أقدره وأحترمه وأظنه وطنيا مخلصا من نسل عرابى ومن أحفاد عزيز المصرى وصالح حرب ومن تلامذة سعد الشاذلى، وعبد الغنى الجمسى، وأحمد بدوى. أتصوره كتلة اخلاص وعطاء وميراث حب وإيثار، لكننى لا أتمنى ولا أحب أن يترشح لرئاسة مصر. عن الفريق عبد الفتاح السيسى القائد العام للقوات المسلحة أتحدث. رجل الدهشة، وإنسان النور، وبوصلة الكرامة والأصالة. فرغم المحبة الطاغية، والشعبية الجارفة، والالتفاف الجماهيرى أرى أن واجبه يحتم عليه عدم الترشح لرئاسة مصر. ورغم الحملة المنظمة المسماة «كمّل جميلك» والتى تحاول أن تدفعه دفعا نحو انتخابات الرئاسة بحب أو بتزلف فإننى أعتقد أن ذكاءه وفراسته ستمنعه من الترشح حفاظا على نقاء الثورة، وتأكيدا لعظمة عطائه فيها. لم يكن الرجل يريد مجدا ولا منصبا وإنما كان يريد تصحيحا لمسار ثورة مصر. لم يكن « السيسى» طامعا فى حكم، ولا متطلعا لسيادة، وإنما كان قنوعا بشرف الدفاع عن مصر، وشرف خدمتها. إن اراد بالفعل أن يُكمل جميله، وأن يحافظ على عطائه، ويصون تضحيته ومخاطرته من أجل مصر. عليه أن يعلن بحزم وبدون مواربة أنه لن يخطو نحو سلالم الحكم . لن يقترب من سيرك السياسة بحلوها ومرها، بألاعيبها وحيلها، بتقلباتها وتحولاتها، بصقورها وثعالبها. عظمة «السيسى» هى ألا يترشح للرئاسة، ولا يُرشح أحدا، ولا يتراجع تحت زعم «مطالب الجماهير» أو «رغبة الناس». على رؤوسنا جميعا جميله وجميل عساكر مصر الأوفياء. على رؤوسنا وهذا عهدنا بهم، أصحاب السترات الخضراء، قميص مصر الواقى، والعين الساهرة، والخوذة الصلبة. لكن ذلك لا يعنى سوى التقدير والامتنان. لا يعنى شيكا على بياض، ولا يعنى تفويضا بالحكم، واستنساخاً لكلمة «الزعيم» البغيضة بأبوته، ووصايته على الناس، ثم بتسلطه واستبداده وفرعنته. لقد ولى زمن الزعيم الفرد، والقائد الأوحد، والرئيس الأب إلى غير رجعة فى كافة الدول الحرة، وصار القائد دائما مُحاسبا، ومُراقبا، ومساءلا من الناس. إن مصر لا تريد زعيما وإنما خادما، لا تريد مُلهما وإنما موظفا، لا تريد فرعونا وإنما مواطنا بدرجة رئيس. ورحم الله زمانا خطب فيه حاكم مصر قائلا: «أنا جمال عبد الناصر الذى علمتكم العزة والحرية والكرامة»، وقال فيه الرئيس السادات للناس فى وقاحة «ما أريكم إلا ما أرى وما أتبع إلا سبيل الرشاد». والله أعلم.