لم يعُد غريبا فى بلادنا أن يولد الضجيج من لا شىء وينمو ويحتشد حوله الناس مُثرثرين رافضين أو مؤيدين. قبل أيام نفى مكتب مٌفتى المملكة العربية السعودية ما تداولته وكالات الأنباء من أن يكون الشيخ عبد العزيز بن عبد الله قد أصدر فتوى تُبيح للرجل أكل لحم زوجته فى حال الجوع الشديد. وقال بيان رسمى: إن القصة اختلقت للإساءة للرجل بسبب موقفه الداعم لعاصفة الحزم ضد الحوثيين. وبعيدا عن الواقعة أتصور أننا كأمة عربية لا نحتاج فتاوى لأكل لحوم النساء أو التضحية بهن للنجاة من الخطر كما كان يقول الشيخ ياسر برهامى حفظه الله. لسنا فى انتظار تأشيرة دخول إلى ساحات سحل النساء وقهرهن وتهميشهن تماما . لا ننتظر تصريحا لقتل الأنوثة واغتيال تاء التأنيث وسلبها حق الترأس والتفكير والعمل القيادى. لا ينقصنا الحماس لتنحية المرأة من رؤوسنا باسم الدين تارة وباسم أعراف المجتمع وعاداته تارة أخرى. فى تقرير طومسون رويترز فى العام الماضى عن أوضاع المرأة العربية مخازٍ وأوجاع . مصر مثلا هى أسوأ دولة يُمكن لامرأة أن تعيش فيها لأن 99.3% من النساء عاملات وغير عاملات يتعرضن لتحرش جنسى. كما أن أكثر من 90% من المصريات خضعن لعادة الختان الكريهة. فى العراق توجد انتقائية فى العمل حيث لا تزيد نسبة العمالة من النساء 14.5%، وتضطر فتيات كثيرات للانخراط فى الدعارة طلبا للعيش، ولا تسافر سيدة دون إذن ورقى مكتوب من ولى أمرها. فى السعودية الوضع أغرب، إذ تُمنع السيدات من قيادة السيارات، وتنتشر ظاهرة تعدد الزوجات حتى صار هو أصل المجتمع. أما السودان فحدث ولا حرج حيث لم توقع الدولة حتى الآن على المعاهدة الدولية لمنع التمييز ضد النساء، ومثلها الصومال التى يشتهر فيها رجم الفتيات الأقل من 15 سنة بتهمة الزنا. المرأة لا شىء فى عالمنا البدوى. رغم التعليم والثقافة والاتحادات النسائية ودعوات التحرير انتصرت البداوة وكسب الذكوريون .رغم التصريحات البراقة للزعماء والرؤساء واحدا تلو الآخر بأننا نُدعم المشاركة النسائية، ونُعضد عملها وتحررها، ونعتقد أن من حقها أن تستوزر وتحكم وتقود أحزابا سياسية. المرأة جمال، وحضارة، وذوق. ولا خير لبلد لا يحترم نساءه، ولا مستقبل لأمة لا تحفظ للنساء حقوقهن. المرأة لحظة إشراق، وفرصة تحدٍ، وفعل مقاومة. المرأة سنبلة قمح، وزهرة فل، وصباح متجدد، ووطن يصعد إلى القمة، لكننا لا نهتم ولا ندرك ولا نقبل ونغض غضا فى سبات كالموت. ورحم الله نزار قبانى الذى فضحنا كاتبا: «ثقافتنا فقاقيع من الصابون والوحل. فمازالت بداخلنا رواسب من «أبي جهل». ومازلنا ... نعيش بمنطق المفتاح والقفل نلف نساءنا بالقطن ندفنهن في الرمل ونملكهن كالسجاد كالأبقار في الحقل ونهزأ من قواريرِ بلا دينٍ ولا عقل».