لم تكن زيارة وزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» إلي القاهرة خلال الأسبوع الماضي، زيارة عادية لأي وزير «أمريكاني» للمنطقة خاصة في بلدنا العزيز مصر، لأن الوزير المذكور مسئول سياسي كبير، ومقاتل قديم في سلاح البحرية الأمريكية منذ حرب فيتنام، كما عمل حاكماً لإحدي الولاياتالأمريكية، كما كان عضوا بمجلس الشيوخ خلال الثمانينيات والتسعينيات، ورئيساً للجنة الشئون الدولية، ومرشحا سابقاً للرئاسة الأمريكية منافساً لجورج بوش الابن، لهذا كانت زيارة الثعلب الأمريكي العجوز والوزير في إدارة أوباما، زيارة غير عادية! ولأنه لا يخفي علي كثير من المصريين تاريخ الرجل، فلم ينخدعوا بتصريحاته أثناء الزيارة بأنه أتي إلي مصر كصديق قديم، كما كشفت تصريحاته التي أطلقها عقب لقائه بالرئاسة «أنه اطمأن علي المسار الديمقراطي الذي ينتهجه الرئيس مرسي.. وعلي حيادية القوات المسلحة»، مؤكداً علي اهتمام بلاده بالأوضاع الاقتصادية التي تمر بها مصر، وما أوصي به بعض ممثلي التيارات المعارضة المختارة.. أوصاهم ونصحهم بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية.. كما نصح الرئاسة بحكومة توافقية، ولعل أقوي كلمات كانت مفردات كلمة الإعلامية والناشطة جميلة إسماعيل، والمقاتل محمد أبوحامد النائب السابق بمجلس الشعب.. علي غيرهما من الحضور الذين كانوا مولعين بالموسيقي التي عزفها الوزير العجوز.. أو يخطبون ود بلاده! وإذا كان الوزير المخضرم لم يعبر بكلمة واحدة عن رؤيته لما يجري في البلاد من الثورة الشعبية الحقيقية الملتهبة في كافة محافظات مصر.. ومن التيارات الثورية، كما لم يعبر عن مسبباتها ولا عن الخطايا والموبقات التي ارتكبها النظام، منذ الصراع علي الانتخابات الرئاسية وتزوير الانتخابات، وخطة السيطرة علي البرلمان ومفاصل الدولة والاعتداء علي القضاء.. ومحاصرة المحكمة الدستورية العليا، وإعداد الدستور وفرضه علي الشعب بالقوة بأقلية غير مسبوقة.. والعودة إلي فرض قانون الانتخابات.. وتفصيل الدوائر الانتخابية لصالح النظام، والدعوة إلي حوارات صورية.. ثم التنصل من نتائجها، ومحاولة الانتقام والسيطرة والإقصاء في صورة لم تشهدها مصر من قبل، كل ذلك لم يعبر عنه الوزير العجوز بكلمة واحدة فقط.. اكتفي بالإشارة إلي «أنه اطمأن علي المسار الديمقراطي وأن بلاده لا تتدخل في حل تلك المشاكل لأنها شأن داخلي، وأن شعب مصر رغم عجزه عن حلها.. فإنه يرفض التدخل والمساعدة، وأن مصر ليست حليفة.. ولا عدوة»، لكن المؤكد أن الوزير المخضرم سوف ينقل كل ما شاهده في البلاد إلي إدارة أوباما وإلي كل من يعنيه الأمر في الولاياتالمتحدةالأمريكية عن سقوط شعبية النظام وسخط الأغلبية الكاسحة علي إدارة البلاد وعما يجري فيها. ولهذا فلقد كشف هذا اللقاء المستور عن العلاقة الخفية بين إدارة أوباما والنظام.. خاصة أن الإدارة الأمريكية تزهو وتفاخر بأنها لم تدرج جماعة الإخوان المسلمين مع الجماعات الإسلامية وجماعة الجهاد من بين الجماعات الإرهابية، وهو أمر يعترف به قيادات الإخوان أنفسهم ولا ينكرون لهم هذا الفضل، بل إن بعض قيادات جماعة الإخوان تعترف بأنها قد تلقت تعليماً وتدريباً في الولاياتالمتحدةالأمريكية.. وإنهم يرتبطون معها معنوياً وثقافياً، وقد اعترف أحد قياداتهم في واشنطن بقوله «لقد تربي مرسي في كنفكم وثقافته وعلمه أمريكي ويدين لكم بالفضل في تعليمه»! وفي تصريح للسيد عصام العريان قال: «اضمنوا لنا الاستمرار في الحكم نضمن لكم أمن إسرائيل..»، كما صرح القيادي الإخواني خيرت الشاطر في واشنطن بأن الجماعة ملتزمة بالاتفاقيات الدولية، وأن حماية إسرائيل ضمن تلك الالتزامات.. وما أعلن عنه شهود عيان وخبراء أنه قد تم ترتيب لقاءات بين الجماعة وإدارة أوباما أثناء الانتخابات الرئاسية.. بل الأخطر من ذلك الاستجواب المدوي الذي فجّره عضو الكونجرس «فرانك وولف» الذي تقدم بمذكرة قانونية مدعّمة بالمستندات للكونجرس، يطلب فيها مساءلة أوباما والتحقيق معه ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، بشأن دعم جماعة الإخوان بمبلغ خمسين مليون دولار في الانتخابات الرئاسية، فضلاً عن عاصفة الأسئلة أمام الكونجرس الأمريكي ومحورها الأساسي هو السر في دعم الإدارة الأمريكية للتيار الإسلامي السياسي الحاكم في مصر، رغم استمرار إطلاق بعض قيادات التيار التصريحات العدائية ضد تل أبيب، وفي ذات السياق أكد «ميت رومني» المرشح الجمهوري السابق في انتخابات الرئاسة الأمريكية أمام أوباما نفس المعلومات.. وهكذا انكشف المستور في زيارة الوزير عندما اطمأن علي المسار الديمقراطي في مصر.. وأن المصريين عليهم أن يحلوا مشاكلهم.. وأنه يدعو المعارضة للمشاركة في الانتخابات! ويكشف اللقاء كذلك عن السر في ذلك الدعم، وعن تلك الصفقات الخفية والظاهرة بين إدارة أوباما.. والنظام الحاكم في البلاد.. وعن موقفهم من حماس.. وأمن إسرائيل.. والقنبلة النووية الإيرانية.. وعن رسم السياسة الأمريكية في المنطقة عن طريق النظام الإخواني في مصر باعتبارها مفتاح المنطقة وأكبر مؤثر فيها، خاصة أن الوزير المخضرم قد أجاب في مؤتمره الصحفي بأن الولاياتالمتحدة تضع أمن إسرائيل في مقدمة أولوياتها وأن المساعدات الأمريكية تأتي في إطار حرص أمريكا علي مصالحها في مصر، فكانت المساعدة محدودة.. والتصريحات توافقية.. ولن تحل الأزمة المصرية.. الأمر الذي يلقي ظلالاً كثيفة علي المستقبل قد تكون بشيراً بسيناريو جديد في الطريق. المهم أن زيارة الوزير الأمريكي كشفت المستور للشعب المصري عن العلاقة المشبوهة، بين إدارة الإخوان في البلاد.. وإدارة أوباما التي تحرص علي استرضائها.. لضمان استمرارهم في الحكم مقابل ضمان «أمن إسرائيل»، والتزاماً بتحقيق المصالح الأمريكية في المنطقة والعلاقة الإيرانية.. وما يستجد.. وهو ما يسفر عن أن نظام الحكم في البلاد لا يعنيه ما يجري في الشارع المصري.. ولا ما تعبر عنه الإدارة الشعبية من غضب مهما بلغ، أو معارضة مهما كانت موضوعية، وكل ما يعني النظام استرضاء الإدارة الأمريكية.. ضماناً لاستمرارهم في الحكم.. مقابل تحقيق التزاماتهم في المنطقة.. ولسوف ينكشف الغطاء الخادع في القريب العاجل عندما يختلف الفريقان ويرفع الأمريكان أيديهم عن الحماية في أول الطريق بسبب سقوط شعبية النظام، والفشل في إدارة شئون البلاد بعد أن سقطت السيطرة علي البلاد.. وفشل الرهان!