القائد العام للقوات المسلحة يستقبل اللواء محمود توفيق وزير الداخلية للتهنئة بذكرى انتصارات أكتوبر    كيف شكل يوسف شاهين بداية أمينة خليل؟    بعد مكاسب تجاوزت 100 دولار.. تراجع أسعار الذهب في بداية تعاملات الثلاثاء    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 21 أكتوبر فى سوق العبور للجملة    بيان عاجل لوزارة العمل حول زيادة الحد الأدنى للأجور    «الإسكان» تتوسع في منظومة التمويل العقاري الحر بالتعاون مع البنوك والشركات    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 21 أكتوبر 2025 في الأسواق    الرئيس السيسي يتوجه إلى بروكسل للمشاركة في أعمال القمة المصرية الأوروبية    الهلال الأحمر المصري يدفع ب240 ألف سلة غذائية عبر قافلة «زاد العزة»    «نيويورك تايمز»: إدارة ترامب تضغط على نتنياهو لعدم تقويض الاتفاق مع حماس    سفارة الصين بواشنطن ترد على تصريحات ترامب عن الصفقة العادلة    الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي يبدأ تنفيذ عقوبة السجن لمدة 5 سنوات    متحدث «الشباب والرياضة» يكشف أزمة الإسماعيلي بالتفاصيل    تشكيل الهلال المتوقع لمواجهة السد في دوري أبطال آسيا    أحمد أبومسلم يكشف كواليس جديدة في أزمة مباراة الأهلي وبيراميدز مواليد 2007    «الأرصاد»: طقس اليوم خريفي مائل للبرودة.. والعظمى بالقاهرة 32 درجة    السيطرة على حريق سيارة بالتجمع تسبب في شلل مروري    في محاولة لسرقته| نفق سري من داخل مسجد إلى مكتب بريد العوايد بالإسكندرية    اصطدام قطار بنهاية رصيف محطة مصر برمسيس دون إصابات    إخلاء سبيل التيك توكر هدير عبد الرازق بكفالة 20 ألف جنيه في قضية غسيل الأموال    ريهام عبد الحكيم ومحمد الحلو يلتقيان الليلة بمهرجان الموسيقى العربية    هنا الزاهد: لا وقت للحب والزواج.. وتركيزي الآن على شغلي    على ريد كاربت الجونة.. أول ظهور ل رانيا يوسف وزوجها    هام وعاجل| الحكومة تدرس منح يوم 1 نوفمبر إجازة رسمية    قائد القوات البحرية: قواتنا قادرة على مواجهة التحديات لحماية الوطن    الباشا والزعيم    لم ينجح أحد    ضبط 14 سائق حافلات مدرسية بتهمة تعاطي المخدرات    ياسين منصور يكشف إمكانية طرح شركة الأهلي في البورصة    لامين يامال يطارد رقما قياسيا أمام أولمبياكوس في دوري أبطال أوروبا    رسميًا.. موعد بداية فصل الشتاء 2025 في مصر وإلغاء التوقيت الصيفي (تفاصيل)    السر المُذاع في المغرب    تعرف على برجك اليوم 2025/10/21.. «الحمل»: حوّل تركيزك لاتخاذ خطوات جريئة.. و«الجدي»: لا تنسى من يحبك    هل يجوز للزوجة التصدق من مال زوجها؟.. دار الإفتاء تحسم الأمر    في نص ساعة جاهز للأكل.. طريقة تجهيز الخيار المخلل السريع    لا مزيد من الروائح الكريهة.. تنظيف الميكروويف ب 3 مكونات في المنزل    أهمها استنساق البخار والمحلول الملحي.. 6 حلول عاجلة لعلاج انسداد الأنف في المنزل    القبض على زوج ألقى بزوجته من شرفة المنزل في بورسعيد    تامر عاشور وآدم يجتمعان في حفل غنائي ضخم بالكويت    فيضانات مدمرة تجتاح ألاسكا ويُطلب من ترامب إعلان الطوارئ    اتحاد "شباب يدير شباب" (YLY) ينظم جلسة تدريبية حول مهارات التواصل الفعّال ضمن برنامج "تماسك"    جامعة قناة السويس تواصل فعاليات مبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان"    إعلام: ترامب متحمس جدًا لإنهاء حرب أوكرانيا    المغرب وموريتانيا يوقعان على برنامج عمل في مجال التحول الرقمي لمنظومة العدالة    مصطفى هريدي يكشف ل واحد من الناس علاقته بالزعيم عادل إمام وأول أدواره    خناقة اتحاد تنس الطاولة    مواقيت الصلاة في أسيوط اليوم الثلاثاء 21102025    موعد مباراة بنفيكا ونيوكاسل يونايتد في دوري أبطال أوروبا والقنوات الناقلة    ناهد السباعي تتصدر تريند جوجل قبل عرض "السادة الأفاضل" وتستعد لمشاركة أحمد السقا في "هيروشيما"    إصابة 10 أشخاص إثر تصادم ميكروباصين بالبحيرة    كيف تعدل المركز الانتخابي قبل بدء التصويت في انتخابات مجلس النواب؟ الوطنية للانتخابات تجيب    كيف نحب آل البيت؟.. أمين الفتوى يجيب    قائمة بيراميدز في مواجهة فاركو بالدوري    متى وكيف تقيس سكر الدم للحصول على نتائج دقيقة؟    متحدث الحكومة: نهدف لتيسير الخدمات الحكومية من أجل المواطن والمستثمر    شوربة الشوفان بالدجاج والخضار، وجبة مغذية ومناسبة للأيام الباردة    هل يشترط وجود النية في الطلاق؟.. أمين الفتوى يجيب    أمينة الفتوى: الزكاة ليست مجرد عبادة مالية بل مقياس لعلاقة الإنسان بربه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حبس ابن الذيب يفضح ديمقراطية قطر
نشر في الوفد يوم 26 - 10 - 2013

ليس غريبا أن يزج بشاعر الي السجن بسبب كلمات قالها.. فمثل هذه الأحداث تكررت كثيرا في بلاد العرب..
وليس جديدا ان يسجن شاعر عربي بسبب قصيدة. فالتاريخ العربي حافل بمثل هذه المآسي.. ومع ذلك يبقي سجن الشاعر القطري محمد راشد حسن العجمي الملقب ب«ابن الذيب» حدثا يجب التوقف أمامه طويلا باعتباره كاشفا لألغاز كثيرة تشهدها منطقة الشرق الأوسط.
قطر ترتدي عباءة الديمقراطية.. وتعتبر نفسها واحة الحرية وحامي حمي النضال ونصير الضعفاء وقبلة الثوار وصوت الأحرار.. وكثير من المصريون صدقوا هذا الكلام وكيف لا يصدقونه وصوت قطر وأعني قناة «الجزيرة» لا تترك جماعة مهنية كانت أو سياسية إلا ودعمت مطالبها واستضافت رموزها وقادتها وافسحوا لهم المجال الجوي ليقولوا ما يشاءون.. أيضا لم تترك الجزيرة سجينا سياسيا عربيا إلا وتابعت أخباره منذ لحظة اتهامه ثم القبض عليه ومحاكمته وحتي بعد صدور حكم قضائي عليه كانت صوت قطر تتابع اخبار وأخبار أسرته ما يشاءون.
وكثيرًا ما تحدثت قناة «الجزيرة» القطرية عما يعانيه أصحاب الرأي في بلادهم، والويلات التي يشهدها سجناء وشهداء الكلمة في بلاد الوطن العربي الكبير.
كثيرون أبهرهم هذا الأداء واعتبروه نصرا للمظلومين ورفعا لراية الحرية والنضال وازداد الانبهار ب«الجزيرة» أثناء ثورة 25 يناير فوقتها كادت تكون صوت الثورة والثوار.. صحيح أن نظرة عدد غير قليل من المصريين عن الجزيرة بدأت تتغير مع تولي الإخوان حكم مصر بعدما لاحظوا أن قطر وقناتها الجزيرة تساند الإخوان ظالمين كانوا أو مظلومين.. البعض التمس للجزيرة العذر لمساندتهم للإخوان واعتبروه نوعا من دعم الديمقراطية علي اعتبار ان الشعب المصري اختار الإخواني محمد مرسي ليحكم مصر.
و بعد أن خرج عشرات الملايين من المصريين الي الشوارع والميادين في 30 يونية مطالبين بسقوط حكم الإخوان وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة كان المتوقع أن تكرر الجزيرة نفس ما فعلته مع ثورة يناير بأن تتبني مطالب الثوار وتدافع عنهم وعن ثورتهم ولكن المفاجأة أن قطر طالبت بسحب ملياراتها التي كانت قد أودعتها في البنك المركزي المصري كنوع من الدعم لمصر اثناء حكم محمد مرسي، بينما راحت «الجزيرة» تقلل من أعداد المصريين المتظاهرين وتزعم ان الغالبية العظمي من المصريين تؤيد مرسي!
وتتوالي المفاجآت لتبدأ قطر و«الجزيرة» في النظر الي أحداث مصر بعين واحدة, فلم تعد تري في مصر إلا الإخوان ومظاهراتهم ومناصريهم ومطالبهم وصمودهم ونضالهم، وفي المقابل تري كل من يخالف الإخوان انقلابيين ومعتدين وأعداء للديمقراطية والشرعية والإسلام.. تري الإخوان لا يخطأون أبدا وغيرهم لا يفعلون إلا الخطأ والخطايا.. واقتصر ضيوف الجزيرة علي أسماء شبه ثابتة لا يجمعها إلا شتم ما يسمونهم بالانقلابيين, وشتم الجيش والشرطة والحكومة ورئيس مصر عدلي منصور.. وأغلب هؤلاء الضيوف يتقافزون فوق مقاعدهم في الاستوديو وكان تحتهم نارا مستعرة أو كأنهم من شدة غضبهم يعجزون عن السيطرة علي أجسادهم ثم اثناء هذا التقافز تخرج من افواههم كلمات لا علاقة بها بالحقيقة أو السياسة أو المنطق أو حتي الأخلاق.
وأمام هذا الخلل الإعلامي الفادح ل«الجزيرة» كان طبيعيا ان ينفض عنها كل المصريين ماعدا الإخوان ومن علي شاكلتهم.. ورغم ذلك أيضا راح البعض يلتمس لها العذر بدعوي أنها تفعل ما تفعل دفاعا عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
والآن بطلت كل هذه الحجج وثبت أنها دعاوي كاذبة وقدم الشاعر القطري «ابن الذيب» دليلا عمليا علي ان قطر لا تعرف من الديمقراطية ولا حقوق الإنسان شيئا.. وأنها تنهي عن منكر وتأتي بأبشع منه.. وتأمر الناس بالبر وتنسي نفسها.. وترتكب مقتا حذرنا الله منه.. ففي القرآن الكريم قال الله تعالي في سورة الصف: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)وقطر و«الجزيرة» تقولون مالا يفعلون.
والحكاية أن الشاعر القطري محمد راشد حسن العجمي الملقب ب«ابن الذيب»، هزته ثورة تونس وراح يشد علي أيدي الثوار ويساندهم بأعز وأقوي ما يملك.. وأقوي ما يملكه هذا الشاعر هو الكلمة وأبيات الشعر..
كتب «ابن الذيب» عام 2011 قصيدة طويلة جعل عنوانها «قصيدة الياسمين» وهو الاسم الذي أطلقه السياسيون علي الثورة التونسية.. وفي قصيدته أشاد الشاعر بالثورة التونسية وهاجم الحكومات العربية، فقال «الحكومات العربية ومن يحكمها كلهم بلا استثناء حرامية» ثم تمني أن تنقل عدوي الثورة إلي بلاد لم يسمها باسمها وإنما وصفها بأنها «البلاد اللي جهل حاكمها ويحسب أن العزّ بالقوات الأمريكية.. البلاد اللي شعَبْها جايع والحكومة تفتخر في طفرة المالية.. والبلاد اللي تنام مواطن معك جنسية وتصبح ما معك جنسية».
وواصل «عقبال النظام القمعي المتوارث»
وتساءل: إمتى وأنتم عبيد النزعة الذاتية.. ولا متى والشعب ما يدري بقيمة نفس..هذا ينصب ذا وراءه كلها منسية.. ليه ما يختار حاكم بالبلد يحكم لهيت»
والواضح أن هذه الكلمات الغارقة في اللهجة الخليجية لا تحمل أي إهانات لشخص محدد أو لدولة معينة ولكنها تنتقد الديكتاتورية والارتماء في حضن أمريكا وقمع الشعوب الحرة وهي اتهامات عامة تشمل أغلب حكام العرب.
وبدلا من أن تستضيف «الجزيرة» الشاعر «ابن الذيب» ليتحدث عن قصيدته وما يبغيه من ورائها مثلما تفعل مع غيره إلا أن «الجزيرة» تجاهلت الأمر تماما وتتوالي المفاجآت وإذا بأمير قطر يسوق الشاعر الي المحاكمة بقائمة طويلة من التهم تضم التطاول علي رموز البلد والتحريض علي الإطاحة بنظام الحكم والعيب في ذات أمير البلاد – آنذاك – حمد بن خليفة.
وبسرعة تم القبض علي الشاعر وإحالته الي المحاكمة.. وفي فبراير 2012 قضت المحكمة القطرية بالعدل.. قضت بسجنه لمدة 25 عاما!
استأنف الرجل الحكم فحدث في الاستئناف مهازل رواها محامي الشاعر في تصريحات صحفية.. قال: «الشاعر اتهم بإلقاء قصيدة تحرض على قلب نظام الحكم والاساءة الى أمير البلاد - السابق - الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني والعيب في ذات ولي العهد - آنذاك - الأمير الحالي الشيخ تميم بن حمد آل ثاني».
وأوضح النعيمي أن «المحكمة التي قضت بالسجن المؤبد علي الشاعر لم تقدم حيثيات للحكم واعتبر حكمها «تجاهلاً وغضاً للنظر عن القانون، وقرارها سياسي محض، لا علاقة له بالنظام والقانون القطريين فضلا عن انعدام العدالة فيه».
وأضاف: «تم إبلاغي من مصدر مطلع منذ أشهر أن الموضوع يا دكتور انتهى. لا تذهب الى محكمة التمييز أو تدافع، أي لا تتعب نفسك»، مشيراً الى أن هذه القضية استمرت نحو عامين، وأن موكله قضى العامين في سجن انفرادي.
وواصل: «النيابة العامة لم تأت بدليل واحد يؤكد أنه ألقى القصيدة في حفلة عامة وفي وجود صحفيين ومصورين، النيابة زورت في مستند وهو «الشاعر» وقّعه من دون أن يراه «يقرأه» ونصّ على أنه ألقى القصيدة أمام محفل عام وبوجود الاعلام، وهو «الشاعر» كان قال للمحقق أنا ألقيتها «القصيدة» في غرفة في شقتي في القاهرة أمام 7 أو 8 أشخاص».
وتابع النعيمي: «عندما رأيت النص «الإدعاء» يتضمن أنه ألقى القصيدة أمام جمهور اعترضت فوراً، وقلت للقاضي في أول جلسة أرجو إعادة التحقيق لأن هناك مخالفات».
ولكن ما حدث هو أن المحكمة أصدرت حكمها بتقليل سنوات سجن الشاعر «ابن الذيب» من 25 سنه الي 15 عاما فقط.
ديمقراطية آل خليفة
حدث كل هذا في قطر التي تدعي الديمقراطية وتنصب من نفسها حامي حمي حقوق الإنسان والمدافع الأول عن حرية التعبير في الوطن العربي.. قطر هذه رأت في عبارة «عقبال البلاد اللي جهل حاكمها ويحسب أن العزّ بالقوات الامريكية» عيبا في ذات أمير قطر..
واعتبر حكام قطر عبارات «وآه عقبال النظام القمعي المتوارث.. لا متى وانتم عبيد النزعة الذاتية.. ولا متى والشعب ما يدري بقيمة نفس.. هذا ينصب ذا وراءه كلها منسية.. ليه ما يختار حاكم بالبلد يحكم لهيت..خلص من نظام السلطة الجبرية..علم اللي مرضيٍ نفسه ومزعل شعبه.. بكره يجلّس بداله واحد بكرسيه.. لا يحَسْب ان الوطن بسمه وبسم عياله».. اعتبر حكام قطر هذه العبارات دعوة لقلب نظام الحكم.
والغريب أن حكام قطر لا يرون عيبا في الشتائم التي لا تتوقف في برامج قناة «الجزيرة».. ولا يرون عيبا في وصف «الجزيرة» وضيوفها لرئيس مصر بأنه «طرطور» ووصف نائب رئيس الوزراء بانه قاتل وخائن ولا وصف رئيس الوزراء بأنه «بلاوي» وليس «ببلاوي» بل ووصف الغالبية العظمي من المصريين بأنهم عبيد البيادة. حكام قطر لا يرون في ذلك كله عيبا.. الي هذا الحد وصلت ازدواجية المعايير في قطر ولسانها المعروف باسم «الجزيرة».
والكارثة الأخلاقية التي سقط فيها بامتياز حكام قطر أنهم تركوا الجزيرة تهاجم السلطات المصرية لأنها ألقت القبض علي متهمين بإطلاق الرصاص علي المصريين وآخرون خربوا منشآت عامة.. بينما أمراء قطر لم يتحملوا كلمة واحدة من شاعر لا يملك غير الكلمة.. وأيضا حكام قطر يطالبون بمحاكمة علنية لمرسي ورجاله المتهمين في قضايا جنائية بينما هم ألقوا القبض علي الشاعر «ابن الذيب» دون محاكمة ومنعوا عنه الزيارة ثم أجروا له محاكمة سرية عاقبته بأقصي عقوبة بل إن القانون القطري حدد عقوبة إهانة الأمير بالسجن 5 سنوات ولكن حكام قطر سجنوا «ابن الذيب» 15 عاما لإهانة الأمير!
شعراء مساجين .. وشاعر الخليج الأقسي عقوبة
بعد صدور الحكم بحبسه انضم ابن الذيب الي قائمة طويلة ضمت مفكرين وشعراء تم حبسهم بسبب كلمة قالوها.. وحسب موسوعة تاريخ مصر فإن الكثيرين من أصحاب الكلمة وقعوا في خصومة مع الحاكم. وهي خصومة غير متكافئة القوة. فصاحب الكلمة، وإن كان يبدو الأضعف، فإن كلمته تعيش وتتخطي العصور وتتحدي الزمن وتظل باقية تطٌلع عليها الأجيال المتعاقبة لتفضح مساوئ الحاكم وتظهر ما سعي جاهداً أن يخفيه.
كانت البداية مع يعقوب صنوع أو «أبو نضارة» الذي ألف كثيرا من المسرحيات ونشر العديد من المقالات ينعي فيها حال الفقير في مصر ويوجٌه أصابع اللوم للحاكم الذي كان في ذلك الوقت الخديو إسماعيل، فأسرعت السلطات بإغلاق مسرحه عام 1872م وقامت بنفيه خارج مصر، فعاش في باريس وظل ينشر آراءه الناقدة في جريدته من هناك.
وفي عهد عباس حلمي الثاني، قُدم مصطفي لطفي المنفلوطي للمحاكمة بتهمة العيب في الذات الخديوية عندما استقبل الخديو عباس عند رجوعه لمصر من الآستانة عام 1897م بقصيدة هجاء قال فيها:
قدوم ولا أقول سعيد .. ومُلك وإن طال سيبيد.. يذكرنا مرآك أيام أنزلت.. علينا خطوب من جدودك سود، وحكم علي المنفلوطي بالسجن لمدة عام.
كما حُكم علي الشيخ الغاياتي عام 1910م بالحبس لمدة سنة لتأليفه ديواناً شعرياً بعنوان «وطنيتي» يحتوي، كما تقول حيثيات الحكم، علي تحريض ضد الحكومة والازدراء بها وتحبيذ الجرائم والعيب في حق الذات الخديوية. كما حُكم علي الزعيم الوطني محمد فريد بالحبس ستة أشهر لأنه قام بكتابة مقدمة لهذا الديوان.
وفي عهد السلطان أحمد فؤاد الذي حكم مصر بين عامي 1917 و1936م، حُكم علي الشاعر بيرم التونسي (1893- 1961) بالنفي خارج مصر عام 1920م بسبب الأزجال العامية التي ألفها بمناسبة زواج الملك فؤاد من نازلي وما قاله بمناسبة مولد ولي العهد فاروق. وهي أزجال تضمنت طعناً في شرف السلطانة نازلي وتشكيكاً في نسبة ولي العهد لأبيه. ومن أزجاله:
سلطان بلدنا حرمته جابت.. ولد وقال سموه فاروق.. يا فاروق فارقنا بلا نيل.. دي مصر مش عايزة لها رذيلة.
وفي عهد الملك فؤاد أيضاً، حُكم علي عباس محمود العقاد عام 1930 بالحبس تسعة أشهر بتهمة العيب في الذات الملكية بعدما قال تحت البرلمان إن الشعب سيحطم أكبر رأس في البلد لو حاول المساس بالدستور. ووقتها كان الملك يريد تعديل الدستور ليحذف منه عبارة الشعب مصدر السلطات.
وفي عهد ابنه الملك فاروق الذي حكم مصر بين عامي 1936 و1952م، وبالتحديد في مارس 1952م، أي قبل قيام الثورة بعدة أشهر، صادرت الرقابة العدد العاشر من سلسلة «كتاب الهلال» الذي صدر بعنوان «عرابي: الزعيم الثائر» للمؤرخ عبدالرحمن الرافعي، وذلك بدعوي أن الكتاب يتهم الخديو توفيق، عم الملك فاروق، بالخيانة والتواطؤ مع الجيش البريطاني الذي احتل مصر عام 1882م. فالتهمة في هذه الحادثة كانت العيب في «عم الذات الملكية».
وحتي بعد إلغاء الملكية وقيام الجمهورية، ظل العداء قائماً بين الحاكم وصاحب الكلمة، ولكن التهمة تغير اسمها من العيب في الذات الملكية إلي الخيانة والعمالة، ومعاداة الشعب.
ففي عهد الرئيس جمال عبدالناصر تم اعتقال الكاتب الصحفي إحسان عبد القدوس في بداية عهد الثورة عندما تجرأ وكتب عن مجلس قيادة الثورة في مقاله الشهير «جمعية سرية تحكم مصر».
وفي عهد الرئيس محمد أنور السادات، قُدم الشاعر العامي أحمد فؤاد نجم للمحاكمة بتهمة تأليفه قصيدة «بيان هام» تضمنت هجوما حادا علي رئيس الجمهورية.. فتمت محاكمته وسجنه.
كما كتب نجم يستنكر زيارة نيكسون لمصر عام 1974م ويستهزئ بالطبل والزمر الذي صاحب رحلة نيكسون بالقطار بين المدن والمحافظات، فكتب يقول لنيكسون: جواسيسك يوم تشريفك.. عملوا لك دقٌة وزار.. تتقصع فيه المومس.. والقارح والمندار.. والشيخ شمهورش راكب.. ع الكوديا وهات يا مواكب.. وبواقي الزفة عناكب.. ساحبين من تحت الحيط.. وأهو مولد ساير داير.. شي لله يا أصحاب البيت».
أما قصيدة «بيان هام» التي حُكم بسببها علي نجم فهي تتكلم عن حاكم فاسد اسمه «شحاته المعسل»، الذي يقصد به الرئيس أنور السادات، يتكلم عن نفسه ويبرر الفساد الذي صاحب الانفتاح، فيقول «ح يطلع لي عيل.. بدون أي حاجة.. يعمل لي فلحس.. ويقعد يحاسب.. دا حقد اشتراكي أنا مقبلوش.. ولو هو ابني أنا ما اعتقوش».
والغريب ان هجوم «ابن الذيب»علي حاكم قطر يعتبر الأقل مقارنة بما شهدته مصر..ولكن عقوبته كانت الأقسي.
القصيدة التي حبست صاحبها
كلنا تونس.. ثورة الياسمين
يا لوزير الأولي يا محمد الغنّوشي
لو حسبنا سلطتك ما هيب دستوريّة
ما بكينا بن علي ولا بكينا عصره
نعتبرها لحظةٍ بالعمر تاريخية
دكتاتورية نظام القمع واستبداده
أعلنت تونس عليه الثورة الشعبية
إن ذممنا ما نذم إلا حقير وواطي
وأن مدحنا نمدح بقناعةٍ شخصية
أجج الثورة بدم الشعب يا ثائرها
وانحت إنقاذ الشعوب لكل نفسن حيّة
قلهم في قول من كفنه يشلّه كفه
كل نصرن تستبقه أحداث مأساوية
آه عقبال البلاد اللي جهل حاكمها
يحسب أن العزّ بالقوات الأمريكية
وآه عقبال البلاد اللي شعَبْها جايع
والحكومة تفتخر في طفرة المالية
وآه عقبال البلاد اللي تنام مواطن
معك جنسية وتصبح ما معك جنسية
وآه عقبال النظام القمعي المتوارث
لا متى وأنتم عبيد النزعة الذاتية
ولا متى والشعب ما يدري بقيمة نفس
هذا ينصب ذا وراءه كلها منسية
ليه ما يختار حاكم بالبلد يحكم لهيت
خلص من نظام السلطة الجبرية
علم اللي مرضيٍ نفسه ومزعل شعبه
بكره يجلّس بداله واحد بكرسيه
لا يحَسْب أن الوطن بسمه وبسم عياله
الوطن للشعب وأمجاد الوطن شعبية
رددوا والصوت واحد للمصير الواحد
كلنا تونس بوجه النخبة القمعية
الحكومات العربية ومن يحكمها
كلهم بلا استثناء حرامية
السؤال اللي يؤرّق فكرة المتسائل
لن يجد إجابته من كم جهة رسمية
دامها تستورد من الغرب كل أشياءه
ليه ما تستورد القانون والحرية؟؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.