يبدو أن الخسائر التي منيت بها قطر خلال الشهور الأخيرة على صعيد نفوذها السياسي في المنطقة ستدفع بها إلى مراجعة استراتيجياتها والانكفاء داخليا، ولو لفترة محدودة، فقد كان خروج الملايين في مصر للإطاحة بحكم الرئيس محمد مرسي الذي ينتمي للإخوان المسلمين، والمدعوم بقوة من قطر فى 30 يونيو، بمثابة صفعة قوية لسياسة الدوحة التي تستهدف تمهيد المنطقة لمشروعات هيمنة غربية عليها ، وفى هذا السياق قالت صحيفة واشنطن بوست في تقرير لها إن قطر تفقد النفوذ مع تلاشي الربيع العربي، مشيرة إلى أن الدولة الخليجية الصغيرة الغنية بالغاز، أرادت استضافة الأحداث الرياضية البارزة، وبناء شبكة من الجامعات والمتاحف على أعلى مستوى، والمضي قدما في الهيمنة على السياسات الإقليمية من أجل إعادة تشكيل العالم العربي وفقا لرغباتها. لكن في الوقت الحالي، فإن الأولوية الأخيرة لا تمضي بصورة جيدة. ومضت الصحيفة الأمريكية تقول إنه إذا كان 2011 يمثل عام النصر للدولة الصغيرة، عندما ارتفع علمها خفاقا إلى جانب المتمردين الليبيين حيث اشتعلت الثورة هناك بالدعم القطري، وكانت قناة الجزيرة القطرية موضع إشادة من متظاهري ميدان التحرير، وكان الجميع يريد حقيبة ممتلئة بالأموال القطرية، فإن عام 2013 كان عام الخسائر بالنسبة لقطر ، وعللت الصحيفة ذلك بقولها «تلقت قطر ضربات، حيث أدت انتفاضات الربيع العربي، التي بشّرت بحكومات إسلامية في مصر وتونس، ومكّنت محدثي النعمة في المنطقة، إلى إعادة السلطة مرة أخرى للقوى التقليدية القديمة في المنطقة». وأشارت إلى أن مصر أسقطت حلفاء قطر في مصر وهم جماعة الإخوان المسلمين، ووجدت مصر تمويلا وحلفاء في السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، المنافسين الإقليميين لقطر. وأشارت الصحيفة إلى أن المنتقدين يقولون إن اندفاع الدولة الخليجية الصغيرة نحو تقديم مساعدات أدى إلى تقويض جهود الوحدة في ليبيا ما بعد القذافي، والدعم العشوائي للإسلاميين المتطرفين في سوريا، والذي أدى بشكل كبير إلى تقويض الجيش السوري الحر الأكثر اعتدالا، ويقول ديفيد روبرتس المحاضر في كينجز كوليدج «اسم قطر صار في الوحل، فقد كانت على رأس سياسة فاشلة تماما في مصر، يجب أن يؤدي ذلك إلى قدر من إعادة التفكير». ويقول محللون إنه خلافا لخسارة الحليف الإخواني في مصر، فإن السعودية أخذت علانية زمام المبادرة في الدعم الخليجي للمتمردين السوريين، وهي القضية التي رعتها قطر في البداية، بعد أن أثارت الدولة الصغيرة غضب حلفاء عرب وغربيين، من خلال إرسال مساعدات إلى إسلاميين متشددين ، وحتى كأس العالم لكرة القدم 2022، الذي كان قرار الاتحاد الدولي لكرة القدم باستضافة قطر له أحد أبرز إنجازاتها على هذا الصعيد، أصبح تحت المجهر خلال الأسابيع القليلة الماضية، بعد أن كشفت صحيفة جارديان البريطانية فضائح تتعلق بظروف العمل القاسية للعمالة الأجنبية المهاجرة في قطر، والتي وصفتها الصحيفة البريطانية بأنها عبودية العصر الحديث. وباتت منظمات العمل الدولية تطالب علنا وبقوة بسحب حق تنظيم البطولة من الدوحة، إن لم تمتثل للمعايير الدولية في حماية حقوق العمال. كما أن رئيس فيفا سيب بلاتر ألمح إلى احتمال أن البطولة قد لا تقام في قطر منفردة ويمكن إقامتها بشكل مشترك مع بعض دول الخليج الأخرى مثل الإمارات وإيران. أوضحت واشنطن بوست أنه مع هذه الخسائر المتتالية، فإن الحكومة القطرية أصبحت غامضة إلى حد كبير. وأضافت «في وكالة الأنباء القطرية، حيث يُطلب من الصحفيين الزائرين تقديم تفاصيل حول خطط التغطية وأي طلبات رسمية لإجراء مقابلات مع مسئولين، فإن مسئولي العلاقات الإعلامية قالوا إن الحصول على مقابلة مع مسئول كبير أو أي مسئول سيكون أمر شبه مستحيل». يقول بعض المحللين إن الأمير الجديد، تميم بن حمد آل ثاني، يقدم قطر على أنها تركز بشكل أكبر على الداخل، وتقلل احتمال فرض نفسها على المستوى الدولي. أما القطريون فيقولون: «لا تنخدعوا، ربما تكون قطر قد تراجعت نسبيا في الحديث عن السياسة الخارجية، ولكنها لا تزال تتطور وتعلم كيفية استغلال أموالها ودبلوماسيتها في منطقة مليئة بالقوى الثقيلة». وكان يمكن للعالم ان يرى قطر وقد اكتسحت المنطقة بالكامل ، ولكن خطأ قطر، وفقا لمحللين، أنها لم تكن حريصة بما يكفي حول المكان الذي تضع فيه يديها ، بما فى ذلك اندفاعها للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد ومن قبله الزعيم الليبي معمر القذافي، فقد نقلت قطر أموالا وأسلحة إلى جماعات إسلامية متشددة.