ولد في مكة سنة 23 قبل الهجرة. نشأ سعد في قريش، واشتغل في بري السهام وصناعة القسي، وهذا عمل يؤهل صاحبه للائتلاف مع الرمي. كان سعد - رضي الله عنه - من النفر الذين دخلوا في الاسلام أول ما علموا به. فلم يسبقه الا أبوبكر وعلي وزيد وخديجة.قال سعد (بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى الاسلام مستخفياً، فعلمت أن الله أراد بي خيرا وشاء أن يخرجني بسببه من الظلمات الى النور. فمضيت إليه مسرعا حتى لقيته في شعب جياد وقد صلى العصر فأسلمت. فما سبقني أحد الا أبو بكر وعلي وزيد -رضي الله عنهم- ، وكان ابن سبع عشرة سنة). يقول سعد: وما أن سمعت أمي بخبر إسلامي حتى ثارت ثائرتها وكنت فتى باراً بها محباً لها فأقبلت عليَّ تقول (يا سعد. ما هذا الدين الذي اعتنقته فصرفك عن دين أمك وأبيك؟ والله لتدعن دينك الجديد أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فيتفطر فؤادك حزناً عليَّ، ويأكلك الندم على فعلتك التي فعلت وتعيرك الناس أبد الدهر) فقلت: (لا تفعلي يا أماه فأنا لا أدع ديني لأي شيء)، الا أن أمه اجتنبت الطعام ومكثت أياما على ذلك فهزل جسمها وخارت قواها. فلما رآها سعد قال لها (يا أماه اني على شديد حبي لك لأشد حبا لله ولرسوله ووالله لو كان لك ألف نفس فخرجت منك نفسا بعد نفس ما تركت ديني هذا بشيء). فلما رأت الجد أذعنت للأمر وأكلت وشربت على كره منها. كان الرسول -صلى الله عليه وسلم يجلس بين نفر من أصحابه ، فرنا ببصره الى الأفق في إصغاء من يتلقى همساً وسراً، ثم نظر في وجوه أصحابه وقال لهم ( يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة ). وأخذ الصحاب يتلفتون ليروا هذا السعيد، فإذا سعد بن أبي وقاص آت. وقد سأله عبدالله بن عمرو بن العاص أن يدله على ما يتقرب به الى الله من عبادة وعمل فقال له ( لا شيء أكثر مما نعمل جميعاً ونعبد، غير أني لا أحمل لأحد من المسلمين ضغنا ولا سوءاً ). وكان سعد بن أبي وقاص إذا رمى عدوا أصابه وإذا دعا الله دعاء أجابه، وكان الصحابة يردون ذلك لدعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- له (اللهم سدد رميته ، وأجب دعوته). ويروى أنه رأى رجلا يسب طلحة وعليا والزبير فنهاه فلم ينته فقال له (إذن أدعو عليك). فقال الرجل (أراك تتهددني كأنك نبي !). فانصرف سعد وتوضأ وصلى ركعتين ثم رفع يديه قائلا (اللهم إن كنت تعلم أن هذا الرجل قد سب أقواماً سبقت لهم منك الحسنى، وأنه قد أسخطك سبه إياهم، فاجعله آية وعبرة ). فلم يمض غير وقت قصير حتى خرجت من إحدى الدور ناقة نادّة لا يردها شيء، حتى دخلت في زحام الناس ثم اقتحمت الرجل فأخذته بين قوائمها، ومازالت تتخبطه حتى مات. وبعثه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في سرية عبيدة بن الحارث -رضي الله عنه- إلى ماء بالحجاز أسفل ثنية المرة فلقوا جمعا من قريش ولم يكن بينهم قتال ألا إن سعداً قد رمى يومئذ بسهم فكان أول سهم رمي به في الاسلام. وشارك في أحد وتفرق الناس أول الأمر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووقف سعد يجاهد ويقاتل فلما رآه الرسول -صلى الله عليه وسلم- يرمي جعل يحرضه ويقول له ( يا سعد 0ارم فداك أبي وأمي ).وظل سعد يفتخر بهذه الكلمة طوال حياته ويقول ( ما جمع الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأحد أبويه إلا لي ) وذلك حين فداه بهما. وقد ولاه عمر -رضي الله عنه- امارة الجيش الذي حارب الفرس في القادسية وكتب الله النصر للمسلمين وقتلوا الكافرين وزعيمهم رستم.وعبر مع المسلمين نهر دجلة حتى وصلوا المدائن وفتحوها، وكان إعجازا عبور النهر بموسم الفيضان، ودخل سعد بن أبي وقاص ايوان كسرى وصلى فيه ثماني ركعات صلاة الفتح شكرا لله على نصرهم . وولاه عمر أيضاً إمارة العراق ، فراح سعد يبني ويعمر في الكوفة ، وذات يوم اشتكاه أهل الكوفة لأمير المؤمنين فقالوا (إن سعداً لا يحسن يصلي). ويضحك سعدا قائلا (والله إني لأصلي بهم صلاة رسول الله، أطيل في الركعتين الأوليين وأقصر في الأخيرتين). واستدعاه عمر الى المدينة فلبى مسرعاً، وحين أراد أن يعيده الى الكوفة ضحك سعد قائلا (أتأمرني أن أعود إلى قوم يزعمون أني لا أحسن الصلاة ؟!)، ويؤثر البقاء في المدينة. وحين أدركته الوفاة دعا بجبة من صوف بالية وقال (كفنوني بها فاني لقيت بها المشركين يوم بدر.واني أريد أن ألقى بها الله عز وجل أيضاً). وكان رأسه فى حجر ابنه الباكي فقال له (ما يبكيك يا بني؟. إن الله لا يعذبني أبداً، وإني من أهل الجنة). فقد كان إيمانه بصدق بشارة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبيراً. وكانت وفاته سنة خمس وخمسين من الهجرة النبوية. وكان آخر المهاجرين وفاة ، ودفن في البقيع.