بعيداً عن الشعارات الدينية التي تعودنا أن نصدر بها الكلام إما اتقاء للمتحذلقين من أدعياء التدين، أو رغبة في الظهور بمظهر التدين من أجل السمعة، أو الشهرة، أو المال، وهذا حال معظم المتصدرين للدعوة، أو القائمين على الخطاب الإسلامي، بعيداً عن كل هذا، هيا بنا نراجع سلوكياتنا في رمضان، ونقارنها بجوهر فكرة الصوم، والحكمة من تشريع الصيام في كل العقائد السماوية، وحتى المذاهب الروحية التى أوجدها الإنسان على الأرض. إذا نظرنا بعين محايدة لسلوكيات المسلمين في نهار رمضان نجد أنهم يعيشون حالة فلكلورية متناقضة، تشتمل على مكونات متعارضة، ينفي بعضها بعضا، فهم يصومون عن الطعام والشراب؛ صياما لا تتعدى فوائده ذات الانسان الصائم، ولا تصوم باقي جوارحهم عن باقي السلوكيات السلبية التي تؤذي الآخرين، وتتجاوزهم إلى المجتمع العام، فالغيبة، والنميمة، والبذاءة اللفظية، وعدم الإخلاص في العمل، وعدم الأمانة في البيع والشراء، وظلم الآخرين، واستغلال ظروفهم، ورفع الأسعار بصورة جشعة لا رحمة فيها، وظلم الفقراء والمساكين، والتزاحم في الطرقات، وعدم التراحم في الأماكن العامة.. إلخ، كلها سلوكيات نقوم بها جميعاً ونزيد فيها بحجة أن الإنسان صائم، فهو دائما في حالة غضب، واستنفار ضد الآخرين، فهل هذا رمضان؟ وهل هذا صوم؟ وأين الحكمة من الجوع والعطش؟ وإذا نظرنا إلى ليل رمضان نجد العجب العجاب… حيث أعلى نسبة من التعري، والسلوكيات غير الأخلاقية، وغير الإنسانية على شاشات الفضائيات، سواء في برامج سخيفة تخرج اسوأ ما في الإنسان، أو مسلسلات بذيئة تغرس اسوأ القيم في الإنسان، أنفقنا على هذه الأسلحة المدمرة، والأمراض المعدية، مليار جنيه مصري، كانت مصر أولى بها، والحجة جاهزة… فن وإبداع!؟، وهنا يجب ألا نلقي المسئوولية على حزب الحوض المرصود من أهل الفن، فجميعنا شركاء، لاننا المستهلكون لهذه البضاعة، وفي الفكر الاقتصادي العميق يلعب المستهلك الدور الأساسي في النشاط الاقتصادي، لأنه أهم من المنتج، فبدون مستهلك راغب في شراء البضاعة لن تكون هناك عملية إنتاج، نحن المشاهدين نتحمل كامل المسئولية لأننا ننتظر هذه البضاعة الرخيصة من السنة للسنة، ولأن هذه الاعمال الموسومة بالفنية تحقق أعلى نسبة مشاهدة، وتجذب أغلى الإعلانات، لذلك ينفق عليها اصحاب رؤوس المال الراغبين في زيادة أرقام أرصدتهم، ولو من خلال تدمير ثقافة، ومجتمع، واجيال، وسمعة ومستقبل وطن. ومن ناحية ثانية، نقوم نحن أيضا المسلمين العاديون بعملية تدميرية للاقتصاد الأسري، ولاقتصاد الدولة، وللكون، فما إن نسمع مدفع الإفطار حتى ننطلق في عملية استهلاك جشعة، وشرهة، وكأننا نأكل آخر طعام لنا في هذه الحياة، لذلك يزيد استهلاك جميع الأسر في رمضان بمعدلات مضاعفة عن غير رمضان، ويزيد استهلاك السلع في رمضان بأضعاف الشهور الأخرى، وتستعد الحكومات لشهر رمضان بمضاعفة الاستيراد من الخارج للسلع العادية، أو للسلع الخاصة بشهر رمضان، فهل من أجل ذلك شرع الله سبحانه الصيام؟ وهل من أجل ذلك كان شهر رمضان؟ هل نحن نصوم؟ ام نحتفل بمناسبة ثقافية؟ أم أننا نقضى شهراً من الاستهلاك، والاسراف، والتمتع، وإطلاق الشهوات، وإمتاع النفس بجميع الملذات؟! هل هذا شهر رمضان؟ أم مهرجان رمضان؟ أم أنه رمضان الرأسمالي؟ اسئلة كثيرة تدور في الذهن ولا تجد إجابة، ولا أحد مستعد لأن يجيب لأنه موسم استرزاق للجميع، من اهل الفن إلى علماء الدين، إلى التجار والمستوردين، إلى جميع اصحاب الحرف، جميعنا شركاء في هذه الجرائم. لماذا الامتناع عن وجبة أساسية من الوجبات الثلاث التي يتناولها الإنسان؟ ولماذا الامتناع عن الشراب وباقي المستهلكات؟ أليس لذلك علة وحكمة؟ أليس الهدف أن يتم توفير هذا القدر الذي امتنعنا عنه؟ وادخاره، أو إنفاقه في سبيل الله، لذلك كانت زكاة الفطر رمزاً لتوجيه الانظار إلى ضرورة إنفاق ما تم الامتناع عن استهلاكه، تخيل ايها القارئ ان كل واحد منا وفر ثلث نفقاته في رمضان، وتبرع بها للفقراء؛ كيف سيكون حال المجتمع إذن؟ هذا ليس اقتراحا ولا فذلكة، وإنما سلوك تقوم به «طائفة المورمون» الموجودة في الولاياتالمتحدة، استفادت من فكرة الصيام عند المسلمين، فأصبح اعضاؤها يصومون ثلاثة أيام كل شهر وهي الأيام القمرية، ويتبرعون بثمن الطعام الذي تم توفيره الى الكنيسة لتوزعه على المحتاجين في المنطقة التي توجد فيها. وأسفاه علينا لقد أفقدنا كل شىء جوهره وعلته، ولم يبق منه إلا الشكل: من العبادات، إلى السلوكيات، من الصوم إلى اللحية والحجاب، نحن أمة تحتاج إلى إعادة تأهيل ديني وثقافي، فمن سيكون لها؟