريم إلى الجنايات    6 صور ترصد لقاء السيسي وسلطان البهرة    رئيس الوزراء يلتقي رئيس البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية    كارول سماحة تستقبل عزاء زوجها الراحل وليد مصطفى بمسجد الشرطة.. اليوم    شيخ الأزهر يستقبل والدة الطالب الأزهري محمد أحمد حسن    «الصحة» تنظم دورات تدريبية للتعامل مع التغييرات المناخية وعلاج الدرن    قطاع الرعاية الأساسية يتابع جودة الخدمات الصحية بالوحدات ومراكز طب الأسرة بأسوان    «الصحة» تعلن نجاح جراحة دقيقة لإزالة ورم من فك مريضة بمستشفى الشيخ زايد التخصصي    هيئة الرعاية الصحية: نهتم بمرضى الأورام ونمنحهم أحدث البروتوكولات العلاجية    إعلام إسرائيلي: الحكومة تقرر عدم تشكيل لجنة تحقيق في أحداث 7 أكتوبر    جامعة مايو تفتح ندوتها "الانتماء وقيم المواطنة" بكلمة داليا عبد الرحيم.. صور    البلطي ب100 جنيه.. انخفاض أسعار الأسماك في أسيوط    شوبير عن ظهور زيزو في تدريبات الزمالك: قلت له "ارجع.. محدش هيضربك"    «مسرح الجنوب» يكرم الكاتب المسرحي محمد ناصف    بالمجان وبدءًا من اليوم.. أفلام عالمية وهندية وأوروبية تستقبل جمهور قصر السينما    منهم الأهلي.. زميل ميسي يتحدى منافسيه في كأس العالم للأندية    الزراعة تستعرض أنشطة معهد الإرشاد الزراعي خلال شهر أبريل    جدول امتحانات الترم الثاني للصف الثاني الثانوى في القليوبية    في موسمه ال13.. جامعة بنها تحقق مراكز متقدمة في مهرجان «إبداع» (صور)    الكرملين: بوتين لا يخطط لزيارة الشرق الأوسط في منتصف مايو    الهند تحبط مخططا إرهابيا في قطاع بونش بإقليم جامو وكشمير    وزير الخارجية العراقي يحذر من احتمال تطور الأوضاع في سوريا إلى صراع إقليمي    جامعة بنها تحصد عددا من المراكز الأولى فى مهرجان إبداع    عضو مجلس المحامين: الإضراب أمام محاكم الاستئناف يشمل جميع جلسات الخميس    "صحة غزة ": عدد الشهداء الأطفال تجاوز 16 ألفا.. والقطاع يشهد مؤشرات صحية وإنسانية خطيرة    طريقة عمل القراقيش بالعجوة فى خطوات بسيطة    توقعات الأبراج اليوم.. 3 أبراج تواجه أيامًا صعبة وضغوطًا ومفاجآت خلال الفترة المقبلة    بدرية طلبة تتصدر الترند بعد إطلالاتها في مسرحية «ألف تيتة وتيتة»|صور    وزير الكهرباء يجتمع بمسئولي شركة "ساى شيلد" لمتابعة مجريات تشغيل منظومة الشحن الموحد    متحدث «الوزراء»: تنسيق كامل بين الجهات المختلفة لزيادة عدد الحضانات    محمود ناجي حكما لمواجهة الزمالك والبنك الأهلي في الدوري    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الاثنين    مروراً بالمحافظات.. جدول مواعيد قطارات الإسكندرية - القاهرة اليوم الاثنين 5 مايو 2025    مصرع طالبة صعقًا بالكهرباء أثناء غسل الملابس بمنزلها في بسوهاج    النحاس يبدأ دراسة نقاط القوة والضعف في المصري قبل مواجهة الخميس    نتنياهو: خطة غزة الجديدة تشمل الانتقال من أسلوب الاقتحامات لاحتلال الأراضى    النشرة المرورية.. كثافات مرتفعة للسيارات بشوارع وميادين القاهرة والجيزة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 5-5-2025 في محافظة قنا    ترامب يدرس تعيين ستيفن ميلر مستشارا للأمن القومي    موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025 .. تعرف عليه    ارتفعت 3 جنيهات، أسعار الدواجن اليوم الإثنين 5-5-2025 في محافظة الفيوم    أمير هشام: الزمالك في مفاوضات متقدمة مع البركاوي.. وبوزوق ضمن الترشيحات    تكرار الحج والعمرة أم التصدق على الفقراء والمحتاجين أولى.. دار الإفتاء توضح    محظورات على النساء تجنبها أثناء الحج.. تعرف عليها    على ماهر يعيد محمد بسام لحراسة سيراميكا أمام بتروجت فى الدورى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر... الأرض تخرج أثقالها
نشر في الواقع يوم 18 - 04 - 2012


بقلم مصطفى الغزاوي
تكاد الأرض في مصر أن تُخرج أثقالها، فكل لحظة تمر يحدث انقلاب جديد لباطن الأرض إلى سطحها حتى أن أوراق التوت التي سترت عورات الاتفاقات على حساب الثورة تتساقط كاشفة عجزا كليا لدى كافة الأطراف عن استكمال الثورة، من دون بدايات جديدة.
أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها بشأن إلغاء تشكيل لجنة المائة لوضع الدستور وكشف الحكم أن الكثير ممن يشاركون في التفسير والاستئثار "حافظ وليس بفاهم".
وقرار المجلس النيابي بتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية لعزل بقايا نظام مبارك، كشف أن الجميع كان في غفلة، حافظ أيضا ما يريده لذاته وغافل عن وطن وثورة وبناء النظام الجديد.
وانتهت لجنة انتخابات رئيس الجمهورية إلى رفض طلبات ترشح 10 شخصيات، كان ثلاثة منهم كحمم بركان تفجر خلال الأيام الماضية في وجه المجتمع، تطلق تهديداتها ووعيدها، وكأن ثورة يناير فتحت الباب على مصراعيه لتكشف حقيقة الصورة المشوهة للأشخاص والجماعات والأحزاب والحياة السياسية القائمة.
لو أن أطفالا من ذوي الاحتياجات الخاصة مصابون "بالتوحد"، أو الأطفال "المنغوليون" أداروا الفترة الانتقالية بعد الثورة لما وقعوا في متوالية الأخطاء التي تصل إلى حد الخطايا، وكشفت عنها وقائع الأيام الماضية. وفي الوقت ذاته يتحدث المتناقضون والمتصارعون عن الثورة وهم كأطراف المكون الحقيقي للحركة المضادة للثورة خلال الفترة الانتقالية.
تقول الحكمة إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، ولكنها تغيب عن الساسة المصريين، وكأنهم استعذبوا السقوط، وأرادوه سقوطا جماعيا.
كشف ترشح عمر سليمان نائب الرئيس السابق ومدير المخابرات في نظامه، وجه المناورة لدى الإخوان، فبعد غياب عن الالتحام مع عناصر الثورة وحركتهم طوال الفترة التالية ليوم لقائهم الأول مع عمر سليمان أثناء أحداث الثورة واتفاقهم على الخروج من الميدان مقابل الإفراج عن الشاطر، واندماجهم مع المجلس العسكري ضد الثورة، والتفافهم على تشكيل لجنة الدستور والسعي إلى الاستحواذ الكامل على مقدرات الوطن، عادوا من جديد للاعتذار.
باعوا دم الشهداء بإفراج صحي عن الشاطر، وعادوا ليعتذروا عن خيارهم قي استفتاء 19 مارس 2011 والذي مثل أولى خطوات الانقسام العلني داخل المجتمع، وكانوا هم صانعوه.
لم يعتذروا عن تقدم أحد نوابهم بقانون لتجريم المظاهرات، ولكن عندما وجدوا في عمر سليمان خصما شرسا في انتخابات الرئاسة، خرجوا إلى ميدان التحرير في مظاهرة الجمعة 13 أبريل ويهتفون بسقوط حكم العسكر (وكانوا شركاءهم)، ويهتفون ضد عمر سليمان (وكانوا يحاورونه وباعوا له دم الشهداء بالإفراج عن الشاطر)، ثم وسط ذلك كله يتحدثون عن حماية الثورة، فمن ذو عقل وذاكرة يمكن أن يصدقهم.
ومن يمكنه أن يصدق دعوتهم إلى وحدة فصائل الثورة لحمايتها، وممن نحميها؟ ومن نأتمن رفقة الموقف؟، وحتى مع التسليم بأنهم يحملون نفس أهداف الثورة، فما معنى أنهم يدعون إلى مشروع للنهضة الوطنية، ويطالبون بخصخصة المياه، مياه الري والشرب، وبخصخصة الكهرباء، أي أنهم يطبقون بأيديهم على رقاب الفقراء بدلا عن العدالة الاجتماعية.
الأدعى للتأمل ليس موقف "المرجيحة" أو "البندول" الإخواني، ولكن غياب وحدة القياس لدى من عداهم، فإذا اتهموا الإخوان بأنهم من أصحاب مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة"، فالاتهام أو الملاحظة تعود على من يتهمهم، أنهم بلا رؤية أو مرجعية، وأنهم أصحاب بندول آخر، وهو ما عرض شباب الثورة للوقوع بين شقي رحى الانتهازية، تطحن عظامهم بعد أن تقتلهم رصاصات النظام الذي يدير المرحلة الانتقالية.
مساء يوم الجمعة 13 أبريل عرضت شاشات التلفزيون لحوارين مع كل من د.عبد الحليم قنديل ود.علاء الأسواني. ويمكن إيجاز حوار الدكتور عبدالحليم قنديل في قوله "أفلحوا إن صدقوا"، وأوضح في حديثة الفارق بين قيادة الإخوان وخياراتها، وبين شباب في هذا التنظيم يسعى إلى التغيير، وهو أمر ينذر بانقسام قد يضعف التنظيم، خاصة أن جملة خياراته يمينية ولا تتسق ومطالب التغيير وما تفرضه من خيارات جديدة.
بينما كان حديث د. علاء الأسواني مفعم بالأمل، وأن الإخوان قد وعوا الدرس، وأن يوم 13 أبريل هو بداية جديدة لوحدة كافة الفصائل في مواجهة التحديات التي تواجه الثورة.
الرجلان صادقان مع أنفسهم، ولكن الواقع يميل إلى الرؤية الأولى ولا يستسيغ رؤية الأمل في أن الإخوان يمكن أن يستوعبوا أي درس مر بهم، لأنهم يعتبرون أن لكل حالة مقتضاها، وربما يحمل الغد نتائج حوار لهم مع المجلس العسكري جار الآن ولا يعلم أحد جدول أعماله.
وتتزايد المفارقة عندما يتساءل أحد الكتاب وهو محسوب على التيار الديني: لماذا يستغرب الناس أن يفوز حزب إسلامي في مجتمع إسلامي!!، وكأن وصف الحزب بالإسلامي هو رخصة وجود وحقيقة مضمون، ولم يطرح علينا لماذا كان يكذب ويتخذ موقفا مع المجلس العسكري وضد حركة شباب الثورة في الشارع، ولم يكشف لنا عن ماهية الإسلام الذي يعنيه، حيث صارت الكلمة حمالة أوجه، ومجرد محاولة للهروب من المسؤوليات المجتمعية والوطنية، وكأن الإسلام بديل الثورة، أو هي تتناقض معه.
تؤكد المفارقة بين الآراء الثلاثة أن المرجعية تتباين، فالثورة ليست معيار قياس ولا تحدد الهوية الوطنية طبيعة الالتقاء أو المفارقة، فالأمر إما إسلام أو ثورة، وأنه في الأغلب تحاول الصفوة الركون إلى أمل أقرب للوهم لأن الواقع لا يؤكده والتجربة تنفيه، أما قبول عناصر الإخوان كجزء من الخريطة الوطنية المصرية فهذا ما ندعيه نحن ولكن لا يراه الإخوان حقيقة تعادل خياراتهم الذاتية.
الحديث الأكثر إيلاما هو الحديث عن مرشحي الرئاسة، كلما سألني أحدهم عمن سأنتخب للرئاسة، أصابني صمت الرفض، وعندما يلحون لأخرج عن صمتي أقول سأنتخب محمد البرادعي، فينبهونني أنه سحب ترشيحه، فأرد ولكني أعطيته صوتي ولا أملك تغيير موقفي.
الأمر ليس لمن ستدلي بصوتك، ولكن ما هو المعروض عليك. وليعذرني كافة المرشحين، من كان منهم في الميدان أو من تعايش عليه، من له تاريخ ومن من دون تاريخ، ومن يستحق منهم ومن لا يستحق، فكلهم مصريون ولهم حق الترشح وإبداء الرغبة في خدمة الوطن إن صدقت، ولكن السؤال لهم جميعا: من منكم يستطيع، وبالتالي يستحق؟
كلمات ضخمة تخرج من الأفواه، ولكن لا تداخلني قناعة بأنهم يستطيعون، أو يملكون تصورا، فلسنا في حاجة إلى تجارب أو فتح فصل تعليمي، كيف تكون رئيسا؟
ومن غرائب الساعات الماضية تصريح لرئيس المجلس العسكري أثناء اجتماع تبويس اللحى بين الأحزاب والمستقلين والمجلس العسكري للتوفيق بين الفرقاء بشأن الجمعية التأسيسية لوضع الدستور بعد حكم المحكمة الذي رفض التشكيل الذي أنتجته الأغلبية في مجلسي الشعب والشورى، وقوله إن إقرار الدستور يجب أن يسبق انتخابات الرئيس؟!، أي أنهم يصنعون الانقلاب على الثورة خلال 14 شهرا ويطالبون بالدستور خلال ما يقل عن 30 يوما؟!، فأي إحساس هذا بالزمن والمسؤولية تجاه وطن ومستقبل شعب؟
الجمعة القادمة 20 أبريل خروج تال ضد عودة بقايا نظام حسني مبارك إلى موقع الرئيس، وينضم من خرجوا في 13 أبريل إليهم كما أعلنوا، والهدف المعلن تطبيق العزل السياسي على عمر سليمان وأحمد شفيق، فهل إزاحتهما من الانتخابات الرئاسية ضمان بأن الثورة استردت عافيتها، أم أنها مجرد محاولة لتجاوز حفرة على الطريق بينما الطريق في غير اتجاهه الرئيسي الذي اختارته الثورة.
وعلى جانب آخر تكفلت لجنة انتخابات الرئاسة بمرشحين من التيار الديني، خيرت الشاطر (أو سيدنا يوسف المعاصر كما شبهته جماعة الإخوان، وقال عنه مرشدها إن دعاءه مستجاب فاحذروه، حتى الدعاء المستجاب استخدموه للتهديد والوعيد!) والثاني هو حازم أبو إسماعيل (ويراه أنصاره أنه خليفة المسلمين المعاصر، وهو القائل: إن المرحومة والدته تحمل جواز سفر أمريكي ولكن ليس بالضرورة أنها تحمل جنسية أمريكية؟!)، وقد يخرج علينا أحد ليتساءل كيف يزيحون مرشحين إسلاميين في مجتمع إسلامي؟ ولا أدري لماذا أتذكر تصرفا قام به أردوغان عندما أمسك بياقة بدلته قائلا: "لقد سئمناكم"، موجها حديثه إلى الإسرائيليين وصلفهم وتعنتهم وكذبهم.
هذه الإزاحات من بين مرشحي الرئاسة ليست دلالة استرداد الثورة ولكنها في إطار الصراع على كرسي الرئاسة وخارج مهام الثورة الرئيسية.
فلتأت أصوات الناخبين بمن تختار لكرسي الرئاسة، فالأمر سواء أن تختار "أحمد" أو "الحاج أحمد"، وليختار من يشاء ما شاء من أسماء، ولكن تبقى الحقيقة المريرة: من سيبقى على طريق الآلام فوق الأشواك وقدماه حافيتان داميتان؟
التغيير ليس استبدال أشخاص فوق كراسي الحكم، وليس مجرد قواعد تبادل السلطة، وليس صناديق الانتخاب، التغيير هو إرادة بناء، والبناء اقتصاد واجتماع وسياسة، وإذا كانت السياسة علاقة بين أفراد وجماعات وقواعد دستورية وقانونية تحكمها، فإن الاقتصاد هو مضمون الوجود ذاته الذي يتطلب السياسة لتدير هذا الوجود وعلاقاته، الاقتصاد هو البناء الذي على أساسة تقوم السياسة والعلاقات داخل المجتمع، وهو العنصر المسكوت عنه حتى الآن في الثورة المصرية.
لا أحد طرح كيف السبيل إلى التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، وتجري مفاوضات بين الحكومة المصرية والبنك الدولي للحصول على قرض جديد لسد عجز الموازنة، على أن تقدم مصر خططها في هذا الشأن، وجدت الحكومة سبيلها للحوار مع البنك الدولي ولا تعلن ماذا تفعل على الشعب الذي سيتحمل خياراتها واتفاقاتها.
هروب الجميع، ولا أستثني منهم أحدا، من مسؤولية وضع رؤية اقتصادية يتضمنها الدستور الجديد هو دلالة عجز وليست دلالة وضوح واتفاق.
إن أي دستور جديد، حتى وإن استدعى من الصياغات ما يشاؤه الكافة حول الشريعة وتبادل السلطة وحقوق الإنسان والمرأة والمعاقين، دون أن يشمل رؤية اقتصادية، وتعظيم موارد العلاج والضمان الاجتماعي والسكن والتعليم، والعدالة الاجتماعية غير رؤية اقتصادية متفق عليها، ويقننها الدستور ويلتزم بها الجميع لن يساوي للثورة قيمة الحبر الذي كتب به.
إننا لا نملك خريطة اجتماعية واضحة، هي مجرد أحاديث حول العشوائيات وأطفال الشوارع والأيتام والمعاقين، وخريطة توزيع الثروة غائبة، وغير مطروحة على بساط البحث، وخريطة الفقر غائبة، وليس حلها أن يجلس أحد المرشحين على "طبلية" فران فقير ليأكل ومساعده من طبق واحد مع الرجل وزوجته إفطار رمضان، هذا نفاق، وليس حلا.
الحل الاقتصادي تحليل لإمكانات المجتمع ووضع رؤية لاستثمارها والحد من نزيف الثروات والعقول، والخطط الاقتصادية لا تؤتي نتائجها مباشرة، ولكن الحل الاقتصادي يحتاج مجتمعا متماسكا وآمنا، أي أن اقتناع القوى الاجتماعية بقبول السير في طريق الآلام والقبول بدهس الأشواك حتى وإن كانت حافية القدمين، ولن يتوفر هذا بغير رؤية تقتنع بها القوى الاجتماعية وتسهم في الحوار حولها.
إن شعار الثورة "عيش - حرية - عدالة اجتماعية" ظل هائما طوال الفترة الانتقالية وضاعت من مصر فترة تمكين المواطن المصري من مواجهة الغلاء ليستطيع المشاركة في بناء مجتمع الحرية والعدالة الاجتماعية بكرامة.
تملك مصر عقولا اقتصادية يمكنها أن تضع لوطنها رؤية وإستراتيجية اقتصادية وخطة عمل وسط عالم متغير..
يستطيع الشعب أن يواجه رئيس ووزارة ومجالس نيابية ومخاطر أمنية بالاحتشاد بالأجساد والتضحية بالأرواح، ولكن الشعب يحتاج إلى قدراته الكامنة عقلا وإرادة لإعادة بناء المجتمع، وهو دور هائم يحتاج من يتصدى له، دور يسبق الدستور ولا يتلوه، يسبق خطة فرد يعد بالنهضة، أيا من كان الفرد، وأيا كان مفهوم النهضة في عقيدته ويقينه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.