لا يزال مسلسل حلقات نهب الثروات العربية فى كل بلد يتواصل، ففى لبنان وبحكم الجوار مع إسرائيل واستمرار الانتهاكات الصارخة لأراضيها من وقت لآخر، ومع الوضع السياسى الهش والمترنح وتأثير المؤامرات الخارجية، وضعف سيادة الإدارة اللبنانية على ثرواتها، باتت ثروتها للغاز نهبا للمطامع الإسرائيلية. وفى تقرير لصحيفة «أورينت برس» أكد أن المؤشرات الجيولوجية تشير إلى وجود كميات ضخمة جداً من الغاز الطبيعي، خاصة في المنطقة التابعة للمياه الاقتصادية اللبنانية، وهو ما يؤجج الصراع مع إسرائيل التي تسعى لاحتكار هذه الحقول، ويتعلق الخلاف البحري اللبناني الإسرائيلي بالطرف الغربي الجنوبي من الحدود مع قبرص، حيث يؤكد لبنان أن إسرائيل دفعت نقطة العلامة الحدودية البحرية 15 كلم شمالاً، ما جعلها تقضم ما يزيد على 850 كلم2 من المنطقة البحرية اللبنانية، ويقول وزير الطاقة اللبناني جبران باسيل: إن لبنان خطط منطقته بحسب اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار وهي الاتفاقية التي لم توقعها إسرائيل. ففى عام 2009 أعلنت إسرائيل مع شركة «نوبل إنرجى» الأمريكية اكتشاف حقل «تمار»، وتقع هذه البئر فى مواجهة مدينة صور اللبنانية كما تقع فى المياه الاقتصادية الخالصة اللبنانية، بينما تزعم إسرائيل أن الحدود البحرية يجب أن تكون عمودية على الميل العام للخط الساحلي اللبناني وهي النقطة 1 في ترسيم الحدود اللبنانيةالقبرصية. وفي المقابل، يوجد في لبنان رأيان، الأول هو أن الحدود البحرية ترسم خطاً متعامداً على الخط الساحلي عند رأس الناقورة وهي النقطة 23 في ترسيم الحدود اللبنانية - القبرصية، والرأي الثاني هو أن الحدود البحرية تكون امتداداً للحدود البرية، ما يضاعف مساحة النزاع. وفي فبراير 2012، بدأت شركة «نوبل إنرجي» للطاقة تطوير حقل «تنين» للغاز ويقع بين حقلي «لڤياثان» و«تمار»، في منطقة يطالب بها لبنان. وفى محاولة إسرائيلية ثالثة قامت وزارة البترول الإسرائيلية بتطوير حقل «كاريش» الذى يحتوى على 20 مليار قدم مكعبة من الغاز، والمتاخم للحدود البحرية مع لبنان فى الأصل، ما يعني أن المخزون اللبناني سيتعرض للسرقة، نظراً إلى التداخل الجغرافي الحاصل بين هذا الحقل والآبار المكتشفة في الجنوباللبنانى. ومع انتباه الحكومة اللبنانية لاكتشافات حقول الغاز فى شرق البحر المتوسط الخاصة بمصر وقبرص واليونان حتى إسرائيل، وجدت نفسها فى غفلة وستفوتها الأسواق التى تفتح أمام هذه البلاد دون لبنان، لعدم إثباتها حقوقها البحرية وحدودها المتداخلة مع إسرائيل، وتباطئها فى متابعة ملف مياهها الاقتصادية فى الأممالمتحدة طبقاً لاتفاقية البحار التي لم توقعها إسرائيل. ولجأت لبنان إلى الولاياتالمتحدة لحل مشكلتها مع إسرائيل، وأصبح هناك مسئول أمريكى عن ملف الطاقة اللبنانية الإسرائيلية فى الخارجية الأمريكية وهو «أموس هوشتاين»، مخصص لإجراء الاتصالات المشتركة وتسوية الأزمة بين الطرفين. وعلى الجانب الآخر قامت لبنان بوضع مجموعة من المبادئ التى من المفترض أن تتمسك بها أمام إسرائيل والجهات الدولية المتدخلة لحل الأزمة وإثبات حقوقها الدولية، وتتلخص هذه المبادئ فى التشديد على التمسك بكامل الحدود البحرية، وأن الخلاف الحدودي المفتعل من قبل إسرائيل لن يكون عائقاً أمام حق لبنان في الاستفادة من ثروته النفطية والغازية، وأنه مع أو بدون تفاهم على الترسيم، سيباشر لبنان فور استكماله لتجهيزاته التقنية واللوجستية في استخراج الغاز والنفط من المكامن الواقعة قرب الحدود الجنوبية، بالإضافة إلي ضرورة مساهمة الأممالمتحدة في إنجاز الترسيم، حيث تتداخل الحدود اللبنانية ليس فقط مع إسرائيل واستيلاء الأخيرة على 675 كيلو متراً من مياهها الإقليمية، بل أيضاً تتداخل مناطق البلوكات 8 و9 و10 للغاز مع حدود فلسطينالمحتلة. ومن ضمن أساليب التسويف التي تتبعها إسرائيل لمد أجل الأزمة واستفادتها من الآبار اللبنانية، أنها تصر على أن يتم التفاوض بينها وبين لبنان مباشرة لحل مشكلة الخلاف الحدودي البحري، وهو ما يعارضه لبنان، خصوصاً أن الجانبين مازالا في حالة حرب، ويصر لبنان على تسوية القضية عبر الأممالمتحدة، وكان رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري قد طلب إلى القوات الدولية العاملة في جنوبلبنان أن تتولى رسم «خط أزرق بحري» بين إسرائيل ولبنان، كما رسمت الخط الأزرق براً بين الجانبين. وقد بادرت الشركات الأوروبية فى طلب التنقيب عن الغاز اللبنانى فى سواحلها وكذا فى السواحل المقابلة لإسرائيل بعد اكتشاف العديد من آبار الغاز التى تتدعى أنها ملكها رغم تداخلها مع حدود العديد من الدول، فتلقت لبنان عرضاً من شركة «كيرن إنرجى» الاسكتلندية، أما العرض الأكبر فجاء من الشركات الفرنسية وعلى رأسها «توتال» برعاية مباشرة من الرئيس الفرنسى السابق نيكولاس ساركوزى، ليس هذا فحسب اى ليس التنقيب لصالح لبنان، بل ستتولى فرنسا بنفسها بتعهد توفير البحرية الفرنسية لحماية عمليات التنقيب، وتقديم ضماناتها السياسية والعسكرية والدولية من خلال قواتها المشاركة فى «اليونيفيل» فى الجنوباللبنانى، وذلك لضمان حصة لبنان فى الآبار المكتشفة، إلا أن الحكومة اللبنانية ارتابت من الأمر ولم تقبله. ومن المعروف أن لبنان فى أمس الحاجة إلى عمليات التنقيب واستغلال ثرواتها من الغاز لسد عجز موازنتها الدائم الناتج عن الاضطرابات الداخلية والخلافات السياسية المستمرة بين الفصائل على أنصبتها فى الحكم.