لم تختلف العلاقات المصرية السعودية كثيراً في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز عن سابقتها في عهد العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله، مع الاعتراف بأن الملك الجديد يبدو أكثر انفتاحاً على جميع الأطراف، ومن بينها دول وحركات ذات علاقات متوترة مع مصر. وتأتي زيارة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى مصر، وحضوره حفل تخرج طلبة الكلية الحربية والكلية الفنية العسكرية، لتؤكد على متانة العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين، حتى وإن اختلفت القيادات وتوجهاتها الخارجية. فالسعودية في عهد الملك عبدالله، أبومتعب، كانت من أشد الدول حرصاً على دعم مصر في أعقاب ثورة 30 يونيو التي أسقطت حكم جماعة الإخوان الإرهابية ورئيسها محمد مرسي، واتخذت موقفاً متشدداً من خصوم مصر وعلى رأسهم تركيا وقطر وصنّفت جماعة الإخوان الإرهابية على أنها منظمة إرهابية، وهو القرار الذي زلزل الجماعة، ولا يزال قائماً حتى الآن رغم مرور ما يزيد على 6 أشهر على اعتلاء الملك سلمان لعرش السعودية، والتغييرات الجذرية التي قام بها في السياسة الداخلية والخارجية للمملكة. الإخوان والصيد في الماء العكر وكعادتها فإن جماعة الإخوان الإرهابية وأنصارها أسرفوا في الحديث عن تغيير جذري في العلاقات المصرية السعودية بعد وصول الملك سلمان إلى الحكم، وأن سلمان يبدو أكثر انفتاحاً من سابقه في التعامل مع الإخوان، وهو الأمر الذي لم يُترجم على الأرض حتى الآن، بل وكان عكسياً في بعض الأحيان. فقد أحالت السلطات السعودية في مطلع يوليو الجاري الداعية الموالي للإخوان محسن العواجي ومذيع قناة "روتانا" عبدالله المضيفر إلى المحاكمة، وقررت إيقاف برنامج "في الصميم" عقب انتقادات وجهها العواجي للملك الراحل عبدالله وسياساته، خاصة المتعلقة بتأييده للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ومناهضته للإخوان. روسيا وخلاف لم يستمر طويلاً أبرز خلاف علني بين مصر والسعودية كان في القمة العربية التي أقيمت في شرم الشيخ في أبريل الماضي، وذلك عندما أعلن السيسي تلقيه رسالة من نظيره الروسي فلاديمير بوتين تناول خلالها القضية السورية، وهو ما اعترض عليه وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل واصفاً موسكو بأنها شريك في قمع الشعب السوري لصالح نظام بشار الأسد. ولكن الشهور القليلة التالية كشفت أن تصريحات الراحل الفيصل كانت في لحظات انفعالية، فقد زار الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع روسيا والتقى بوتين، فيما اعتبره محللون تحولاً كبيراً في العلاقات السعودية الروسية. التقارب مع تركيا وحماس وفي عهد الملك سلمان أيضاً كان هناك تقارب مع تركيا، تجسد في زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الرياض، ولقائه مع العاهل السعودي بعد سنوات من البرود في العلاقات بين الرياض وأنقره. وخلال الشهر الجاري أيضاً، التقى الملك سلمان مع وفد من حركة حماس بقيادة خالد مشعل، بعد عزلة استمرت 3 سنوات بين الطرفين، وهو ما وصفه محللون بأنه تقارب غير متوقع بين الطرفين. وقال مصطفى العاني، المحلل في مركز أبحاث الخليج، إن اللقاء الذي تم بين الملك سلمان وخالد مشعل لم يكن متوقعاً على الإطلاق. وأضاف بقوله "البيئة الإقليمية تتغير، والسعودية ترى أنها تحتاج بشدة للتعامل مع حلفاء إيران في المنطقة بشكل مباشر، وبالتالي فيمكن قراءة هذا اللقاء على أنه جزء من استراتيجية شاملة لمواجهة النفوذ الإيراني". في حين يرى حمزة أبوشنب المحلل السياسي المقرب من حماس في غزة أن الحركة تسعى لكسر العزلة المفروضة عليها منذ إقصاء الإخوان من الحكم في مصر في يوليو 2013. ولكن حماس نفسها، على سبيل المثال، لم يكن لها موقف واضح وصريح من الحرب التي يشنها التحالف الذي تقوده السعودية وتشارك فيه مصر بفعالية ضد المتمردين الحوثيين الشيعة في اليمن. فقد قال الدكتور أحمد يوسف المتحدث باسم حركة حماس إن منطقة الخليج ترتعد من المد الشيعي في المنطقة العربية، مما دفع القيادة الحالية للمملكة الممثلة في الملك سلمان بن عبدالعزيز في توحيد القوى السنية ضد الشيعة. وأشار يوسف في مقابلة تليفزيونية إلى أن دول الخليج من حقها الدفاع عن مصالحها في باب المندب والبحر الأحمر، والخليج العربي أو الفارسي، حسب مسمى كل طرف، في إشارة إلى دول الخليج وإيران. وأكد يوسف أنه "من الظلم" النظر إلى إيران على أنها دولة معادية، لأن طهران لها طموحات مثل أي دولة في المنطقة. وفي النهاية، فإن الواضح أن القيادة السعودية الحالية تحاول، في ظل التشابكات الإقليمية الحالية، أن تنزع فتيل النفوذ الإيراني من خلال التقارب مع بعض الأطراف ذات العلاقات الطيبة مع إيران، ومن بينها تركيا وحماس، ولكن دون المساس بالخطوط الحمراء التي وضعتها مصر في التعامل مع تلك الكيانات الداعمة للإرهاب في مصر.