ما تنفسه الإعلام أيام الثورة وخلال فترة حكم العسكر من أكسجين الحرية.. انتهي.. وجاء عصر ثانى أكسيد الكربون. الفضائيات التى كانت قبل وصول الرئيس مرسى للحكم تنتقد وتهاجم طوال الليل والنهار، وتطرح سلبيات المرحلة، وتتزين بأعضاء من الأحزاب التى تنتمى للإسلام السياسى خاصة المنتمين للجماعة. الآن يتم سحب كمامة الأكسجين عنهم، ووضع أنابيب تحتوى على الثورة خلاص انتهت. كانت فترة وذهبت بلا رجعة. والدليل تلك الحرب المشتعلة ضد الإعلان، والفضائيات، وهناك إعلاميون حياتهم مهددة بشكل خطير، وأبرزهم لميس الحديدي، وعمرو أديب، ومحمود سعد، وخيرى رمضان، وريم ماجد، وابراهيم عيسي، وغيرهم. والكل متهم بتهم واحدة وهى تضليل الرأى العام.. رغم أن الإعلام، وكما قالت لميس الحديدى فى حلقة الأحد الماضى لا يصنع المشاكل، فالدولة هى التى تصنعها، فالفضائيات والصحف لم تصنع مشاكل السولار ولم ترفع الضرائب، ولم تعلن زيادة متوقعة لاسعار البنزين ورغيف العيش، ولم تسببت فى الانفلات الأمنى فهذه القنوات تنقل ما يحدث فى الشارع كما كانت تفعل خلال الثورة. وهنا مربط الفرس فكل أعضاء التيار الدينى يعلمون تماماً أن الثورة ماكان لها ان تكتمل برحيل مبارك ونظامه بدون الفضائيات فهذه الكاميرات هى التى كانت تنقل نبض الشارع لحظة بلحظة وكانت تستضيف كل رموز المعارضة، كل من أطلقوا على أنفسهم التحية السياسية وكل هذه الآراء، والمشاهد التى نقلتها الكاميرات خلقت جواً مؤيداً حتى من الذين التزموا منازلهم خلال الثورة، وما بعدها. خطورة الاعلام هى التى جعلت هناك حالة من الرعب من أعضاء تيار الإسلام السياسي. خشية أن تنسحب السجادة من تحت اقدامهم، والتى بدأت بالفعل تنسحب بدليل الرفض العام للشعب المصرى لما يحدث فى الشارع من تبادل للضرب بين المصريين، وهذا المشهد المسئول عنه الدولة. لأنها المعنية بحفظ الأمن. هذه المشاهد التى تنقلها الكاميرات أصبحت أول أسباب الرفض العام.. إذاً النهاية دائما تبدأ من الفضائيات. الشىء الذى يدعو للدهشة تلك الاتهامات التى توجه للاعلاميين فلميس الحديدى متهمة الآن بإنها كانت ضمن حملة جمال مبارك الاعلامية. رغم أن نفس الشخصية ظهر معها اقطاب الاخوان والمعارضة خلال الثورة، وما بعدها. وبالمناسبة الذين كانوا يرون أن رجال مبارك رموز لا يجوز أن تطرح الجماعة منافسين لهم فى الانتخابات البرلمانية التى كانت خلال عهد الرئيس السابق. أما وائل الإبراشى فهو متهم باستضافة رجل أعمال هارب من الضرائب.. رغم أن الرئيس مرسى نفسه طلب منه الظهور معه فى برنامجه خلال فترة الصمت الانتخابى الرئاسى للدفاع عن نفسه عما تردد من أصابته بمرض خطير، وكان اللقاء حسب كلام وائل نفسه فى ميريديان الهرم. محمود سعد تلاحقه اتهامات رغم أنه كان يدعم مرسى فى الانتخابات بشكل علني، وهو ما لا يتناسب مع المهنية الإعلامية. إبراهيم عيسى والذى أطلقوا عليه «الشوال أبو حملات» فكان على رأس القائمة السوداء خلال عصر مبارك، وكاد يسجن أكثر من مرة. أما عمرو أديب فجلس فى منزله شهوراً طويلة بسبب انتقاده لمبارك ورموزه وأبنائه فى 2010. كل هذا يعنى أن هناك شيئاً خطأ. وأن جماعة تيار الإسلام السياسى تتمتع بذاكرة ضعيفة للغاية. أو أن حالة الرهبة والخوف من الاعلام جعلتهم يتنافسون. أو أنهم تذكروا فقط أن الشحن الإعلامى، والصورة التى كانت تبث للعالم كله هى التى أسقطت مبارك. لذلك يخشون أن يتكرر الأمر. رغم أن الأغلبية المثقفة لا تريد سقوط النظام الحالى لان معنى هذا أن الفوضى سوف تتحكم فى البلاد لسنوات طويلة.. لكن مع هذه المعالجة التى يقوم بها مرسى ورجاله، فالخطورة ليست على الاعلاميين لكن على نظامه نفسه. لانه من الممكن على حد قول لميس أن يسحب الفيشة أى يغلق القنوات، وكذلك الصحف. لكن الصدى العالمى لهذا الامر ليس فى صالح الدولة.