إن ما شهدته الثورة المجيدة التي تحققت في 25 يناير من ذوبان النسيج المصري وتوحد قطبيه ساعد علي ولادة جنين الأمل واحتضانه واكتمال نجاحه ونموه فكانت ثورة الحق التي ولدت في محيط عالم يتغير وشهد بها العالم كله وأشاد بها ووصفت كأعظم ثورات العصر الحديث لتناسق وتناغم كل عناصرها وانصهار كافة طبقات وفئات الأمة في بوتقة واحدة فكان المسلم والمسيحي والغني والفقير والمثقف والأمي والعالم بجانب العامل الكادح وكانت كل الاعمار ممثلة سواء شيوخاً ونساء وشباباً وأطفالاً. لقد رأينا أمام أعيننا ما يجري علي الساحة المصرية وما يدور فيها من تغيرات وتغير نظرة ومفهوم المواطن المصري لبلده وانتمائه لها وفرحته بها وهي تنزع ثوبها الأسود الذي ارتدته طويلاً ولمدة »3« عقود فكان احساس الفخر والتفاخر بالمصرية وظهر ذلك جلياً خارج مصر وخاصة للمغتربين المصريين وتفاعلهم وبكائهم وفرحتهم وهم ينظرون بدهشة الي ما جري وشاهدوا بأعينهم سقوط امبراطوريات وعصابات الفساد في النظام المخلوع وهو يسقط ويهوي في مشاهد لا يصدقها عقل. إن ما صنعه النظام المخلوع في مصر وفي المجتمع المصري علي مدي العقود الماضية أن قسم مصر الي طبقتين وشريحتين لا ثالثة لهما فكانت هناك طبقة وهم القلة التي ملكت كل شيء وحلقت عالياً وبعيداً عن السواد الأعظم من الطبقة الأخري التي استقرت في القاع وكانت النتيجة هذا التفاوت الرهيب في توزيع الثروة وحصول أشخاص علي ثروات طائلة لا يستحقونها جاءت بلا جهد أو عمل أو كفاح ولكن جاءت من فساد وسلطة ومضاربات علي ثروات وأراضي وأموال الوطن بينما بقي الملايين في القاع ينتظرون الفتات من مخلفات الأثرياء ويلتفتون حولهم وهم يتساءلون: ماذا تبقي لنا في هذا البلد؟ هذا ما جري لمصر!!! وهذا ما سبب غياب الهوية واليأس والاحباط والكفر بالبلد بعد أن ابتعد الانتماء وسادت الانانية فكانت الثورة وكانت الغضبة علي من استحلوا كل شيء وأصبح الوطن بنظرهم منتجعاً أو صفقات لا يفهم لغتها الا الكبار ممن يتمتعون بجنسيات أخري بجانب أنهم مصريون. ان تراكمات الفساد ونتائجه الخطيرة من تفاوت بين الطبقات أدي الي انتشار الحقد والغل والكرة وظهور افرازات من جرائم بشعة وسرقة وحرق ونهب وبلطجة والتنفيس بعد الغياب الأمني باستخدام العنف لتعويض قهر وكبت السنين والانتقام من الطبقات المرفهة حتي وان كانت حصلت علي أموالها بصورة شريفة أو بطريق الحلال. وهنا الخطورة مكمن الخطر وهو غياب الاعتدال وسيادة روح التطرف وتصفية الحسابات وتنصيب داخل كل مواطن روح المحاكمة وتنفيذ الحكم في الآخرين. فضلاً عن ظهور التيارات السلفية واستعراضها الإعلامي وليس معظمهم متشددين فمنهم سلفيون معتدلون ووسطيون ولكن الخشية ممن يتشددون ويفرطون في آرائهم. ان الحرية والديمقراطية التي كانت من نتائج الثورة ودماء الشهداء هي الحرية التي يجب ان نتعامل معها كما يجب ان تكون ونتعامل معها بمسئولية ونمارس الديمقراطية من خلالها،والحق في احترام حرية الآخرين وان تقف حريتنا عند حدود حرية الآخرين وهي أبسط معاني الحريات الإنسانية سواء حريات سياسية أو دينية أو حتي حرية التصرفات والأشكال الشخصية. ان الاعتدال والوسطية في كل شيء هو ما يجب ان ننادي به ونعمل علي ترسيخه داخل مجتمعنا وهذا دور رجال الدين والنخبة والسياسيين وصفوة المجتمع المثقف وأجهزة الإعلام سواء المسموعة أو المرئية أو المقروءة. إنني أخشي علي مصر الثورة وعلي ما تحقق ان يهدر ويضيع كل شئ عندما يغيب الاعتدال وتضيع الوسطية خاصة اننا نعاني من غياب أمني كامل وكذلك غياب القائمين علي تنفيذ القانون وإعماله ومحاسبة المخطئ وعقاب المجرم وغياب مبدأ الثواب والعقاب نتمني ونرجو من الله ان تعود الشرطة المصرية الوطنية كما كانت وتضطلع بكل مسئولياتها. هذه دعوة الي إحكام العقل وترسيخ الوسطية والاعتدال حتي تحقق الثورة كل أهدافها ونصل بمصر الي بر الأمان.