وزير العمل يلتقى نظيره السويسري لتعزيز التعاون في الملفات المشتركة    خبراء عسكريون: الجمهورية الجديدة حاربت الإرهاب فكريًا وعسكريًا ونجحت فى مشروعات التنمية الشاملة    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 7-6-2024 بعد الارتفاع الآخير بالصاغة    أسعار الأسماك اليوم 7 يونيو بسوق العبور    روشتة برلمانية لحكومة أكثر فاعلية    خريطة قطع المياه في عدة محافظات للصيانة الدورية اليوم.. المواعيد والأماكن    ارتفاع حجم التجارة الخارجية للصين بواقع 6.3% في أول 5 أشهر من 2024    وزير النقل يبحث التعاون المشترك مع نظرائه في الإمارات وروسيا والصين    الزراعة الاكتفاء الذاتى وتقليل فاتورة الاستيراد    الأمم المتحدة: تدين الغارة الإسرائيلية مدرسة الأونروا بغزة    مداهمات واقتحامات ليلية من الاحتلال الإسرائيلي لمختلف مناطق الضفة الغربية    خطأ فادح ل«ميلر» بشأن استهداف مدرسة في غزة.. و«الخارجية الأمريكية» توضح    اليمين المتطرف.. يجتاح أوروبا    جدول مباريات يورو 2024.. كل ما تريد معرفته قبل بداية بطولة أمم أوروبا (تفاصيل)    جيل رياضى قادر على تحقيق طموحات الجمهورية الجديدة    الأرصاد: طقس شديد الحرارة في الأقصر والعظمى 47 درجة    العثور على جثة شاب مذبوح وملقى في بحر الحجايزة بالدقهلية    رحمة أحمد تكشف تفاصيل فيلمها الكوميدي مع منى زكي    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 7 يونيو 2024.. ترقيه جديدة ل«الحمل» و«السرطان»يستقبل مولودًا جديدًا    مرسى جميل عزيز l ملك الحروف .. و موسيقار الكلمات    في ذكرى ميلاد محمود مرسي.. قصة حب «فيلسوف الفن» وسيدة المسرح    خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف مكتوبة اليوم أول ذي الحجة 1445 ه    «الرقابة الصحية»: 3 ملايين مريض يموتون سنويًا بالدول منخفضة الدخل بسبب «غياب الجودة»    الأخضر بكامِ ؟.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري في تعاملات اليوم الجمعة 7 يونيو 2024    عبر الموقع الرسمي.. نتيجة الصف الثالث الإعدادي برقم الجلوس 2024 (رابط مباشر)    مدفيديف: أعداء الولايات المتحدة أصدقاؤنا    هل يشترط صيام العشر من ذي الحجة أم يكفي يومان.. دار الإفتاء توضح    منتخب السودان يتصدر مجموعة تصفيات كأس العالم على حساب السنغال    تفشي سلالة من إنفلونزا الطيور في مزرعة دواجن خامسة بأستراليا    مفاجأة.. دولة عربية تعلن إجازة عيد الأضحى يومين فقط    السيطرة على حريق شب في محل حلويات بحلوان    دعاء أولى ليالي العشر من ذي الحجة.. اللهم اغفر لي ولوالدي    عاجل.. 6 دول تستعد لحرب عالمية ثالثة كبرى.. ماذا حدث؟    افتتاح المهرجان الختامي لفرق الأقاليم ال46 بمسرح السامر بالعجوزة غدًا    الأوقاف تفتتح 25 مساجد.. اليوم الجمعة    سياسية ألمانية تعتبر السماح بضرب أهداف روسية بأسلحة بلدها ضرباً من الجنون    سيد معوض: هناك لاعبين لعبوا المباراة بقوة وبعد نصف ساعة كانوا بعيدين تمامًا    رغم الفوز.. نبيل الحلفاوي ينتقد مبارة مصر وبوركينا فاسو .. ماذا قال؟    الصيادلة: الدواء المصري حتى بعد الزيادة الأرخص في العالم    إصابة 3 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ملاكي بأسوان    موعد مباراة كوت ديفوار والجابون في تصفيات إفريقيا المؤهلة لكأس العالم    بعد جدل أفشة.. تركي آل شيخ يعلن عن مفاجأة في برنامج إبراهيم فايق    حالة يعفى فيها الموظف من مجازاته تأديبًا في قانون الخدمة المدنية    نصائح هامة للطلاب قبل الثانوية العامة "تعرف عليهم"    ما قانونية المكالمات الهاتفية لشركات التسويق العقاري؟ خبير يجيب (فيديو)    تحرير 30 مخالفة في حملات لتموين الأقصر للتأكد من التزام أصحاب المخابز والتجار    إنفوجراف لكلمة مصر نيابة عن «المجموعة العربية» في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    ساتر لجميع جسدها.. الإفتاء توضح الزي الشرعي للمرأة أثناء الحج    أمين الفتوى: إعداد الزوجة للطعام فضل منها وليس واجبا    مجلس الزمالك يلبي طلب الطفل الفلسطيني خليل سامح    خالد جلال ينعي المخرج محمد لبيب مدير دار عرض مسرح الطليعة    «صلاة الجمعة».. مواقيت الصلاة اليوم في محافظات مصر    في عيد تأسيسها الأول.. الأنبا مرقس يكرس إيبارشية القوصية لقلب يسوع الأقدس    غانا تعاقب مالي في الوقت القاتل بتصفيات كأس العالم 2026    حظ عاثر للأهلي.. إصابة ثنائي دولي في ساعات    حسين حمودة بعد حصوله على جائزة الدولة في الأدب: "حاسس إن في حاجة أقدر أقدمها لبنتي"    بمكون سحري وفي دقيقة واحدة .. طريقة تنظيف الممبار استعدادًا ل عيد الأضحى    نجاح أول تجربة لعلاج جيني يعمل على إعادة السمع للأطفال.. النتائج مبشرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صاحبة الهاتف المشغول...ميسون أسدي
نشر في الواقع يوم 02 - 12 - 2011


بقلم : ميسون أسدي
امتد حديثنا معًا إلى آخر الليل في الليالي الرائقة. استمعت إلى تعبيراتها المرهفة والبليغة. امتلأت أجواؤنا بنسمات المحبة. زرنا معًا الأصدقاء بمودة صافية. ترنحنا بخطواتنا في المجمعات التجارية. كانت لنا غوايات وعذابات في ترددنا إلى الأماكن الرسمية. ما زال داخلي يضطرم عشقا بها. قريبة إلى جسدي كروحي، أعبدها وأفضلها على الجميع منذ طفولتي.
بتُ حزينة ومسجونة بدونها. تمنيتُ أن أعود لأقضي معها بعض الوقت كما كنا في السابق، لكن هاتفها سرقها منّي. تتحدث يوميا بالهاتف ساعات طوال قد تصل بها إلى حدود الفجر. وإن لم تفعل ذلك تبقى عصبية المزاج، حامية الطباع، منفعلة. تهدأ حينما يرنّ الهاتف الذي تعشقه ولا تمل من هذا الصديق الجامد الذي أشغلها عني وبدأت تفضله عليّ.
غضبت منها بداية. شعرت بالغيرة من هاتفها. تمنيت أن أكون أنا هاتفها النقال لتحبني، كما أحبها وكما هي تحب هاتفها. بدت عليها ظواهر غريبة. لست معتادة على أن تبدر منها مثل هذه التصرفات. باتت انطوائية وانزوائية وعدوانية بعض الشيء. تثور لأتفه الأسباب وتتصرف بصبيانية لا تلائم سنها. تخرج من البيت وتعود مع الغروب. أتصل بها ولكن هاتفها مشغول دائما، أصبحت تتردد على المراكز التجارية وحوانيت الملابس وحدها. تدخل غرفتها وتغلق الباب وراءها. تختلي بنفسها. تدخل إلى الحمام ولا تخرج منه. تتجنب المجالس التي اجتمعنا فيها وتمتعنا بها سابقا. فقدت حياة التوق والشوق معها.
أصبح هاتفها نور اليقين بالنسبة لها. إذا رن وأمسك به أحدنا، فالويل له، تصرخ وكأنها تعاني أهوالاً، محذرة إيانا بعدم الاقتراب من الهاتف ولمس روحها الحيرى.
شعرت بالوحدة لفقدانها. ليس سهلا عليّ التغاضي عن تسعة عشر عامًا وأنا برفقتها. فضلتني على نفسها. لم تبخل عليّ بشيء. وتربعتُ دائما على سلم أولوياتها. لم أعد أسمع رنة هاتفها النقال. أخفضت رنينه العالي، جعلت صوته خافتاً مبحوحا. يهتز ويرتج في جيبها منبهًا إياها وحدها، مراعية عدم إزعاج من حولها.. خاصة أنا! شعرتْ بصدمات الأيام على جبيني.
في أحد مجالسنا النسوية، وفي حضرة عمتي علياء وخالتي صبحية، ارتجّت صاحبة الهاتف المشغول مع ارتجاج هاتفها.. لفتت انتباه الجميع خاصة عمتي علياء. مرت رنة الهاتف على مسمع صاحبة الهاتف المشغول وكأن عاصفة اجتازت روحها بيننا. هبّت من مكانها وارتسمت ابتسامة جميلة على محياها والخجل يفيض من عينها. آوت إلى ظل شجرة في باحة الدار، وأسندت رأسها تحت فيئها الوارف. تتحدث بصوت منخفض عبر الهاتف. وعندما شعرتُ بالنظرات المتشككة نحوها، تركتُ النسوة ولحقت بها لأحميها منهن. في ذات الوقت، لم أقترب منها كثيرًا حتى تنال القسط الوافر من حريتها في حديثها، ومهما حاولت استراق السمع لمكالمتها، لم أنجح بالتقاط كلمة واحدة من حديثها، كما يبدو هناك إشارات ودلالات لا يفهمها أحد سواها وهاتفها. أنهت مكالمتها، ورجعتُ معها إلى الديوان، حيث تجلس العمة علياء الحرباء، التي أخذت تغمز وتلمز حول التغيير الذي طرأ على صاحبة الهاتف المحمول، والتي توردت وجنتاها، وابتسامة طيبة وحنونة ارتسمت على شفتيها، ورعشة سعيدة صغيرة غمرت جسدها، وأكثرت من الالتفات حولها.
رأيت الهدوء في نظرات صاحبة الهاتف وكأنها تخشى شيئًا ما، أو تنتظر أحدًا. راقبت جيدًا خبث وشماتة عمتي علياء، التي لا يفوتها شيئا. إنها كالرادار تلتقط كل شاردة وواردة. ترصد الآخرين بِشَرَهٍ وشغف. تترقب أن يقع أي شخص حولها لتصطاده بمكائدها وحيلها ويقع في شباكها وتستهزئ منه في مجالسها.
وجهت عمتي علياء أنظارها صوب صاحبة الهاتف المشغول، والأذن المشتعلة من حرارته. ومطت شفتيها شبرين وأكثر، رقّصت حاجبيها ونخرت بأنفها معلنة لمن حولها بأنها غير راضية عن صاحبة الهاتف المشغول، التي لا تعير العمة علياء أي انتباه، حتى عندما تركت هاتفها وانضمت إلى مجلس العمة علياء والتزمت الصمت ولم تتفوه بحرف واحد. وإذا تحدثت فكلامها منمق من دون إسراف في زخرفة الكلام.
هاجني زعيق العمة علياء ورفيقاتها بالاستهزاء من صاحبة الهاتف المشغول وحياتها القلقة، لن أرضى بالهمز واللمز من الشامتين حولها، والمتواجدين في كل زاوية. ينتظرون سقوطها في الهاوية. لم أنجح بالتواصل معها بعد أن فضّلت الهاتف عليّ. أحسست بروحي تنسحب من ضلوعي. فكلنا خراف ضعيفة في حظيرة هذه الحياة ولنا كبواتنا الخاصة.
طرحت عني بعض حذري. جلستُ بقربها. التصقت بها. وضعت كف يدي الباردة على أذنها لتمتص حرارة هاتفها، وأبرد لها أذنها وأثلج صدرها. نظرت إلي بحنو بالغ وعلى وجهها الابتسامة ذاتها التي باتت باهتة بعض الشيء ومتعبة. ضمتني إلى صدرها وقبلت جبيني. شعرت بنبضات قلبها السريعة والنار المشتعلة في جسدها.
سرت في اتجاه المطبخ لأحضر لها كاس ماء يطفئ لهيب قلبها. صدفة، سمعت عمتي علياء تحيك وتطلق الإشاعات السخيفة عنها لخالتي. صرختُ في وجهيهما: أمي أشرف نساء العالم.
(حيفا)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.