قبل ان تقرأ: في عالم أعراضه معروضة للأجرة/يمكنكم ان تشتروا بالمال كل نبرة/ لكن يراعي الذي يشرب مني حبره/سوف يبث صرختي في صمت كل قطرة/ وسوف ينهض الصدي/منها بكل ذرة/وصوت كل ذرة /سوف يكون ثورة. كان ذلك صوت الشاعر أحمد مطر.. وتلك كانت إحدي «قذائفه» الحية، يمزق بها بقايا كل من تجاهلوه حيا، وتجاهلوه أيضا ميتا.. في الحقيقة مثله من الشعراء لا يموتون ابدا.. سيبقي «مطر» أحمد مطر يغسل كل قبحنا، وكل ما ران علي اجسادنا وقلوبنا وعيوننا من أوحال وسواد وظلام.. سيبقي أحمد مطر لافتة في وجه القبح، ووجه التشوه، ووجه «الصهينة» والسكوت عن التوقيع في دفاتر الشرف والمقاومة. - لا صوت يجب ان يعلو الآن علي صوت «المقاومة».. لكن في واقع الأمر فان صاحب قرار المقاومة الآن (حماس طبعا) يتعامي عن حقائق الأمور والأشياء. لقد جعل من الديمقراطية «مطية» للوصول الي الحكم، ثم جعل ظهره مطية لكل من يدفع أكثر أو من يحقق له اوضاعا افضل علي الأرض، وبدلا من ان يفرض الوحدة مع باقي فصائل الكفاح المسلح، ويواصل المقاومة والثورة، راح يتفنن في تحقيق الانفراد بالسلطة.. وهكذا باسم المقاومة خلق الانقسام والتشرذم، وأصبح الوطن رهين الحكومات «المتنافسة» ، فمنها من يتنافس علي قلب «الأمريكيين» ومنها من يتنافس علي قلب «الإخوان» والشياطين واتباعهم القطريين! -لا أظن أبدا ان الديمقراطية هي طريق المقاومة الفلسطينية لتحرير الأرض، فبعد تشرذم «أوسلو» أصبحت المقاومة موقوة بتفجر الرغبة الصهيونية في «تمليص» أو «قرص اذن» العرب جميعا، وأوجاعهم بولائم القتل الجماعي، التي تجعل من الوطن الفلسطيني المنكوب بديمقراطية فصائله، ساحة حرب لتجربة الجديد، من أسلحة الموت الشامل. الثورة الفلسطينية لم تكن تحتاج إلي ديمقراطية، بل تحتاج إلي مجلس حرب ومجلس اركان موحد وهيئة عمليات عسكرية موحدة، تحت قيادة تكبح نوازعها الشخصية وتؤجل أحلامها السلطوية البعيدة.. وانتماءاتها - أيا كانت إخوانية أو ليبرالية - إلي ما بعد معركة التحرير.. فالديمقراطية مزقت اخوة النضال، هذا يناضل من فنادق قطر الفاخرة، أو من فنادق أوروبا الشاهدة علي «صهينة» بعض القادة، الحالمين بتسوية «أسلوية» كتلك التي صنعوها في غابر الأيام ولعلهم يبللونها اليوم ويشربون «ميتها»! - أما الذين صنعوا كل هذا الفخار الفلسطيني، وقتلوا ما يربو علي «مائة» من جنود جيش الاحتلال، منذ اغاروا علي غزة. ليسوا هم مناضلي الفنادق، ولكنهم المقاتلون الحقيقيون الذين لم يتآمروا علي ثورتهم، ولم يتركوا الميدان الحقيقي للقتال، وإنما مزقوا اكباد العدو الصهيوني، وأرعبوه وهزوا ثقته في نفسه بعنف، وأبكوا الصهاينة حتي النزف. ولكن الأحداث والأيام تثبت ان القادة يريدون شيئا آخر غير الذي يريده المقاومون.. الجنود يستشهدون فداء لقضيتهم، ولكن قادتهم يريدون شيئا آخر.. يريدون تدويل قضية المعابر. يريدون ان يحصلوا بالتدخل الدولي علي ما فشلوا في الحصول عليه في عهد مرسي! - أشم في الأفق رائحة خطر داهم، يدق أبوابنا وقد يأتينا ونحن علي غير استعداد.. تماما كما حدث في واقعة «الفرافرة» الكاشفة!! تلك الواقعة مخزيه بكل المقاييس، وسبب الخزي فيها هو ان مجرميها رتعوا ولعبوا علي امتداد طريق طوله نحو 380 كم يمتد من «الكفرة» الليبية الي الوادي الجديد، وتحديدا عند كمين «الفرافرة» المنكوب كما اشار الي هذا، حوار غريب عجيب للواء «سيف اليزل»، ففي حديثه إلي «لميس الحديدي» تجاهل كل هذه المسافة التي قطعها المجرمون، تجاهل المسار الطويل الذي قطعوه، حيث لم تعترضهم دورية، أو ترصدهم أجهزة استخباراتية، والأنكي انهم لم يتحسبوا لهجوم مباغت لا من الشرطة ولا من الجيش.. بل الذين اخذوا وفوجئوا هم جنود الكمين الذين باغتهم مهاجموهم من الامام ومن الخلف ايضا! نعم من الخلف.. حيث لم يكن هناك من يحمي ظهورهم! لقد استوقفته المذيعة وهي تحاوره، وهي امرأة مدنية وليست «ليفني» الموسادية.. ف«الجرافيك» الذي حملة «اليزل» وعرضه علينا اظهر ان مهاجمين التفوا من خلف الجنود واعتلوا «التبة» التي كانت خلفهم وعبثا أخذت المذيعة تسأله مرة تلو الأخري محاولة ان توضح له ان هذه «التبة» العارية، كان يجب ان تكون «مؤمنة» بالجنود وهو ما لم يحدث، فلما سألته عن السبب قال لها بثقه زائدة: السبب هو وجود «تباب كتيرة في المنطقة دي».. وهو مايعني أحد امرين اما ان تأمينها كان واجبا ولم يحدث، او ان اختيار المنطقة ل«كمون» الكمين كانت خطأ فادحا.. والأنكي من هذا انها المرة الثانية التي يستهدف فيها هذا الكمين! حتي الآن، تقع الاخطاء بالجملة، وتغيب الرؤي السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، وهذا مخيف جدا، وأخشي انه في ظل هذا الوضع، قد تحدث مؤامرة وسوء قصد من جانب القادة الحمساويين - خارج ميادين المواجهة - بحيث يكونون طامحين في تصعيد يقتل الاف المدنيين ويدمي قلوب الفلسطينيين، ليصلوا إلي ذروة غضبهم علي الحصار، بالتفكير في اقتحام المعابر، في لحظة تستوي فيها حياتهم مع الموت، فينفجروا خارجين خروجا جماعيا فيما يمكن تسميته مواجهة فلسطينية - مصرية، بذريعة فك حصار معبر رفح، واظن ان هذا قد يلقي قبولا من جهات عدة، وهكذا قد نجد فجأة آلافا مؤلفة منهم يقتحمون المعبر بصدورهم العارية، وتكون مواجة مريعة.. فان تركناهم لدواعي النخوة وحرمة الدماء والاقتتال العربي، تكون النتيجة كارثية، بالسماح باحتلال واعتداء علي سيادة واستقلالية الأراضي المصرية، وإذا رددناهم وواجهناهم وفتحنا عليهم النار تكون النهاية المأساوية!! بعد ان قرأت: في ظل غياب الرؤية لدينا حتي الآن، وفي ظل الأخطاء الاستراتيجية خاصة في المجالات الأمنية، أخشي من ان كارثة كهذه قد تكون في ذهن القيادات الحمساوية، بينما نحن غائبون أو مغيبون، أو نائمون في العسل!