لم أتعجب مما فعله الشيخ سلطان بن محمد القاسمى، لمصر ولشعب مصر.. أى برده للجميل الذى ناله من مصر، عندم تعلم فيها، طالباً بكلية الزراعة بجامعتها الأم: القاهرة.. فهو نموذج غير تقليدى للوفاء ولا أقول هنا ما قاله الشاعر القديم: من علمنى حرفاً.. صرت له عبداً.. فالشيخ سلطان يأتى فى مقدمة أحرار منطقة الخليج.. وفى مقدمة من يؤمن بالعروبة.. وهو الذى لم يكتف بترديد شعارات العروبة والثقافة العربية.. بل هو من أوائل من طبق معتقداته وآراءه هذه على كل مظاهر الحياة فى إمارة الشارقة التى يحكمها منذ 43 عاماً.. بل هو بلا جدال رافع راية العروبة فى بلاده ذات التاريخ العربى العريق، الذى تصدى لكل مظاهر الاستعمار برتغالياً كان أم إنجليزياً بعد ذلك. وهو سليل أسرة القواسم التى حكمت الشارقة ورأس الخيمة معاً وهى الأسرة التى امتد سلطانها وحكمها، حتى الى مناطق من جنوب شرق إيران نفسها، وبالذات فى منطقة لنجة وجزيرة قشم ذات الجذور العربية الأصيلة، ولبلاده حتى الآن ثأر مع إيران الفارسية التى تحتل جزيرة أبوموسى الأقرب إلى الشاطئ الجنوبى الغربى للخليج منذ نوفمبر 1971.. وتلك معركة أخرى أعرفها جيداً، بحكم أننى كنت أول وآخر صحفى عربى ينزل على أرض هذه الجزيرة عام 1973. المهم أن الشيخ سلطان بن محمد القاسمى فضل أن يدرس الزراعة فى مصر، بلد الزراعة، فجاءها عام 1965.. رغم أن كثيرين غيره فضلوا السفر الى العراق أيامها.. ولكن لماذا دراسة الزراعة؟ أقول إن الشارقة تمتلك مناطق زراعية واعدة وبالذات فى منطقة الزيد.. وهناك طريق يربطها بمدينة الشارقة رصفه الشيخ زايد رحمه الله على نفقته الخاصة.. وهى أخصب المناطق الزراعية فى الإمارة، حتى ان الشيخ زايد نفسه يمتلك استراحة ومزرعة طيبة فى الزيد هذه، وكثيراً مازرت الشيخ زايد فيها. وكان حلم الشيخ سلطان عندما اختار زراعة القاهرة ليدرس بها،كان يحلم بتحويل منطقة الزيد إلى مزارع نموذجية للنهوض بالزراعة، ليس فقط فى إمارة الشارقة، ولكن فى كل دولة الإمارات.. وللشارقة مناطق زراعية أخرى حول خورفكان ودبا وغيرهما. وعندما تم إنشاء دولة الإمارت العربية فى 2 ديسمبر 1971 تولى الشيخ سلطان منصب أول وزير للتربية والتعليم فى الدولة الوليدة، عندما كان شقيقه الشيخ خالد حاكماً للشارقة.. واختياره وزيراً للتربية والتعليم يعكس اهتمامه بالتعليم.. فهو يريد الحفاظ على الهوية العربية للمنطقة.. ولكن وبسبب الأحداث الأليمة التى عاشتها إمارة الشارقة ومصرع شقيقه الحاكم الشيخ خالد بويع الشيخ سلطان حاكماً لإمارة الشارقة يوم 25 يناير 1972 ليقود ويواصل مسيرة الثقافة العربية هناك.. بحكم أن الشارقة ومن قبل إنشاء دولة الإمارات، هى مركز البعثة التعليمية المصرية فى منطقة خليج عمان المتصالح. ويبرز الدور الثقافى للشيخ سلطان فى عدة محاور.. منها احتضانه جماعات الشباب من القوميين العرب والمثقفين العرب.. حتى انه عندم تعرض نجوم إذاعة صوت العرب لمحنة معروفة فى مصر لجأ الشيخ سلطان الى إنشاء إذاعة الشارقة التى تحولت الى مركز ثقافى رائد فى المنطقة، وجذب إليها نجوم صوت العرب ومنهم سعيد عمارة وعبدالوهاب قتاية وغيرهما.. وكذلك قام بنفس الدور عندما أنشأ تليفزيون الشارقة. لأنه عاشق لكل ماهو عربى إسلامى.. تولى إبراز الوجه الثقافى العربى لإمارة الشارقة وتجلى ذلك فى العمارة.. إذ أنشأ كل المبانى الحكومية فى الإمارة، بل والمناطق السكنية، على الطراز العربى الإسلامى، وليس فقط المساجد ودور العلم.. ولكن فى أسواقها وفى مقدمتها سوق الشارقة المركزى المطل على مياه الخليج. ومازلت أتذكر مقابلتنا الأولى معه، وكان ذلك فى مارس 1972 عندما ذهبنا إليه نحن المجموعة الأولى التى أنشأت أول صحيفة يومية فى الإمارات وكان يقودنا العزيز مصطفى شردى.. كان الهدف أن نتعرف على شخصية هذا الحاكم غير التقليدى.. حتى قبل أن نبدأ مهمتنا. وأتذكر موقفه معى أمام الشيخ زايد عندما طلبت منه السماح لى بالطيران الى جزيرة أبوموسى وكانت ايران وقتها تحتل نصف الجزيرة ووافق الشيخ وخصص طائرة هليكوبتر تنقلنى ومعى المصور الى هناك وأرسل معى قائد شرطة الشارقة عبدالله السرى لمواجهة أى مشكلة وتحركت الطائرة من قاعدة القاسمية، التى كانت أكبر قاعدة جوية بريطانية شرق قناة السويس. وكانت مغامرة شديدة الخطورة يمكن أن أروى تفاصيلها قريباً. المهم أننى لم أجد فيما قدمه الشيخ سلطان القاسمى لمصر ولجامعة القاهرة، ولدار الوثائق، أى شىء غريب فهو حاكم عربى يعرف قدر الاعتراف بالجميل.. ولهذا لم يبخل عليها.. وبالتالى كرمته مصر عندما منحه الرئيس السيسى قلادة الجمهورية، وعندما قدمت له جامعته، جامعة القاهرة، الدكتوراه الفخرية. فليس أفضل من الجميل،إلا القبول والتقدير والشكر. شكراً للشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى الذى قاد المظاهرات ضد العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 وحاول مع آخرين إحراق القاعدة الجوية البريطانية «القاسمية» فى الشارقة!!.