منذ أيام قليلة ندد الدكتور محمد البرادعي نائب رئيس الجمهورية للعلاقات الدولية بما أسماه بمحاولة تشويه صورته هو وأسرته منذ يناير 2010 وقال في تغريدة له عبر حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: (إنه يتعرض لكذب ومحاولات تشويه مستمرة منذ يناير 2010 من جانب من وصفهم بالأذناب المأجورة في محاولات يائسة لاستمرار الاستبداد) وأضاف: (إن الكذب تناول انتماءه وعقيدته وعمله وعلاقاته كمسئول دولي) كما أوضح في تدوينة أخرى: (إليهم جميعا أقول إن المجاهرة من أجل الحق والحرية والكرامة والقيم الإنسانية ستستمر ما بقي في العمر بقية والثورة ستنتصر). كلام فارغ المحتوى أقرب للون الرمادي منه إلى الأبيض أو الأسود، تشم فيه رائحة المهادنة بدلا من الوضوح، وهذه عادة الدكتور البرادعي دائما الميال لإمساك العصا من المنتصف وتحقيق أكبر قدر من المكاسب بأقل الخسائر،وحبه لذاته أكثر من حبه لوطنه وحرصه على التلميع الإعلامي بغض النظر عن مدى مصداقيته، وهو ما اتضح بجلاء في استقالته الأخيرة من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية للشئون الخارجية بحجة فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة بالقوة، والتويتة التي صدرت بها مقالي جاءت بنكهة البرادعي المترددة وبطعم مفاهيمه الملتبسة وتضارب رؤاه السياسية – إن كانت له رؤى – وأستأذنك عزيزي القارئ في أن نقف معا عند بعض الملاحظات التي تخص هذه التويتة: أولاً: قال الدكتور البرادعي إنه يتعرض لكذب ومحاولات تشويه منذ 2010 من جانب «الأذناب المأجورة» ووصف الأذناب المأجورة بالذات كثيرا ما كان يلصقه المعزول مرسي وحواريوه بمن يقفون ضد أخونة الدولة وتغيير هويتها، وها هو ذا الدكتور البرادعي يفعل فعلتهم ويسير على نهجهم ولا يقول لنا ماذا يعني بالاذناب المأجورة؟ وإلى أي من القوى السياسية تنتمي تلك الأذناب؟ وما دامت هي موجودة فلماذا لم يحددها لنا؟ ولماذا لا يقول لنا من استأجرها؟ هل هو أضعف من أن يواجهها؟ أم أنها مجرد شماعة يعلق عليها الانتقادات الكثيرة التي تعري سلبياته وتكشف حقيقة مواقفه؟ ثم إذا كانت هذه الأذناب المأجورة تبذل ما تبذل من أجل استمرار الاستبداد على حد تعبير سيادته ألا يُعتَبَر عدم الوضوح وغياب الشفافية في إظهار الحقائق على الرأي العام آلية من أهم آليات تكريس الاستبداد؟ ثانياً: قال البرادعي: إن الكذب تناول انتماءه وعقيدته وعمله وعلاقاته كمسئول دولي، وهذا كذب غير مقبول ومدان لأنه لا يحق لأحد أن يشكك في انتماء أحد أو ينال من عقيدته أو يتعرض لحياته العائلية بأية صورة مسيئة، أما فيما يختص بعلاقات البرادعي الدولية فهناك علامات استفهام لا تقع تحت حصر منها: هل صحيح أن الولاياتالمتحدة اتفقت مع البرادعي في عام 2005 على التعاون من أجل تمكين الجماعة من حكم مصر؟ وعندما سقطت الجماعة في 30 يونية 2013، لماذا سعى البرادعي لإعادة إشراك جماعة الإخوان ثانية في الحكم رغم ثبوت فشلها على مدى عام كامل في إدارة شئون البلاد وتورط بعض أعضائها في قضايا تمس الأمن القومي المصري مباشرةً؟ وما السر وراء استدعاء سيادته للوفود الأجنبية لزيارة مرسي والشاطر والكتاتني في سجونهم دون الرجوع للنائب العام؟ هل يريد لهم فعلا مخرجا آمنا كما صرح لجريدة واشنطن بوست منذ أيام؟ أم يريد تدويل الأزمة وتحويل المفاوضين الأجانب بشأنها إلى ضامنين ثم مراقبين ثم محكمين يفرضون ما سوف تمليه مصالحهم عند الضرورة؟ وهل جاءت استقالته مؤخرا في تلك الظروف الصعبة مناسبة لما يجب أن يتحلى به رجل من المفترض بأنه وطني ومتحمل للمسئولية؟ وما هي الرسالة التي أراد إيصالها للعالم الغربي والعربي جراء تلك الاستقالة المشبوهة؟ ثالثاً: قال سيادته: المجاهرة بالحق من أجل الحرية والكرامة والقيم الإنسانية ستستمر والثورة ستنتصر، ولا أعرف بصراحة عن أي حق وأية قيم حدثنا البرادعي؟ وأين الحق والقيم في تقديم الاستقالة بسبب فض الاعتصامات غير السلمية؟ وهل في مهادنة الجماعات الإرهابية والتصالح معها وغض الطرف عن جرائمها اي قيمة من القيم الإنسانية؟. للأسف الشديد ذاتية البرادعي قتلت في المصريين أي ثقة فيه وهروبه الدائم في اللحظات الصعبة جعل من الشبهات حوله أكثر ألف مرة من إمكانية حسن الظن به، ولا أعرف بالضبط، كيف يمكن لهذا الرجل أن يرينا وجهه فيما بعد؟ وهل يمكن أن يصدقه أحد بعدما كذب على الناس جميعا؟ طبيعة المرحلة كانت تحتاج للحسم والحزم والشجاعة في التعامل مع الأزمات والوضوح في الرؤى، طبيعة المرحلة كانت تحتاج لاستعادة الثقة في الرموز الوطنية والتي كان من المفترض ان يكون البرادعي واحداً من تلك الرموز، والذي أزعم انني عجزت عن فهمه وأظن أنه هو الآخر لم يفهم نفسه مثلما لم يُفهِمنا مقاصده، مما جعله دائما في قفص الاتهام ليس بسبب الأذناب المأجورة كما ادعى وإنما بسببه هو وليس غيره وبسبب لينه غير المبرر ومواقفه المائعة تجاه جماعات تمارس العنف والإرهاب وحرصه على ابتعاثها من جديد رغم سقوطها من خريطة الوطن وهو ما جعله هو الآخر يسقط من خريطة الوطن.