شهد العامان الماضيان تأثيراً كبيراً على المشهد الثقافى المصرى والعربي بعد ثورات «الربيع العربي» مما أوجب على الجميع نوعاً من مراجعة الأهداف التى تتسم بالمصداقية، والتى نستطيع من خلالها استشراف البيئة الثقافية التكنولوجية الجديدة ومواجهة المسكوت عنه فى حياتنا الثقافية، ولماذا دائماً نتجه إلى الخارج تاركين الداخل المتمثل فى إفريقيا؟ إن إطلالة سريعة على حجم إنتاج الكتب في مصر موزعا على الموضوعات المختلفة يمكنها أن تبين لنا أين تكمن المشكلة الحقيقية التى يواجهها الكتاب المصرى، فعلى الرغم من روعة معظم المحتوى للإبداع المصرى، إلا أن التسويق يظل هو بيت الداء. لقد شهدت السنوات الطويلة السابقة عديداً من الأنشطة السياسية والثقافية ، تضمنت كثيراً من الصراعات بين سلطة الدولة من جانب وبين المثقفين من جانب آخر، وعلى هذا فلابد لعالمنا العربى أن يتقدم وينافس على المستوى الحضاري والثقافي الذى يستحقه بين أمم العالم، خاصة أنه ذو باع طويل في دعم الحضارة الإنسانية، وأنه يمتلك طابورًا طويلاً من رواد الثقافة والأدب والفن!. فى محاولة جادة لوضع اليد على الجرح وعلى علاجه فيما يخص صناعة الكتاب وتسويقه، أقام المجلس الأعلى للثقافة برئاسة الدكتور سعيد توفيق، مؤتمر «تسويق الكتاب المصرى» والذى أقيم بقاعة المؤتمرات بالمجلس على مدار يومين، وتضمن عدة جلسات ناقشت الضبط الببليوجرافى للكتاب المصرى، وتعرض المؤتمر لوضع الكتاب المصرى الحديث فى مكتبات البحث الأمريكية، كذلك موضوع صناعة النشر فى مصر، والإعلام الببليوجرافى ودوره فى الترويج للكتاب المصرى. وقضية الإعلام والإعلان ومراجعات الكتب إلى جانب مناقشة قضية المعارض ومنافذ البيع، ومواقع الناشرين على شبكة الإنترنت، ومعوقات توزيع الكتاب المصرى. الدكتور شريف شاهين رئيس قسم الوثائق والمكتبات بكلية الآداب جامعة القاهرة ومقرر لجنة الكتاب بالمجلس الأعلى للثقافة والمشرف على إعداد المؤتمر، سألناه، ما دلالة أن تقام مثل هذه الندوات الآن والتى تضم كافة الأطياف المعنية بالكتاب والنشر؟ وأجاب شاهين: فكرة إقامة ندوة عن تسويق الكتاب المصرى هى محاولة لوضع اليد على موضع الخلل للكتاب المصرى، وما يعانيه من مشاكل مثل سوء الترويج وتدنى حالته الراهنة، سواء محلياً أو عربياً، وأضاف شاهين: إن الكتاب المصرى خلال العام السابق لم يكن عليه أى إقبال فى بعض الدول العربية مثلما كان الإقبال عليه من قبل، ونستطيع أن نؤكد أن الجميع يرى أن الكتاب المصرى لم يعد ذا عنصر جذب للقارئ العربى خلال الفترات الأخيرة، أيضاً يؤكد الناشرون الفعليون أن نسب التوزيع قد تدنت بالفعل حتى داخلياً، وهذه الحالة من عدم الثقة فى الكتاب المصرى، جعلتنا نفكر فى إقامة مؤتمرات تناقش أبعاد هذه الأزمة وإيجاد حلول لها، سواء فيما يتعلق بالضبط الببليوجرافى وهو الحصر والتجميع وهو ما تقوم به المكتبة الوطنية أى دار الكتب المصرية، وكذلك ما يتعلق بالمعارض ومنافذ التوزيع، وهناك بعد آخر وهو الإعلام والإعلان، والتعريف بإنتاج الكتب واتجاهات النشر الإلكترونى وأين نحن من البيئة الثقافية التكنولوجية الجديدة التى حطت على العالم، وعن أهم أسباب التدنى الذى طال الكتاب المصرى قال شاهين: سيظل طرفا المعادلة الصعبة هما الأساس وهما ما يخص وجهتى نظر الناشر والقارئ، فالناشر يبحث عن الربح بينما يبحث القارئ عن السعر الأقل، وعلى هذا فلابد من محاسبة الذات لدى الناشرين ومعرفة الأولويات، فنحن نحتاج إلى سياسة للتسعير وهذا هو ما نسعى إليه من خلال الفعاليات الثقافية التى نقيمها. الناشر عاصم شلبى رئيس اتحاد الناشرين المصريين والمشرف أيضاً على إعداد المؤتمر، سألناه عن رؤيته للمشهد الثقافى وأزمة الكتاب المصرى والعربى والمشاكل والحلول، والمعوقات والدعم، فقال: صناعة النشر صناعة كاملة تملك كل مقومات الصناعة بل هى وعاء المعرفة ولا نبالغ إذا قلنا انه منها تتفرع كل الصناعات الأخرى التى ترتبط بالنشر، وهى جزء من ثقافة الأمة وجزء من المشروع الثقافى لأى بلد، وهى ليست عملاً تجارياً فقط إنما هى مشروع فكرى وعلمى وبحثى أيضاً، والنشر قضية أى أمة ويجب ان تنشغل بها، فكل الدول العظمى تهتم بالثقافة لأنها مدخلها لأى انفتاح، وهذا يتضح جلياً فى محاولة أمريكا لاختراق الوطن العربى والذى جاء عن طريق نشر ثقافتهم من خلال المنتج الثقافى الأمريكى المتمثل فى الكتب والقصص والأفلام والدوريات، اما فيما يخص مشاكل الصناعة ذاتها فهى كثيرة مثل أى صناعة، ولكن الاهتمام بالمنتج يمكن أن يقلل من هذه المشاكل، فكلما كان المنتج جيداً كان تسويقه أسهل، وعلينا بضبط الكتاب من الداخل وهذا يبدأ مع وصول الورق ليد الناشر وقراءته من خلال متخصصين أكفاء، وهؤلاء المتخصصون هم من لديهم القدرة على ضبط الجودة وقراءة الكتاب بشكل موضوعى على أسس علمية من منظور ثقافى وتجارى ثم تجىء التوصية الأخيرة بطبعه أو عدم طبعه، وهناك الآن تحدٍ كبير وهو الانتقال من المخطوط الورقى إلى الكتاب الإلكترونى، فما زال النشر الإلكترونى لدينا لا يتعدى خمس الإنتاج فى حين وصل فى بعض الدول إلى مائة فى المائة، وطبعاً لا ننكر أن الثورات التى قامت فى المنطقة العربية أثرت بشكل كبير على سوق الكتاب فهناك دول كثيرة توقفت عن استيراد الكتب وهناك معارض كثيرة لم تقم، ومع ذلك فعلى الجانب الآخر هناك تفاؤل لأنه ربما على المدى القريب يحدث هامش أكبر من الحريات، وهو بالتأكيد ما سوف يساعد على رواج مشروع الكتاب. أما الدكتور شعبان خليفة المدرس بقسم الوثائق والمكتبات بكلية الآداب، قال إن تحضر الأمم يقاس بأمرين: الأول هو وضع الكتاب والثانى وضع المرأة، فالكتاب هو ما يعبر عن فكرأى أمة و هو مرآة لعقول أبنائها، ومساهماتهم فى الفكر الإنسانى بصفة عامة، وأضاف أن صناعة النشر هى الصناعة الثالثة فى العالم، وينشر سنوياً أكثر من مليون و350 الف كتاب فى العالم، ولكن الكتاب العربى عموماً والكتاب المصرى بشكل خاص لا يمثل سوى كسرة من هذا الخضم، وصناعة النشر تعتمد على أضلع ثلاثة، أولها: المؤلف وهو البطل ثم تأتى الحلقة الثانية وهى التصنيع وهنا يجب زيادة أعداد النسخ ثم تأتى المرحلة الأخطر والأهم وهى مرحلة التسويق، وهذه المرحلة هى مرحلة توصيل كل الجهد السابق إلى من كان من أجله هذا الجهد وهو القارئ، لذلك مرحلة التسويق هى أخطر مراحل صناعة الكتاب، فالقيمة الحقيقية للنشر هى توصيل الرسالة المراد توصيلها من الكتاب، وجهات تسويق أى كتاب هما المكتبات والأشخاص، ولامتصاص كل ما يطرح فى الأسواق من كتب هناك جهتان لا ثالث لهما، ولكن المفارقة أن المكتبات فى الدولة المتقدمة لا تمتص أكثر من عشر ما يطرح فى الأسواق فى حين يقوم الأشخاص بحوالى 90٪ من الإنتاج، وهذا على خلاف ما يحدث فى الدول النامية و من بينها مصر حيث لا يستهلك الأفراد من الكتاب سوى 10٪ فقط، وطبعاً المكتبات فيها وعلى الرغم من ميزانيتها الضعيفة إلا أنها تمتص معظم الإنتاج، ومشكلة الأفراد أعمق وأكثر تعقيداً نتيجة انتشار الأمية، فمثلاً فى مصر40٪ من المصريين أميون، ومن يفلت من الأمية لا يفلت من الضائقة الاقتصادية، فالعامل الاقتصادى عامل حاسم، ونحن لدينا ثلاثة أنواع من الكتب، أولها: كتب الثقافة العامة والكتب المدرسية والخارجية وكتب الجامعات، وطبعاً كتاب الثقافة العامة هو الذى يدفع ثمن كل الأزمات التى ذكرناها، وربما كان كتاب الطفل من بين كتب الثقافة العامة أفضل حالاً فى تسويقه من الكتب الأخرى. أما الدكتور حشمت قاسم المدرس بقسم الوثائق والمكتبات بكلية الآداب بجامعة القاهرة، يقول عن أزمة صناعة الكتاب والنشر: إن مشكلة النشر هى حلقات متداخلة بعضها يتسع و بعضها يضيق وبعضها يختنق، وكلما كان الكتاب متخصصاً ضاقت حلقته، لذلك جاء ما نطلق عليه مراجعات الكتب، ومراجعة الكتاب هى عبارة عن معالجة وصفية نقدية للكتاب بحيث تقدم للقارئ صورة مبسطة وواضحة عن الكتاب، ولكنها ليست تلخيصاً له، ولكنها يمكن ان تعفى القارئ من الاطلاع على الكتاب أو على الأقل فهى تبصره بمحتوى الكتاب حتى يعى مدى أهمية الكتاب، وقراءته بالنسبة له ولا يتصدى لهذا الأمر إلا النخبة من المتخصصين.