ضيوف الرحمن في فخ شركات السياحة

في قضية رشوة وزارة الزراعة، استوقف الكثيرين أن قائمة الرشاوى تضم حجاً ل 14 شخصاً ب 70 ألف ريال لكل فرد.. يعني أكثر من 140 ألف جنيه، وتساءل الكثيرون بدهشة: هل هناك حج بمثل هذا المبلغ الكبير؟.. الإجابة: نعم، بل إن هناك حجاً يتكلف 150 ألف جنيه بالتمام والكمال.. لماذا؟.. وكيف؟.. ومن المسئول؟.. هذا ما رحت أبحث عنه، وخلال هذا البحث اكتشفت مفارقة غريبة. طرفا هذه المفارقة وزير الحج السعودي، وشركات الحج في مصر.. فالوزير السعودي قال إن حج هذا العام سيكون أقل تكلفة من حج العام الماضي، ولكن شركات الحج المصرية فعلت العكس، رفعت فاتورة الحج لهذا العام بنسبة تراوحت بين 5% و10% مقارنة بحج العام الماضي!
بعيداً عن الفلوس.. يبقي الحج هو الشعيرة الدينية التي يهفو لها قلب كل مسلم.. فالأمنية الأولي للمليار و62 مليون مسلم، هي حج بيت الله الحرام، ولهذا يتهافت جميع المسلمين علي الحج.
والمثير أن كتب التراث تقول إن الحج توقف في مصر 40 مرة، أغلبها كان بسبب الفوضى وانتشار قطاع الطرق، أو انتشار الأمراض المعدية، ومرة واحدة فقط توقف الحج بسبب الغلاء.. حدث ذلك سنة 390 هجرية في عهد العزيز بالله الفاطمي.. ووقتها كان كل ما يحتاجه راغب الحج لا يتعدي بضعة جنيهات تكفل له تجهيز طعام يكفيه شهراً وبضعة أيام إضافة إلي راحلة «جمل أو حصان أو حمار».
ووقتها كان الحجاج لا يخشون علي أنفسهم إلا الحيوانات المفترسة وقطاع الطرق، ولهذا كانوا يخرجون للحج في قوافل مجتمعة، وكانت الدولة تخصص حراسات خاصة لتلك القوافل.
حتى عقود قليلة مضت كان الحج لا يتكلف سوي عشرات الجنيهات.. في خمسينيات القرن الماضي كانت أقصي تكلفة للحج بالطيران 57 جنيهاً فقط، وفي منتصف السبعينيات كان متوسط تكلفة الحج 175 جنيهاً، ومع مطلع الثمانينيات قفز المبلغ إلي 1000 جنيه.
الآن تغيرت الأحوال، لدرجة أن كل شركات تنظيم الحج أطلقت علي هذه الشعيرة الدينية اسم «رحلة»!.. ومع ذلك فإن ملايين المصريين حالياً لا يستطيعون الحج، وعدم استطاعتهم تلك ليست بسبب حيوانات مفترسة، ولا قطاع الطرق، وإنما بسبب تجار الحج، الذين حولوا الركن الخامس من أركان الإسلام إلي «بيزنس».
وصار الحج في مصر يقدر بالنجوم، أعلاها حج 10 نجوم.. حيث يقيم المنتمي لهذه الفئة بفندق مطل مباشرة علي البيت الحرام ويسكن منفرداً غرفة فندقية 5 نجوم، ويتناول الإفطار والغداء والعشاء في بوفيه مفتوح، أما حاج النجوم الخمس فيسكن غرفة مزدوجة، ويتناول الوجبات الثلاث يومياً من خلال بوفيه مفتوح، بينما يقيم حاج النجوم الأربع في غرفة رباعية أو خماسية، وقد تكون بعيدة نوعاً ما عن الحرم المكي، أما الحاج الاقتصادي فيقيم في غرفة سداسية أو سباعية ويحصل علي وجبتي إفطار وعشاء فقط.
ويعمل في تنظيم رحلات الحج حوالي 2050 شركة، 15% منها شركات 5 نجوم و16% شركات 4 نجوم و20% شركات 3 نجوم و40% شركات سياحة برية و9% شركات المستوى الاقتصادى.
بالورقة والقلم
طبقاً لما نشرته وزارة الحج السعودية علي موقعها الإلكتروني فإن تكلفة الحج للشريحة الأولى للسعوديين ستبلغ هذا العام 8146 ريالاً للفئة (أ1) و8084 ريالاً للفئة (أ2) و8021 ريالاً للفئة (ب) و7896 ريالاً للفئة (ج) و7771 ريالاً للفئة (د1) حتى 7546 ريالاً للفئة (ه)، وتشمل الفئتين الأوليين إضافة سعر نقل بري وجوي من وإلى مكة المكرمة، إضافة إلى السكن في مكة، وتشمل أسعار هذه الشريحة مصاريف النقل بالحافلات والقطارات على حسب موقع المخيم، إضافة إلى السكن في منى وعرفات ومزدلفة والاستقبال عند نقطة التجمع المتجهة إلى المشاعر المقدسة، وتكاليف الإعاشة.. وحددت وزارة الحج السعودي تكاليف السكنى في أبراج منى بمبلغ 11890 ريالاً تشمل تكاليف النقل بقطار المشاعر والسكنى والإعاشة في منى وعرفات ومزدلفة، وكذلك الاستقبال من نقطة التجمع قبل الوصول إلى أراضي المشاعر.
وهذه الفئة تعادل الحج الخمس نجوم في مصر، ومعني هذه الأرقام أن تكلفة هذه الفئة من الحج، تقدر بذات المبالغ السابقة مضافاً إليها سعر تذاكر الطيران التي يبلغ حدها الأقصى 7 آلاف جنيه، وبحسبة بسيطة سنكتشف أن تكلفة هذا النوع من الحج تصل إلي 46 ألف جنيه.
فيما تبلغ أسعار الشريحة الثانية للسعوديين 7895 ريالاً للفئة (أ1)، 7833 ريالاً للفئة (أ2)، و7770 ريالاً للفئة (ب)، وسعر 7645 ريالاً للفئة (ج) وسعر 7520 ريالاً للفئة (د1) حتى 7295 ريالاً للفئة (ه)، وتشمل تلك الأسعار رسوم السكن والإعاشة في منى ومزدلفة وعرفات، إضافة إلى النقل بالقطارات والحافلات، إضافة إلي تكاليف السكنى في أبراج منى بمبلغ 11890 ريالاً تكاليف النقل بقطار المشاعر والسكنى والإعاشة في منى وعرفات ومزدلفة، وكذلك الاستقبال من نقطة التجمع قبل الوصول إلى أراضي المشاعر.. وهذه الفئة تعادل حج الأربع نجوم في مصر، وبإضافة سعر السفر بالطيران سنكتشف أن تكلفة هذه الفئة من الحج تبلغ حوالي 42 ألف جنيه.
فيما تصل أسعار الشريحة الثالثة إلى 6493 ريالاً، وتبدأ من 5893 ريالاً، تشمل عدة فئات منها (أ1) التي تبدأ من 6439 ريالاً و(أ2) 6431 ريالاً، وفئة (ب) بنحو 6368 ريالاً، وفئة (ج) بنحو 6243 ريالاً، و(د1) بنحو 6118 ريالاً، و5893 ريالاً لفئة (ه)، إذ تشمل هذه الأسعار تكاليف النقل والإعاشة والاستقبال.. إضافة إلي تكاليف السكنى في أبراج منى بمبلغ 11890 ريالاً، تكاليف النقل بقطار المشاعر والسكن والإعاشة في منى وعرفات ومزدلفة، وكذلك الاستقبال من نقطة التجمع قبل الوصول إلى أراضي المشاعر.
وهذه الشريحة تعادل حج الثلاث نجوم وبإضافة أسعار تذاكر الطيران سنكتشف أنها تعادل حوالي 40 ألف جنيه.
والمفاجأة أن شركات السياحة في مصر حددت أسعار الأنواع الثلاثة من الحج بأسعار بمبالغ أكبر بكثير، فالحج العشر نجوم تتراوح أسعاره في مصر ما بين 130 ألفاً و150 ألف جنيه، أما الحج الخمس نجوم فأسعاره في مصر 70 ألف جنيه، أي أن كل شركة سياحة تربح 24 ألف جنيه وراء كل حاج فئة 5 نجوم.. والحج ال 4 نجوم أسعاره 58 ألف جنيه، أي أن شركات السياحة تربح 16 ألف جنيه من كل حاج 4 نجوم.
أما الحج ال 3 نجوم أو الحج الاقتصادي فأسعاره 48 ألف جنيه.. أي أن شركة السياحة تربح 8 آلاف جنيه من كل حاج 3 نجوم.
وبخلاف كل هذه المبالغ فعلي كل راغب في الحج بمصر الحصول علي تطعيم عبارة حقنتين ضد الالتهاب السحائي، والأخرى ضد الأنفلونزا والرباعي مقابل سداد 125 جنيهاً، فضلاً عن سداد شيك مطوف في بنك فيصل الإسلامي بمبلغ 2185 جنيهاً.
مفاجأة
الغريب أن أسعار الحج هذا العام ارتفع بنسب تراوحت بين 5% و10%، مقارنة بأسعار حج العام الماضي رغم أن وزارة الحج السعودي ذاتها قالت إن تكلفة الحج هذا العام انخفضت عن العام الماضي بما يتراوح بين 30% و40%.. فحسب ما نشره الموقع الرسمي لوزارة الحج السعودي فإن المسار الإلكتروني الذي تطبقه السعودية لأول مرة هذا العام سيخفض أسعار حملات الحج بين 30 و40%.. هكذا قال الدكتور حسين الشريف، وكيل وزارة الحج السعودية في تصريحات نقلتها عنه الصحف السعودية قبل أيام.
وأوضح «الشريف» في تصريحات للصحف السعودية أن المسار الإلكتروني الذي اتبعته السعودية هذا العام يستهدف تحقيق الأمن وحماية الحجاج من الحملات الوهمية وتوضيح مسار الأموال وحفظ حقوق جميع الأطراف وتحقيق السرعة ومنع احتكار الخدمات، مؤكداً أن وزارة الحج السعودي عمدت إلى توحيد المواصفات ونوعية الخدمات المقدمة في الحج للحفاظ على مبدأ المساواة بين الجميع في الخدمات الأساسية، مشيراً إلى أن المسار الإلكتروني سيقدم خدمة حقيقية للمواطن السعودي والمقيم والقطاع بشكل عام، إذ سيوفر على شركات حجاج الداخل المبالغ التي يتكبدونها سنوياً للتسويق لحملات المخيم، وكذلك سيقلص المسار من مصاريف الفروع والمكاتب للشركات، وسيضمن تحصيل أصحاب الشركات نقودهم بشكل آني، من خلال تحويلات المواطنين المباشرة على حسابات الشركات البنكية، ولا يزور المواطن الشركة إلا بعد صدور التصريح بالحج، أو لإلغاء الحجز، وهذه كلها أمور تصب في مصلحة شركات السياحة.
المقارنة بين أسعار الحج في مصر ومثيلاتها في دول العالم المختلفة، كلها تنتهي إلي نتيجة واحدة وهي أن الحج من مصر هو الأغلى في العالم كله.. فرسوم تكلفة الحج في ليبيا، وهي الأكثر بعداً عن السعودية من مصر بلغ هذا العام 6370 ديناراً ليبياً، ولان الدينار الليبي يعادل 5٫7 جنيه مصري، فإن أقصي تكلفة للحج من ليبيا تبلغ حوالي 36 ألف جنيه مصري، وهو ما يقل كثيراً عن تكلفة الحج ال 5 نجوم وال 4 نجوم وال 3 نجوم، ويزيد قليلاً علي تكلفة الحج الاقتصادي الذي يبلغ 31 ألف جنيه.
أيضاً الحج من الولايات المتحدة وهو دائماً يكون في مستوي الخمس نجوم علي الأقل فلا يتجاوز 7200 دولار، أي حوالي 57 ألفاً و600 جنيه، في حين أن الحج 5 نجوم من مصر يتكلف 70 ألف جنيه، ورغم أن متوسط سعر تذكرة السفر من أمريكا إلي السعودية يكاد يعادل ضعف تذكرة السفر من مصر إلي السعودية!
نفس الحال مع حجاج المغرب، فأقصي سعر للحج في المغرب هذا العام هو 65 ألف درهم مغربي (الجنيه يعادل 1.2 درهم مغربي) أي حوالي 52 ألف جنيه مصري، وهو أيضاً أقل كثيراً من الحج ال 5 نجوم في مصر، رغم أن أسعار السفر من المغرب إلي السعودية تعادل مرة ونصف المرة أسعارها بين مصر والسعودية، وأيضاً رغم أن هذا الحاج المغربي يقضي 20 يوماً في السعودية ويقيم في غرفة ثلاثية علي أقصي تقدير.
التجربة الماليزية
لا أحد ينكر أن قرارات اتخذت لتحسين الخدمات التي تقدم للحجاج المصريين، من بينها السماح للحجاج بالسفر عبر 5 مطارات وليس مطار القاهرة وحده كما كان متبعاً لعشرات السنين.. ففي العام الماضي تم السماح بسفر الحجاج عبر 4 مطارات، وهذا العام تمت زيادة مطار آخر لسفر الحجاج، لتصبح مطارات القاهرة، والأقصر، وأسوان، والغردقة، وبرج العرب.
كما خصصت وزارة الصحة فريقاً طبياً يضم 350 طبيباً، بخلاف 35 عيادة طبية لتقديم الخدمة الطبية لحجاج بيت الله الحرام.
كما تم توفير 100 ألف جرعة تطعيم للحجاج، وتجهيز ما يشبه الحجر الصحي لتقديم العلاج السريع لمن يعاني ارتفاعاً في درجات الحرارة، أو يعاني أي مرض من الحجاج العائدين.
ورغم كل هذه الخدمات يبقي سعر الحج في مصر الغالي جداً في مصر، أحد الأمور التي تحتاج إلي وقفة.
وتظل التجربة الماليزية، واحدة من أنجح تجارب مواجهة غلاء تكاليف الحج، فكل ماليزي يبلغ 40 عاماً يؤدي فريضة الحج دون أن يدفع مليماً واحداً.. والسر في ذلك أنه بمجرد ميلاد أي طفل في ماليزيا تسدد له أسرته اشتراكاً رمزياً سنوياً فيما يسمي «حصالة الحج»، وتظل الأسرة تسدد هذا الاشتراك الذي يكون مبلغاً زهيداً، وعندما يصل الشخص إلي الأربعين من عمره يتوقف عن سداد اشتراك الحج، وتتكفل الدولة بتحمل كامل نفقات حجه، أي أنه يحج دون دفع مليم.
شركات الحج تبرر
سألت محمد السيد، مسئول الحج بإحدي شركات السياحة عن سر ارتفاع أسعار الحج في مصر عن أغلب دول العالم.. فقال: «الحجاج المصريون يفضلون الإقامة بجوار الحرم، وهو ما يتكلف مبالغ أكبر، فيما لو تم السكني في فنادق بعيدة نوعاً ما عن الحرم، كما هو حال حجاج أغلب دول العالم».
وأضاف: «شركات السياحة تسدد ما بين 2500 ريال و3000 ريال للمطوفين مقابل كل حاج».
سألته: ولماذا ارتفعت أسعار الحج هذا العام بنسبة وصلت حتى 10% رغم أن وكيل وزارة الحج السعودي أكد أن أسعار حج هذا العام ستقل بنسبة 40% بسبب تطبيق المسار الإلكتروني؟
فقال: المسار الإلكتروني لم يوفر شيئاً للشركات المصرية، ولكنه سيساعد في تتبع أي حاج «يتوه»، ولا ننسي أن الريال ارتفع سعره أمام الجنيه هذا العام، وهو ما أدي إلي ارتفاع أسعار الحج.
انتهي كلام مسئول الحج في إحدي شركات السياحة.. وبقي أن نشير إلي أن الريال ارتفع بنسبة 4% أمام الجنيه، مقارنة بموسم الحج الماضي، ولكن أسعار هذا العام ارتفعت بنسبة وصلت إلي 10%!