تلقيت في بريدي الالكتروني الرسالة التالية من شاب مصري يدعى وائل راشد يعمل في الصين منذ 10 سنوات يحكي فيها تجربته وبعض ملامح المعجزة الصينية، وبدوري انشر الرسالة عسى أن تكون مفيدة للآخرين.. بعد التحية والسلام: نشأت في أسرة متوسطة لأب يعمل موظفاً باحدى شركات القطاع العام وأم تعمل مدرسة في مدينة الاسكندرية وكانت عائلتي من العائلات التي تجد فيها كل الأطياف السياسية وتعلمت منهم جميعاً مبادئ السياسة وكانت المناقشات حادة احياناً ومتوافقة احياناً أخرى وبدأت حياتي المدرسية في مدارس تحمل مناسبات وطنية أو شخصيات وطنية.. الثبات.. الشهيد على صالح.. فهمي عبد المجيد.. شدوان.. الى أن تخرجت في كلية الزراعة - جامعة الاسكندرية. عملت في مصر لمدة 20 عاما ولكن للأسف كانت الأوضاع تسير من سيئ الى أسوأ حتى سافرت الى الصين في عام 2003 حارقاً خلفي كل السفن التي يمكن أن تعيدني الى الوطن وفي جيبي 200 جنيه فقط لا غير وواجهت ثلاثة مصاعب: 1- اللغة فلا أعرف اللغة الصينية نعم أعرف الانجليزية والفرنسية ولكن عندما وصلت هناك أدركت أنهما بلا قيمة حقيقية وتعاملت هناك بمبدأ اقذف نفسك في البحر وتعلم السباحة، واكتشفت ان المدينة التي أعيش فيها بها 3 لغات مختلفة وأنني أتكلم لغة مشتركة بين الثلاث. 2- العمل فقد كنت في مصر ممن يعدون من محترفي الكمبيوتر ولكنني وجدت أننا متخلفون بالنسبة للوضع الصيني.. وأعترف أنني تعلمت منهم بضعة تطبيقات لم أتعلمها في مصر. 3- المستقبل.. ماذا أفعل هنا؟ فأنا طوال عمري أمتلك العمل الخاص بي ولم أعتد العمل كموظف وفي الصين بدأت عملي الخاص بي وخلال 10 سنوات تقريباً ذهبت الى معظم مدن الصين المهمة وفي احدى المرات دخلت مطعما لتناول العشاء فسألتني المضيفة عن بلدي، فقلت لها مصر فأتت بحامل أعلام ووضعت فيه العلمين المصري والصيني.. ثم توقف عزف الموسيقى وعزفت السلام الجمهوري المصري. في الصين.. ركبت جميع وسائل المواصلات من أول الدراجة التي يقودها شخص الى موتوسيكل - توك توك - قطار - حافلات - طائرات - وتقريباً سافرت على أغلب الطرق السريعة الصينية وشاهدتها من الأعلى ومن الأسفل، دخلت حواري اضيق من الحواري المصرية ولكنها تتميز بالنظافة الشديدة ونظراً لشغفي بالوضع الصيني منذ المدرسة الثانوية، فقد كنت أتساءل كثيراً: كيف بدأت الصين ومتى بدأت هذه النهضة الكبيرة وخصوصاً ان المصريين الذين كنت أقابلهم هناك، قالوا إنهم يأتون الى الصين منذ 97، وأنه لم يكن هناك تاكسي في هذه المدينة ولم تكن هناك ناطحات سحاب «الصين فيها 7 ناطحات سحاب من أعلى 10 ناطحات سحاب في العالم، وهناك مبنى يقومون ببنائه الآن سوف ينتهي في 2016 سيكون الأعلى في العالم». لقد بدأت الصين نهضتها منذ عام 1980 وبعد أن كانت دولة من دول العالم الثالث تحولت الى غول اقتصادي، وفي البداية اعترفت الصين بأنها متخلفة وصارحت نفسها وشعبها بكل شىء وهم 20٪ من سكان العالم، ونظرت الى مشكلتها الرئيسية أين؟ وبداية اعتمدت الصين على استيراد المديرين من هونج كونج حيث إنهم تربوا على النظام الانجليزي، فأنشأت مدينة جديدة على حدود هونج كونج وكانت هذه المدينة هى قاطرة التنمية في الصين، وأتت بالعمال من جميع المدن الصينية ولكن بجودة معينة وتقدمت من رقم.. الى رقم 2 على مستوى العالم بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية وتخطط للوصول الى رقم 1 عام 2025 وفي عام 2003 ركبت حافلات مقاعدها من الخشب واليوم حافلات الصين في المدن الكبرى مكيفة الهواء وتتسع للجالسين 30 مقعداً، ويعتمد اقتصاد الصين الآن على التصدير بنسبة كبيرة ومن يقوم بالتصدير تدعمه الدولة بخصومات من الضرائب تصل الى 25٪ في بعض الأحيان وكانت تقوم بدعم الشركات بقيمة 1 يوان لكل دولار يدخل الى الصين التي تصدر 35٪ من صادراتها الى الولاياتالمتحدةالامريكية و28٪ الى اوروبا أما مصر والدول العربية وافريقيا 4٪. وبالنسبة للجودة، فالمستوردون المصريون يعطون فكرة للصينيين ان المصريين فقراء ونحن شعب فقير ولا نريد ترف الجودة الاوروبية وطبعاً في الصين هو لا يخبرك عن الجودة التي يملكها بل يسألك عن الجودة التي تريدها أنت «كله حسب رغبات الزبون» ولا يقومون بانتاج ثم يتركونه لمن يسأل عنه، بل يقومون بالانتاج طلبية بطلبية وبالتالي فلا يوجد عندهم هدر كبير في المواد الخام وطبعاً اخواننا المصريون لا يتركون هذا دون ان يعملوا الفهلوة المصرية فيذهبون كل عام في آخر السنة الصينية ويسألون عن «الاستوكات» التي تركها العملاء الآخرون وفي بعض الأحيان اذا لم يكن هناك استوك «يخترعوه». نصيحتي للمصريين الذين يريدون أن يستلهموا نموذج الصين في العمل كما عشتها أننا يجب أن نعترف أولاً أن مصر دولة متخلفة وعندها نبدأ العلاج أما موضوع أن مصر أم الدنيا وعظيمة يا مصر والأغاني التي ننتجها بمعدل اغنية كل فيمتوثانية فيجب التوقف عنها تماما في هذه المرحلة ونتفرغ لكيفية وضع أولى خطوات البداية لأن أول خطوة هى أصعب خطوة.. كما يجب التركيز على العمل في مشروعات متكاملة حتى يمكن تسويق كل المنتجات وأن يكون شعارنا الجودة أولاً.