بقلم احمد مصطفى الغر لا تتسق الخطوات الأخيرة التى إتخذتها جماعة الاخوان الملسمين فى مصر مع منهجها الذى اتبعته لعقود مضت ، فالتحول فجأة من عدم الدفع بمرشح رئاسى إلى الدفع بمرشح من أبناء الجماعة كان تحولاً غريباً إسهجنه الشارع المصرى قبل أن تنتقده كل القوى السياسية التى رأت فيه عدم مصداقية من الفصيل السياسى الذى يهيمن على السلطة التشريعية بفرعيها (مجلسى الشعب والشورى) ، والغريب فى الأمر هو أن أحد المبررات بل المبرر الأساسى من وجهة نظر قادة الجماعة أن متطلبات المرحلة هى التى تفرض عليهم الدفع بمرشح رئاسى ، فهل متطلبات المرحلة تقتضى أن تسيطر الجماعة على كل أركان السلطة فى مصر ؟! ، وبعد ساعات وليس أيام تدفع الجماعة بمرشح آخر كإحتياطى مستفيدة مما حدث للمرشح"أيمن نور" ، ويأتى المرشح الاحتياطى بشكل يؤكد أن الجماعة لديها إصرار لاقتناص المنصب ، ولعل فى هذا إعلان نهاية المقولة التى رددها الاخوان لسنوات " مشاركة .. لا مغالبة ". منذ الأيام الأولى للثورة و الأخوان لم يظهروا فى الصورة بوضوح ، فقد فضلوا أن ينتظروا حتى تتضح معالم المظاهرات والاحتجاجات التى ملأت الشوارع والميادين ، وعندما باتت الصورة أوضح وبات النموذج التونسى قريب من التحقق على الأرض المصرية .. نزل الاخوان الى الشارع ، أليس من الغريب أن يحتكر السلطة فصيلاً كان آخر من نزل إلى الميدان بالرغم من تكرار الحديث عن أنه هو الأكبر من بين الآخرين ، و هم أيضا الفصيل الذى كان من بين المهرولين إلى لقاءات عمر سليمان ، تلك القاءات التى عُقِدَ أحدها فى ظل صورة كبيرة للرئيس المخلوع حسنى مبارك ، وقد ركز التلفزيون المصرى فى نقله لهذا اللقاء بين عمر سليمان والقوى السياسية أن يكون للبرواز الكبير الذى يحمل صورة مبارك نصيباً كبيراً من الظهور على الشاشة ، فى نفس الأثناء كان الثوار فى الشوارع يواجهون ويلات الرصاص المطاطى وقنابل الغاز المسيل للدموع. الاخوان إذ يرشحون الشاطر ثم يدفعوا بمرشح إحتياطى له فإنهم يعطون لأنفسهم صفعة قوية على الوجه ، وستبقى أثار الأصابع واضحة لفترة قد تطول دون أن تُمحَى ، فالفشل فى الحصول على فرصة تشكيل حكومة من المجلس العسكرى لا يعنى هذا أن الضرورة قد دفعت الجماعة إلى إقتناص منصب الرئيس ، ألم يكن من الممكن تنسيق الأمر مع الرئيس القادم فى هدوء دون زوبعة الدفع بمرشح فى تراجع واضح عن مصداقيتهم ؟ أليست الجماعة هى من يهيمن على تأسيسية وضع الدستور وبالتالى فبإمكانهم تحويل نظام الحكم إلى نظام برلمانى ؟ ، صحيح أن من حق الأخوان تشكيل الحكومة .. وأنا من مؤيدى ذلك فمن يملك الأغلبية البرلمانية يشكل الحكومة .. وهذا متعارف عليه فى كل دول العالم ، لكن هل تجنب الجماعة للصدام مع العسكر كان يستوجب الاستحواذ على منصب أعلى من سلطة العسكر ! ، ثم العودة إلى سحب مرشحهم بشكل دراماتيكى وكأننا نشاهد مسلسل تركى ، فقط هنا يجب التذكير بأن الميدان إستطاع أن يأتى بعصام شرف .. والميدان أيضا إستطاع أن يطيح بعصام شرف ، والاخوان رحبوا بالجنزورى فى البداية .. لكنهم فشلوا فى الاطاحة به رغم أن المرحلة تقتضى ذلك و حتى يتمكنوا من تطبيق برامجهم الانتخابية التى وعدوا بها أبناء الشعب .. إذ أن فقدان الذراع التنفيذى والاكتفاء بالذراع التشريعى هو أمر عديم الجدوى ، فلو إفترضنا أن الانتخابات التشريعية ستجرى خلال الشهر القادم مثلاً .. فإن أغلبية اليوم ستكون أقلية الغد ، وبصورة دراماتيكية سيفقد الاخوان والسلفيون معظم مقاعدهم ! مخطئ من يظن أن مصر تمر ألان بأفضل أوقاتها .. بل هى أصعبها على الاطلاق ، وهذا يعنى أن الشعارات التى ترددها القوى السياسية من ضرورة التحالف والتوافق وليس الهيمنة أو السطرة هى مقتضيات المرحلة الحالية ، إن من العيب بل كل العيب أن نتناحر ونتصارع بل ونتأمر على الوطن .. ودماء الشهداء لم تجف من على ثيابهم حتى ألان .