ذكرى عادل القاضى لا يمكن أن تتحول إلى كلمات رثاء وسرادق عزاء فقط، لا يمكن للكاتب الكبير أن نختزله فى عبارات إشادة وعبرات بكاء، فالقاضى الذى ملأ الدنيا حباً وعملاً وإخلاصاً وجدية، والذى ترك بريق الشهرة وجرب مرارة المنفى، لا يمكن أن تمر ذكراه دون بصمة، ودون أن يكون حاضراً بيننا، وحضوره لابد أن يكون عبر مدرسته التى أخرجت لنا فطاحل فى الصحافة المحترمة التى صارت الآن ضمير المهنة، والتى يفتخر كتبها بأنهم تلاميذ القاضى، والتى صار لها محبون وعشاق ودروايش أيضا، لابد أن تتناسب الذكرى مع قامة القاضى. أستاذنا القاضى حفر وصنع ومهّد طريق الصحافة المحترمة، ونحت طريقاً خاصاً، وكان صحفياً متفرداً، لهذا لابد أن تقام مسابقة توزع جوائزها فى ذكراه كل سنة للضمير الصحفى، أفضل صحفى وأفضل موضوع، ومن الممكن أن تتسع الدائرة بعد ذلك لتضم أفضل مدرسة صحفية وأفضل رئيس تحرير... إلخ، فقد وهب القاضى قلمه وسخر مهنته لنوع خاص جداً من الصحافة، كانت الصحافة المحترمة الجادة تصنف على أنها عملة نادرة بل منعدمة من الوجود فى كثير من الأحيان، رغم أننى أعترف بأن الضمير الصحفى كان غائب لسنوات طويلة، يرى الكثيرين أن القمع والقهر والفساد هم السبب وراء ذلك، وكأن الضمير يحتاج الحرية كى يعبر عن نفسه، وأثبت القاضى أنه يكتب بهذا الضمير الصحفى المثالى رغم تحدياته بل درساً لعقل الصحفى، وتغيير فكره، ورغم أن هذا النوع من الصحافة هو أصعب درجات المهنة، لكن أيضاً أثبتت مدرسة القاضى وجاديتها المحترمة أن هناك فرقاً بين الصحافة والتلت ورقات، إن الصحافة المحترمة مهنة صعبة لا يجيدها إلا الشرفاء. أتمنى من عادل صبرى، الصديق الوفى والصحفى الشريف أيضا، أن يشرف على تلك الجائزة، وكثير منا نحن الذين تعلمنا من مدرسة القاضى الخاصة على استعداد لمساندته، لأن هذه الجائزة ليست تكريماً للقاضى، فهو أكبر من التكريم، ولا من باب التذكره، لأنه محفور فى القلوب، ولكنها حفاظ على تلك المكانة التى وصلت إليها الصحافة المحترمة، وتخليصها من أنصاف الموهبين وأصحاب السبابيب التى خلطت ما بين الفهلوة والصحافة فى كثير من الأحيان. مدرسة القاضى فى احترامها، سواء الصحفية أو الإنسانية، مدرسة جادة وخاصة فى الوقت نفسه، أما مهنيتها فى التعليم أوعلى الصياغة الصحفية والإمساك بالقلم، فهى العبقرية نفسها!، كان طريق عادل القاضى طريق صعب، لكن هو الصح والأصح.. رحم الله عادل القاضى بقدر ما علمنا وساعدنا فى معرفة بداية الطريق وأسعد قلوبنا.