تعد "الثقة" عنصرا فى غاية الأهمية فى علاقات الدول بعضها ببعض، ففى الماضي كانت الثقة متوفرة بين الدول العربية و حليفتهم الولاياتالمتحدة. و أحتضنت الأراضى العربية المعسكرات و القواعد العسكرية الأمريكية، بل وفرت لهم إحتياجاتهم اليومية على نوتة الحساب العربى دون كلل أو ملل، على إفتراض أنها الحارس الأمين خاصة لدول الخليج، إلى أن غدرت بهم الولاياتالمتحدة و باعتهم بأرخص ثمن لإيران و غابوا عن طاولة الإتفاق النووى ، و فوجىء الزعماء العرب أن الولاياتالمتحدة و أصدقائهم فى الإتحاد الأوروبى كانوا سببا رئيسيا فى صعود و هيمنة إيران على إقليم الشرق الأوسط بمباركة غربية، و من هنا لم يفقدوا الئقة تماما فى حليفتهم و لكنهم باتوا شعرون بالإرتياب و الشك فى نواياها،نظرا لتشابك المصالح المريكية و العربية فى مختلف المجالات و على رأسها البترول و الإرهاب. و بالمثل فى علاقة الولاياتالمتحدة و إيران، لا تتوافر الثقة فكل من الفريقين لا يشعر بالإرتياح لنية الأخر و هذا ما أكدته الدراسات الأجنبية مثل دراسة "جون ليمبرت" أستاذ دراسات الشرق الأوسط فى الأديمية البحرية الأمريكية فى ميرى لاند، و الذى أكد على على الرغم من عدم توافر عنصر الثقة بين الطرفين إلا أن هناك نقاط مصالح مشتركة بينهم توجب الجلوس إلى طاولة المفاوضات للحديث عنها مثا مسألة رفع العقوبات الإقتصادية و السياسية عن إيران ،و على الجانب الأمريكى التمثيل الدبلوماسى و التجارى و التبادل العلمى،الترو و تصنيع المواد النفطية،مجال الطيران، و الإتفاق حول دور إيران فى القضاء على الإرهاب و فى تجارة المخدرات و السلاح و دورها المسيطر فى سوريا و العراق و أفغانستان و اليمن. إذا هناك مصالح متبادلة لابد من قضائها على الرغم من عدم توافر الثقة فى كثير من الحيان بين الدول. فى حالة الشرق الأوسط نجد أن وجود القوات الأمريكية فى أراضيه أحدث إنقساما فى صفوف الدول،و أصبحت هناك دول مع الولاياتالمتحدة مثل دول الخليج العربى، و دول ضد الولاياتالمتحدة مثل إيران،ثم أدى وجود القوات الأمريكية إلى توتر العلاقات و تعطيلها بين بعض دول الإقليم مثل إيران مع السعودية و مصر مع تركيا و العراق وقف حائرا بينهم جميعا و إختار إيران مع سوريا، و خاصة فى حالة الحرب و المواجهة الساخنة التى تعيشها دول المنطقة مع الإرهاب. فى دراسة هامة للسفير الإيرانى سيد حسين موسافيان فى عدة دول أوروبية و الباحث فى علوم الأمن الدولى و المتحدث الأسبق لفريق المفاوضات النووية، و بالتعاون مع الباحث الإيرانى مهرداد سبيرى فى كلية الشئون الدولية بالجامعة الأمريكية فى واشنطن دى سى ، توصلت الدراسة إلى نتائج تعيد تشكيل خريطة الشرق الأوسط، كما أنها رفعت النقاب عن محاولات إيران المستمرة بالتعاون مع الولاياتالمتحدة فى تنفيذ فكرة إتحاد دول الشرق الوسط على غرار دول الإتحاد الأوروبى، و لكنها تركت الولاياتالمتحدة لتتصدر المشهد مع الدول العربية فى طرح الفكرة ،لأن إيران ياتت منبوذة مع دول الإقليم و على رأسهم السعودية، و متهمة دائما بسوء نواياها التى تريد دائما إحداث فرقة و عدم إستقرار بين أهل البلد الواحد مثلما تفعل فى اليمن و لبنان و سوريا و العراق. و لكن ما هو السر فى إستمرار مقاومة إيران لضغوط و عقوبات الولاياتالمتحدة و أوروبا و الدول العربية حتى الأن، تتوافر لدى إيران عناصر و مقومات قوة تساعدها على الصمود امام كل الجبهات السابقة و هى قوة التراث التاريخى،المدنية و الموارد البشرية و مصادر الطاقة الإستراتيجية، فروض سيطرتها فى العراق و سوريا و لبنان و اليمن. تقول دراسة وسافيان و سابيرى أن حرب الولاياتالمتحدة فى أفغانستان ثم العراق، ثم الدور الذى لعبته واشنطن فى دول الربيع العربى و إسقاطها لأنظمة العربية القديمة، و الذى جاء على هوى و مباركة إيرانية أمريكية، حيث تؤمن إيران أنه لابد من تمثيل الفئات المهمشة فى هذه الدول و إشراكها فى الحكم بقوة مثلما حدث مع فترة حكم افخوان المسلمين فى مصر، و هو المر الذى ترفضه أنظمة الدول العربية كلية، و تحاول جاهدة أن تحافظ على ما تبقى منها قائما حاكما ، رغم كل محاولات إيران لزعزعة الإستقرار فى مختلف البلاد العربية، بهدف تمثيل العناصر المتناحرة فى شكل دويلات صغيرة و مستقلة عن الدول القائمة الأن تمهيدا لإتحاد الشرق الوسط الجديد. هل هناك محاولات سابقة طرح إيران فكرة التعاون الإقليمى المشترك بينها و بين الدول العربية تمهيدا فى شكل سرى و تآمرى لتحويل هذا التعاون إلى إتحاد دول الشرق الأوسط الجديد، ليكون هناك مكانا لدول للشيعة لكسب مزيد من القوة و تشييع المنطقة و هو المر الذى تقاومه السعودية و الإمارات بقوة شديدة، نعم هناك محاولات سابقة ،ففى عام 2007طرح الرئيس الإيرانى الحالى روحانى الذى كان سكرتيرا للمجلس الأمن القومى الإيرانى أنذاك، مبادرة تعاون بين إيران و دول الخليج العربى، و تتمثل فى عشر نقاط و هى إنشاء منظمة تعاون بين إيرانوالعراق و دول الخليج العربى، للتعاون فى مجالات الأمن، و السياسة،و الثقافة،و الإقتصاد، و تأمين و تصنيع مصادر و منتجات الطاقة بإستمرار لدول التعاون المزمع إقامته ،و التعاون فى مجال الطاقة النووية و مد الدول العربية بتكنولوجيا العلوم الذرية، و ذلط تمهيدا لإنسحاب القوات الأجنبية من إقليم الشرق الأوسط،ليحل محلها القوات العربية الإيرانية المشتركة. و هذا التصور السابق هو فى مجمله التصور الحديث لشكل التعاون لدول الشرق الأوسط الجديد،و السؤال الذى يطرح نفسه الأن لماذا تريد الولاياتالمتحدة أن تنسحب من الشرق الأوسط، هناك عدة أسباب تراها الولاياتالمتحدة و الدراسات منطقية فى إعادة تصور شكل المنطقة، يقول الكاتب الأمريكى "كاس فريمان جى ار" فى كتابه "مغامرة أمريكا الخاسرة فى الشرق الأوسط" أن هناك معضلة بين رغبة الولاياتالمتحدة فى تحقيق السلام و الإستقرار فى دول المنطقة و على رأسها دول الخليج، و بين إستمرار وجود القوات الأمريكية التى تتسبب فى إحداث الفرقة و الإضطراب فى المنطقة. و خلص رأى فريمان أنه على القوات الامريكية مغادرة الشرق الأوسط ، و ان تظل تحت طلب الأنظمة العربية فى حربها على الإرهاب، فضلا عن ان واشنطن أصبحت تشعر أن الشرق الأوسط بات مزعجا لها بمشكلاته المستمرة و التى تتكلف فيها بلايين الدولارات، مع توجيه إتهاماتها لبعض الدول العربية دعمها لداعش على حساب مقاومة الولاياتالمتحدة لها، و ذلك للقضاء على نظام بشار الأسد و تحالفه الإيرانى كما يقول نائب الرئيس أوباما "جو بايدن"، و يؤكد فريمان و قناة بى بى سى ورلد أنه بعد ظهور أبارا ضخمة للبترول فى أمريكا و التى ستجعلها أكبر مصدر للنفط فى العالم، لن تكون بعد اليوم فى حاجة إلى النفط العربى الذى طالما حاربت من اجله طيلة السنوات الماضية، و بالتالى ليس هناك مبررا لإستمرار وجود القوات الأمريكية فى الشرق الأوسط بعد شكله الجديد. و ينصح فريمان الإدارة الأمريكية بتخليها سياستها الخارجية التى تظهر فيها بدعمها لإيران و عزلتها، لأنه من الأولى أن تذهب إيران للتعاون مع جيرانها من الدول العربية لحل مشكلات المنطقة مث تعاونها مع السعودية، كما يرى فريمان أن إتجاه إيران نحو مصر ضرورة قصوى لتطبيع العلاقات معها .