محافظ البحيرة: المرأة البحراوية تتصدر مشهد الانتخابات منذ الصباح الباكر    جامعة أسيوط تطلق الزي الموحد للعاملين بالمطعم المركزي    وزير الإسكان: العاصمة الإدارية أصبحت مركزًا متكاملًا للحكومة    برامج مساندة لشريحة متوسطى الدخل لمساعدتهم فى مواجهة الأعباء.. إنفوجراف    صعود مؤشرات البورصة بختام تعاملات جلسة بداية الأسبوع    محافظ المنوفية يناقش إحلال ورفع كفاءة كوبري مبارك بشبين الكوم    ليبيا.. رئيس الأركان التركي يشارك في مراسم تشييع الوفد العسكري    الأحزاب السياسية في تايلاند تسجل مرشحيها لمنصب رئيس الوزراء المقبل    غضب عارم.. جماهير ليفربول تهاجم ذا أتلتيك دفاعًا عن محمد صلاح    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ونظيره المغربي    محمود عاشور حكمًا لل VAR بمواجهة مالي وجزر القمر في كأس الأمم الأفريقية    رئيس الوزراء يُتابع ترتيبات عقد امتحانات الثانوية العامة لعام 2026    وزارة الداخلية تضبط 4 أشخاص جمعوا بطاقات الناخبين    قضية تهز الرأي العام في أمريكا.. أسرة مراهق تتهم الذكاء الاصطناعي بالتورط في وفاته    محمد أبو عوض: برلمان 2026 سيشهد نضجا سياسيا.. وتدخل الرئيس صحح المسار    بابا لعمرو دياب تضرب رقما قياسيا وتتخطى ال 200 مليون مشاهدة    مواعيد وجدول مباريات اليوم الأحد 28 ديسمبر 2025    بتكلفة 17 مليون جنيه.. محافظ المنيا يفتتح أعمال تطوير مدرسة "النور للمكفوفين"    هجمات بطائرات مسيرة أوكرانية تجبر مطارين بموسكو على الإغلاق لساعات    محمود حميدة: طارق النبراوي يفهم معنى العمل العربي المشترك وقادر على رسم المستقبل    وزارة الصحة: غلق مصحة غير مرخصة بالمريوطية وإحالة القائمين عليها للنيابة    من مخزن المصادرات إلى قفص الاتهام.. المؤبد لعامل جمارك بقليوب    مباشر أمم إفريقيا - الجابون (0)-(0) موزمبيق.. صاروخ مبكر    الزمالك يصل ملعب مباراته أمام بلدية المحلة    وصول جثمان المخرج داود عبد السيد إلى كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة    رحيل أسطورة الشاشة الفرنسية بريجيت باردو عن عمر 91 عامًا    صاحب الفضيلة الشيخ / سعد الفقي يكتب عن : شخصية العام!    " نحنُ بالانتظار " ..قصيدة لأميرة الشعر العربى أ.د.أحلام الحسن    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : حينما نزل الغيث ؟!    لتخفيف التشنج والإجهاد اليومي، وصفات طبيعية لعلاج آلام الرقبة والكتفين    مؤسسة التضامن للتمويل الأصغر تجدد اتفاق تمويل مع بنك البركة بقيمة 90 مليون جنيه    وصول جثمان المخرج داوود عبدالسيد إلى كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة    مي كساب تبدأ تصوير مسلسل «نون النسوة» استعدادًا لرمضان 2026    الداخلية تقضي على بؤر إجرامية بالمنوفية وتضبط مخدرات بقيمة 54 مليون جنيه    52 % نمو في أرباح ديجيتايز خلال 9 أشهر    البنك الأهلي وبنك مصر يخفضان الفائدة على الشهادات متغيرة العائد المرتبطة بالمركزي    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة في صورة بطاطين    أزمة السويحلي الليبي تتصاعد.. ثنائي منتخب مصر للطائرة يلجأ للاتحاد الدولي    بدون حبوب| أطعمة طبيعية تمد جسمك بالمغنيسيوم يوميا    «ليمتلس ناتشورالز» تعزز ريادتها في مجال صحة العظام ببروتوكول تعاون مع «الجمعية المصرية لمناظير المفاصل»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم فى سوهاج    هيئة الرعاية الصحية تستعرض إنجازات التأمين الصحي الشامل بمحافظات إقليم القناة    الصحة: الشيخ زايد التخصصي يجري قساطر قلبية معقدة تتجاوز تكلفتها مليون جنيه على نفقة الدولة    وزير الصناعة يزور مقر سلطة الموانئ والمناطق الحرة في جيبوتي ويشهد توقيع عدد من الاتفاقيات    أمم أفريقيا 2025.. تشكيل بوركينا فاسو المتوقع أمام الجزائر    مد غزة ب7400 طن مساعدات و42 ألف بطانية ضمن قافلة زاد العزة ال103    الناخبون يتوافدون للتصويت بجولة الإعادة في 19 دائرة ب7 محافظات    لافروف: روسيا تعارض استقلال تايوان بأي شكل من الأشكال    أول تعليق من حمو بيكا بعد انتهاء عقوبته في قضية حيازة سلاح أبيض    2026 .. عام الأسئلة الكبرى والأمنيات المشروعة    2025.. عام المشروعات الاستثنائية    كيف ينتج تنظيم الإخوان ازدواجيته.. ثم يخفيها وينكرها؟    الزمالك يخشى مفاجآت كأس مصر في اختبار أمام بلدية المحلة    انطلاق الانتخابات التشريعية في ميانمار    شريف الشربيني يشارك في اجتماع لجنة الإسكان بمجلس الشيوخ اليوم    عبد الفتاح عبد المنعم: الصحافة المصرية متضامنة بشكل كامل مع الشعب الفلسطينى    أمطار ورياح قوية... «الأرصاد» تدعو المواطنين للحذر في هذه المحافظات    يوفنتوس يقترب خطوة من قمة الدوري الإيطالي بثنائية ضد بيزا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيد قطب أول الناصريين
نشر في الوفد يوم 29 - 12 - 2010

كنا في إجازة المدارس الصيفية عندما قامت ثورة‮ 23‮ يوليو‮ 1952‮ وانتظرنا افتتاح المدرسة بصبر فارغ‮.. وكان‮ غاية همنا أن نسمع رأي‮ المدرسين في الثورة التي حدثت منذ شهرين أو أكثر قليلاً،‮ ولم‮ يكن المدرسون علي نفس درجة حماس التلاميذ الذين كانوا‮ يجرون أساتذتهم جراً‮ للحديث عن الثورة المباركة‮.. ولم‮ يكن اسمها ثورة في تلك الأيام‮.. بل كان اسمها الحركة المباركة‮.. كان محمد نجيب هو معبود الجماهير وسلطانها‮.‬
وأسماء الضباط‮ يعرفها قلة من الإخوان المسلمين،‮ ولم تكن أسماؤهم متاحة للناس في أول الأمر‮.. وكان الإخوان‮ يتميزون عن سائر الشعب بهذه المعرفة‮.. فالضباط من زملائهم وإخوانهم‮.. وهو ما‮ يرفعهم علي الناس درجة‮.‬
وكان الحذر هو طابع الكثير من الناس تجاه الحركة المباركة عدا الإخوان‮.. فهم‮ يعرفون أنها حركتهم ومن صنعهم‮.. وهكذا كانوا‮ يتعاملون معها ويتكلمون عنها‮.. والناس من ورائهم خوفاً‮ وطمعاً‮.‬
وكانت جماعة الإخوان في مدينة شبين القناطر في ذلك الوقت كرمانة الميزان إن جاز هذا التعبير‮.. فقد نجحت حكومات أسرة محمد علي ثم من بعدهم الإنجليز‮.. أو بالتعاون معهم‮.. في ضبط المجتمع‮.. ولم‮ يعد عشوائياً‮ كما كان قبل الحملة الفرنسية‮.. وقد بلغ‮ ذروة انفراطه أيام الشيخ همام في الصعيد ثم مراد بك وإبراهيم بك‮.. وتسلل القانون رويداً‮ رويداً‮ الي الناس حتي صار سمة وطبيعة ومنهجاً‮ يسير المجتمع عليه كانت المدينة في ذلك الوقت نظيفة مرتبة،‮ عدد سكانها‮ يتناسب مع عدد الشوارع والبيوت،‮ وكانت الشوارع قد رصفت بحجارة البازلت السوداء المتساوية الحجم والسمك،‮ وكان وجودها‮ يساعد علي نظافة الشوارع،‮ واستواء البيوت في نظامها علي الجانبين وكان بالمدينة مدرستان إلزاميتان،‮ وكان نظام التعليم الإلزامي الذي‮ يفرض درجة معينة من التعليم،‮ من لا‮ يقوم بهذا الواجب حيال أبنائه فهو‮ يعرض نفسه للمخالفة التي تستوجب الغرامة المالية‮.. ومن بعدها المدارس الابتدائية،‮ والذي‮ ينالها‮ يكون أحسن حالاً‮ من الناحية العلمية من خريجي الجامعة في هذه الأيام‮.‬
وأذكر أنه كان هناك أطلس جغرافي‮ يسلم للتلميذ في السنة الثانية الابتدائية ملوناً‮ ومليئاً‮ بالمعلومات الثمينة‮.. ومثل هذا الأطلس لا وجود له في أي سنوات التعليم بكافة أشكالها حتي الجغرافية منها،‮ فطلبة الآداب قسم الجغرافيا لايرون مثل هذا الأطلس‮.‬
وما علينا من هذا فحديثه‮ يطول‮.. المهم أن المدينة قد أعيد ترتيبها أيام حكم محمد علي وأبنائه‮.. مع الطفرة التي أحدثها الإنجليز في كل شيء في مصر‮.‬
كنافة وبسبوسة
وعندما عدنا إلي المدرسة في خريف‮ 1952‮ بعد قيام الثورة المباركة ذهبنا الي المدرسة متوجسين متشوقين لمعرفة المزيد عن أخبار الحركة أو الانقلاب‮.. ولم نظفر بالكثير‮.. والذي أذكره أنه في وقت الغداء وعندما ذهبنا إلي مطعم المدرسة وكان نظيفاً‮ في طاولاته الكثيرة المنظمة والكراسي التي لفت حولها‮.. والسقف الهرمي الإنجليزي وعم صابر الفراش المشرف علي تقديم الطعام في نظام فائق ونظافة بالغة‮.. ولكل تلميذ طبق أرز وطبق خضار به قطعتان من اللحم الجيد‮ غير المتوفر في هذه الأيام والحلوي شيء من الفاكهة أو شيء من الحلوي الشرقية مثل الكنافة أو البسبوسة‮. وكان هذا الغداء‮ يقدم في نظام الساعة الثانية ظهراً‮.. ولكنهم لا‮ ينسون تقديم كيس من حبات الفول السوداني المقشر المملح في تمام الحادية عشرة صباحاً‮.. ويمر العامل مندوب عم صابر ويقدم أكياساً‮ بعدد التلاميذ‮.. وربما زاد عليها قليلاً‮.. وهو‮ يعطي المدرس كيسين الذي‮ يقبلهما بعد تمنع وابتسامة مفعمة بالحياء‮..‬
وكانت هذه السنة الدراسية هي آخر سنة نتناول فيها الطعام المجاني والذي كانت‮ يحظي به جميع التلاميذ في المدارس الابتدائية وما فوقها‮.‬
وكان‮ يعيش في المدينة الموظفون وأصحاب الحرف والتجار وبعض الفلاحين الذين‮ يعملون في الحقول فلا نراهم ببهائمهم في داخل المدينة إلا لماماً‮. وكانت هناك مدرستان إبتدائيتان ومدرسة ثانوية واحدة قد أمر بإقامتها محمد علي باشا‮.. كانت مدرسة في فسيح من الأرض في طرف بعيد من أطراف المدينة،‮ ويأتيها المدرسون من القاهرة في قطار‮ يصل في تمام الثامنة إلا ربعاً‮ ولم‮ يتأخر‮ يوماً‮ فيما أذكر‮.‬
ويدق الجرس في تمام الثامنة وتبدأ الدراسة‮.. بالطابور المدرسي وكأنك في ثكنة من الثكنات العسكرية للجيوش التي نقرأ عنها في كتب التاريخ‮«.. وعندما تبدأ الدراسة تخشع الأصوات فلا تسمع إلا همساً‮. وإن تجولت في أرجاء المدرسة أثناء الدراسة فكأنك تسير في طرقات معبد لآلهة قديمة لا‮ يجوز الكلام في حضرتها‮.‬
وكانت المقاهي منتشرة في أرجاء المدينة علي مستوي راق مختلف عما نراه الآن في هذه الأيام‮.. ولا تكتنف المقاهي تلك الضجة التي نراها ونسمعها في مثل هذه الأماكن الآن‮.‬
نادي الموظفين
وكان هناك مبني راق رفيع المستوي اسمه نادي الموظفين لا‮ يجتمع فيه إلا موظفو الدولة،‮ وفيهم مأمور المركز وضباط المباحث ومن في حكمهم‮.. وكذلك القاضي ووكيل النيابة‮.. وأمام النادي مقام‮ »‬سيدي سعيد أبوسمرة‮« في فسيح من الأرض وهو من الذين فروا من اضطهاد الأمويين وأقاموا في قري الحوف الشرقي‮.. والذي انتثرت فيه مقامات أبناء الحسين رضي الله عنه‮.‬
في هذا الفسيح من الأرض الذي بين سيدي سعيد وبين نادي الموظفين‮ يقع ميدان جميل،‮ قد تناثرت حوله المحلات المختلفة في تناسق‮ يسعد النفس وتسر به العين‮.. وخرجت الشوارع التي خرجت من الميدان وقد كستها أحجار البازلت‮.. والمارة عدد قليل‮ يمكن رصده وعده في ساعة‮ من زمن‮. عدد المساجد المشتهرة التي تقام فيها الدروس الدينية حوالي خمسة والأصغر منها‮ يتجاوز الخمسمائة‮.. وهناك كنيسة واحدة تقع في قرية ملحقة بالمدينة اسمها‮ »‬المنية‮« وفي الحقيقة هذا أمر لايستقيم‮.. والناس لم‮ يفهموا‮ »‬الخط الهمايوني‮« الذي‮ يحدد عدد الكنائس ويضع شروطاً‮ من أجل بنائها وإقامتها‮.. فحسب علمي وعلي ضوء ما قرأت ليس في الشريعة الاسلامية‮.. ولكن هذا الكلام شرحه‮ يطول وليس هذا مكانه‮.. وبناء الكنائس في‮ البلاد الاسلامية أمر من أمور السياسة وليس من أمور الدين‮.. كانت المدينة مثالية في‮ شكلها العام‮.. وكان الاخوان‮ يمثلون عدداً‮ كبيراً‮ من أهلها وعلي‮ الاخص الطبقة الوسطي‮ من أصحاب المتاجر الصغيرة وأصحاب الحرف وكذلك مدرس المدارس الالزامية والاولية ومعظم مدرسي المدارس الابتدائية وقليل من مدرسي المدرسة الثانوية‮. ولم‮ يكن أحد من الاخوان من الاعيان‮.. واقتصر الاعيان علي‮ حزب الوفد‮.. فمعظم أعيان المدينة من حزب الوفد‮.. وقليل من الاعيان‮ يتبعون حزب الاحرار الدستوريين‮.. أو أحزاباً‮ أخري‮ ولكنهم لا قيمة لهم أو اعتبار في‮ تعداد السكان‮. وكان أغلب أهل المدينة ممن ذكرت من الاخوان‮.. وكانوا كأنهم ميليشيا منتظمة‮ يمسكون البلدة بيد من حديد‮.. وذلك دون سلاح‮ يظهر بين أيدي‮ الاعضاء الكبار‮.. ثم علمنا بعد‮ »‬خراب مالطة‮« ان سلاحاً‮ كان هناك‮. وكان النشاط‮ يدور بشكل‮ يومي‮ في‮ شعبة الاخوان‮. كانت شعبة الاخوان في‮ سراية الحاج عليوة الوكيل عميدة شبين السابق وقد أخذت الدور الاول‮.. وهو عبارة عن قائمة فسيحة علي‮ كل جانب من جانيها ثلاث‮ غرف كبيرة‮.. ويلحق بها فناء عريض‮ يمكن أن‮ يجتمع فيه عدة آلاف‮.. وكان‮ يسمح لهم باستخدام هذا الفناء الذي‮ كان‮ يمتلئ بالاخوان الوافدين من القاهرة‮ والبلاد المجاورة‮.. وكان هذا‮ يحدث كل‮ يوم خميس فهو‮ يوم احتفال الشعبة الاسبوعي‮. وكانت شعبة شبين القناطر من شعب الاخوان القوية في‮ الوجه البحري‮ وقد حرص حسن البنا علي‮ زيارتها بشكل دائم‮.. وكان من أهلها حسن الهضيبي‮ المرشد الثاني‮ والمرشد الرابع عمر التلمساني‮ عليهم رحمة الله‮.. فحسن الهضيبي‮ من عرب الصوالحة مركز شبين القناطر‮.. وعمر التلمساني‮ من سكان شبين القناطر وكان‮ يفتتح مكتباً‮ للمحاماة بها‮.. وفي‮ نزاع بين أبي‮ رحمه الله وأحد الناس ترافع التلمساني‮ ضد أبي‮ كسب القضية ضده‮.. وكان أبي‮ علي‮ حق في‮ هذه القضية‮.. والتقيت بعمر التلمساني‮ بعد خمس وعشرين سنة‮. وأخبرته أن أبي‮ كان علي‮ حق وأخبرني‮ عمر التلمساني‮ رحمه الله انه لم‮ يشهد الوقائع ولكنه‮ يتعامل مع الاوراق والمستندات وقد‮ يؤدي‮ هذا الي‮ ظلم البعض دون قصد أحياناً‮. كان الناس‮ يبدأون بالتوافد علي‮ الشعبة منذ صلاة العصر وكانت القطارات منتظمة في‮ تلك الايام‮.. وكان‮ يصل اليها قطار قادم من القاهرة كل ساعة بالتمام والكمال‮. ومع كل قطار ابتداء من الساعة الثالثة‮ ينزل طابور‮ ينتظم أمام المحطة في‮ صفين له قائد منهم ومساعد له أو أكثر علي‮ جانبي‮ الطابور‮. وهتافات الاخوان تملأ الفضاء‮.. الله اكبر ولله الحمد‮.. وسائر ما‮ يعرف الناس‮.. الله‮ غايتنا والرسول زعيمنا والقرآن دستورنا والموت في‮ سبيل الله أسمي‮ أمانينا‮. وكان الناس‮ يلتفون حولهم للفرجة أو توزيع أكواب الشراب عليهم‮.. وقد تتحمس بعض السيدات من الشرفات فترتفع الزغاريد لتملأ المكان‮.. في‮ بهجة وعيد‮ يشعر به أهل البلد‮.. وما أن‮ يصل الطابور الي‮ مقر شعبة الاخوان ويأخذون أماكنهم حتي‮ يصل القطار الثاني‮ الذي‮ يحمل وافدي بلدة أخري‮ قد جاءت لحضور هذه الليلة المباركة‮. وكان المشرفون علي‮ شعبة الاخوان‮ يقدمون أعيان الوفد‮.. حزب الوفد‮.. ليجلسوا في‮ المقاعد الاولي‮.. وكذلك أعيان البلدة من مختلف الاتجاهات‮. وأول مرة أبصرت فيها مأمور المركز‮.. وكان أعظم البشر في‮ شبين القناطر قبل شهرين‮.. يعني‮ قبل الحركة المباركة‮.. أول مرة أراه‮ يجلس في‮ الصف الثاني‮ في‮ احتفال ما‮.. وهو كثيراً‮ ما‮ يحضر الاحتفالات‮.. ولكن في‮ الصف الأول ان لم‮ يكن علي‮ المنصة‮.. وأول مرة أري‮ مأموراً‮ يرتدي‮ الملابس الرسمية ثم‮ يقوم الي‮ حمام الشعبة وقد خلع الحذاء والكاب ليتوضأ لصلاة العشاء‮.. فقد تغيرت الدنيا‮!! ووقف المأمور في‮ الصفوف حيث انتهي‮ به المقام للصلاة‮.‬
القائمون علي‮ الحفل والضيوف‮!‬
الذين أداروا الحفل هم نائب الشعبة ومساعدوه وبعض العناصر فاعلة من الأقاليم وكانوا جميعاً‮ في‮ النظام السري للإخوان نائب الشعبة الحاج حسن حافظ الفقي‮ رحمه الله من أكبر عائلة في‮ شبين القناطر،‮ يعمل في‮ التجارة،‮ ولا تراه أبداً‮ في‮ الشعبة إلا فيما شذ وندر،‮ حتي‮ اني‮ لم أعرف انه من الاخوان إلا عندما اعتقلوه بعد حادث المنشية في‮ 26‮ أكتوبر‮ 1954‮ وهي‮ محاولة اغتيال جمال عبدالناصر بمعرفة محمود عبداللطيف ومحرضه هنداوي‮ دوير‮. أما الباقون فهم موجودون طوال الوقت،‮ وقليل منهم كان من نفس البلدة شبين القناطر‮.. وكانت لهم أسماء لامعة وأدوار في‮ الجماعة مرموقة،‮ ولكن لم‮ يكن أحد منهم رئيساً‮ لشيء‮. كان هناك العالم الاستاذ مصطفي‮ إمام خريج دار العلوم وهو من الاتقياء الاخفياء‮.. وكان معه اخوته‮.. وكذلك الطيب‮. وكان هناك عدد كبير من أصحاب المراكز المرموقة وتظهر أسماؤهم في‮ صفحات الوفيات للمشاطرة أو النعي‮.. ولكنهم ربما لا‮ يرضون أن نذكر أسماءهم في‮ ديوان الاخوان القديم‮. كان القائم علي‮ الحفل بشكل مباشر المرحوم الاستاذ الدكتور حسن عيسي‮ عبدالظاهر زميل‮ يوسف القرضاوي‮ ضيف الشعبة هذه الليلة،‮ ثم زميله في‮ قطر بعد جولة في‮ بلاد الله استقر فيها في‮ نيجيريا وبعدها انتهي‮ المقام به في‮ قطر وأعد رسالة دكتوراة عنوانها‮ »‬الدعوة الاسلامية في‮ غرب أفريقيا‮« وقمنا نحن بشرف طباعتها بعد ذلك‮. كان محمود عيسي‮ عبدالظاهر وعائلته من الذين قاموا بخدمة الاخوان‮ خدمة كبيرة‮.. وكانت أيامها خدمة للدين والاسلام‮.‬
وكان حسن عيسي عبدالظاهر صاحب مشروع مدارس الجمعة وهو المشرف علي البرنامج الثقافي للأسر‮.. وهو المتابع لكل النشاط‮.. ولكن لا يعرف شيئا عن السلاح والتدريب‮!.‬
وكان هناك الأخ المرحوم محمد صوابي الديب‮.. من الضباط الاحتياطيين وطالب في كلية أصول الدين‮.. وهو يعرف كل شيء عن الثقافة والسلاح والتدريب وكل شيء‮.‬
رأيته في معسكرات تدريب الإخوان في الجيش بعد عام ورأيته وهو يرتدي بذلة الملازم أول وعرفت أنه في خدمة الاحتياط‮.. وكان محل حب الجميع وثقتهم‮.. وكان شديد التواضع‮.. ويقوم علي خدمة الجميع‮.. وكان من الواضح أنه مدرب تدريبا عظيم المستوي والمراد‮.. فهو يفعل كل شيء ويثير دهشتنا من روعة ما يقوم به‮.. وقد اختفي من الاعتقال بعد انتهاء شهر العسل بين فصيلي الإخوان العظيمين واختفي في بيت مفتي الديار المصرية الشيخ محمد حسنين مخلوف تحت اسم صادق أفندي في قصة مؤثرة من قصص المغامرات العجيبة،‮ عندما رفض أن يحكي تفاصيل القصة،‮ أو يدل علي الذي أعد له جواز السفر إلي العراق‮. وأمسك به وعذب تعذيبا وحشيا ثم قتل في فناء السجن الحربي أمام الجميع‮.. وقيل قتله حمزة البسيوني‮.. وقيل شمس بدران‮.. ولكنه لم يكن معروفا في تلك الأيام‮. والحاج محمود يونس تلك الشخصية الأسطورية‮.. عامل المناجم الذي أقنع حسن الهضيبي بالانضمام إلي الإخوان‮.. وهذا تراه في كل مكان‮.. وله صلة بكل شيء‮.. المال والثقافة‮.. والسلاح‮.. والتدريب‮.. والنظام الخاص‮.. ثم قتل من شدة التعذيب في فناء السجن الحربي والقاتل إما شمس بدران أو حمزة البسيوني‮.‬
في هذه الليلة من يوم الخميس من أيام شهر أكتوبر‮ 1952‮ اجتماع في شعبة شبين القناطر للإخوان عدد كبير فمن قدر لهم أن يكون لهم تاريخ أو دور في تاريخ مصر الحديث‮.‬
وكان المدعو لإلقاء الخطاب هو الشيخ يوسف القرضاوي وهو‮ غير مشهور أو معروف كما هو الآن يملأ سمع الدنيا وبصرها وهذه أمور يراها الأذكياء في طريق قد كتب علي مدخله الله أكبر ولله الحمد‮.. لم يكن هذا هو طريق القرضاوي ولكنه كان طريق الكثيرين‮.‬
وعندما انتظم الحفل جلوسا كان يجلس في آخر الصفوف نفر من الأفنديات بعضهم نعرفه والبعض الآخر لا نعرفه‮.. وكان من هؤلاء الذين لم نكن نعرفهم‮.. سيد قطب رجل شديد الأناقة يرتدي ملابس تختلف عن كل ما يرتديه الآخرون‮.. أناقة في الملابس لم أر في حياتي مثلها إلا مرة كنت في ضيافة أنيس منصور‮.. وكان في ضيافته عدد كبير من الوزراء والأعيان‮.. وكان هناك الموسيقار محمد عبدالوهاب يرتدي ملابس منمقة الألوان ومرتبة وتصعب علي‮ غيره تكوينها علي النحو الذي رأيته‮.. حتي فاروق حسني وزير الثقافة الذي قيل عنه إن سبب رفعته هو قدرته علي اختيار الألوان لمن يلبس سواء كان من الرجال أو النساء‮.. وأن هذا هو سبب بقائه ربع قرن وزيرًا للثقافة رغم ما حدث فيها من ويلات‮.‬
وفي هذه المحاضرة حدث حوار شديد بين الإخوان وبين الوفد كان الإخوان مع الحركة وكان الوفديون ضد التسرع‮.. وهو ما نتعرض له لاحقا‮.‬
سعيد عبدالخالق
عرفته كاتبا حرًا صحفيا يعرف مهنته وأسرارها ويفهم كيف يقوم عليها‮. وكان أحد فرسان جريدة الوفد عندما قامت للمرة الأولي بعد الانفتاح الذي أذن به السادات وكان باب‮ »‬العصفورة‮« الذي يحرره كل يوم خميس هو سبب رفع التوزيع إلي عليين‮. وعندما رأس تحريرها هذه المرة يبدو أن أحد العظماء قد اشترط عدم تحرير هذا الباب وجعله شرطا لاستمرار الجريدة في الظهور‮.‬
وعملا بالنصيحة التي تقول‮: »‬ما لا يدرك كله لا يترك جله‮« وخرجت جريدة الوفد برئاسة تحرير سعيد عبدالخالق علامة من علامات الحرية والجهاد من أجل الوطن‮.‬
رحم الله سعيد عبدالخالق رحمة واسعة فقد كان صديقًا عزيزًا وصحفيا قديرًا وألهم الله أهله وأصدقاءه الصبر والسلوان علي مصيبة الموت‮.‬
تأملات
‮* إيه الحكاية؟‮. هوه إحنا رايحين علي فين؟
‮* أدعو الله أن يشمل التعديل الوزاري المقبل السيد أحمد نظيف حفظه الله‮.. وجميع الوزراء‮.. وياليتهم يكتبون تعهدات ألا يعملوا في السياسة أليس هذا أقرب إلي التقوي‮.. والحمد لله أحوالهم المالية فوق الحسنة‮.‬
‮* طلبت من مرشد الإخوان السابق حفظه الله أن يترك الانتخابات عشرة أعوام فأبي واستكبر‮.. وها هو يتركها رغم أنفه وأنف الإخوان‮!! وياليت الرئيس يكف عن هذه القصة‮ - قصة الانتخابات‮ - مكلفة ولا معني لها في هذه الآونة‮.‬
اشراقات
‮* »‬إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون‮«.‬
التوبة‮: 50


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.