كنت واحدا من ملايين انتخبوا الدكتور محمد مرسي رئيسا للمحروسة اقتناعا مني بأنه من خندق الثورة. رفضت بشدة محاولات نفر من أصدقاء وزملاء المهنة جذبي إلى خندق أحمد شفيق الذي اعتبرته مرشح الثورة المضادة. وأمضيت الأشهر الماضية منذ فوزه مدافعا عن توجهاته ووجوده في هذا الموقع الرفيع رغم أنني لا أنتمي سياسيا أو فكريا لجماعة "الإخوان المسلمين "، فانتمائي الأصيل لثورة يوليو 1952 وإن كنت لم أرتبط تنظيما بأي حزب أو قوى أعلنت تبنيها لهذه الثورة وما أكثرها دون أن تحدث مقاربات حقيقية في اتجاه يعيد الاعتبار للثورة وزعيمها ناصر في الشارع السياسي وإنما اختزلت حركتها في خلافات وتناقضات حول زعامة الحزب وتمثيله لدى السلطة القائمة وهو ما أجهض فعالية الحركة الناصرية وقلل من تأثيرها على الناس التي ظلت تظهر الاحترام لناصر وهو ما تجلى بقوة في ميدان التحرير خلال ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 وما بعدها. ظللت أتتبع أداء الدكتور مرسي راضيا عن أغلبه ودافعت عن توجهاته لإعادة تفعيل محورية دور المحروسة عربيا وإفريقيا وإسلاميا بل ودوليا وإن عتبت عليه غياب التفكير بجدية وعلى نحو مكثف في تطبيق العدالة الاجتماعية والإقدام على خطوات سريعة لإنهاء مكابدات البشر في الحصول على الاحتياجات اليومية والتي شهدت تفاقما في الأشهر الأخيرة وإن كنت لا أدفع ببراءة عناصر تنتمي للنظام السابق والتي ما زالت تقبض على بعض المفاصل المهمة التي تتعلق بحياة الناس اليومية ولكن مع ذلك غابت عن رؤية ومنظور حكومة الدكتور هشام قنديل الأبعاد الاجتماعية وبدا واضحا توجهها لإعادة بعض سياسات النظام الراحل خاصة على صعيد الاقتراض من الخارج وبالذات من صندوق النقد الدولي والسعي إلى إعادة النظر في الدعم الذي تقدمه الدولة لبعض المنتجات على نحو ينطوي على تأثيرات شديدة الوطء على الفقراء في المحروسة الذين لم تنخفض أعدادهم بعد ثورة يناير بل تزايدت بصورة مخيفة في ظل انتشار حالة من الانفلات الأمني وهيمنة العناصر الخارجة عن القانون على الشارع بالذات في المناطق البعيدة والطرق الصحراوية فضلا عن التوجه لفرض ضرائب جديدة معيدة للأذهان صورة حكومات مبارك التي كانت تركز على الجباية وتنأى بنفسها عن الإنتاج وتعظيم الإنتاجية. ومع ذلك كنت أقول لنفسي: علينا أن نصبر على الرئيس وحكومته. فثمة مرحلة انتقالية ضرورية وما زالت عملية ترتيب الأوراق مطلوبة في ظل ضغوطات من الداخل ومن الخارج. كنت أقول أيضا إن المسألة تتطلب متسعا من الوقت وكنت أرفض من خلال قراءة واقعية ما يتردد عما يسمى بأخونة الدولة سواء عبر مقالات أكتبها أو برامج أشارك فيها بالتليفزيون الرسمي وغيره من القنوات الفضائية المحلية. غير أن القرارات التي أصدرها الرئيس مرسي مساء الخميس الماضي ضمن الإعلان الدستوري جعلتني أوقف موجة التفاؤل التي تسكنني منذ فوزه في انتخابات الرئاسة وحتى أكون منصفا فإنني نظرت بإيجابية إلى بعضها خاصة ما يتعلق بتعيين نائب عام جديد وإعادة النظر في المحاكمات الخاصة بقتل الثوار وتعويض أسر شهداء ومصابي ثورة يناير، بيد أن تأكيده على تحصين قراراته خلال الفترة التي تسبق إصدار الدستور الجديد والتي قد تمتد إلى ثلاثة أشهر ورفضه التعقيب عليها من أي جهة قضائية فضلا عن تحصين مجلس الشورى واللجنة التأسيسية للدستور ضد أي قرارات بالحل وغير ذلك من إجراءات اعتبرت نوعا من احتكار السلطة ومحاولة لإعادة إنتاج استبداد رأس النظام لم أستسغه أو أتقبله. حاولت تقليب الأمر على مدى الأيام الثلاثة التي أعقبت صدور هذه القرارات وبحثت عن ثغرة لأنفذ منها إلى خندق الموافقة على الإجراءات الاحترازية للرئيس. لكني لم أنجح في ذلك. هالني هذا الرفض شديد الاتساع لقرارات الرئيس من القوى السياسية المتعددة والمتنوعة من اليمين إلى الوسط إلى اليسار. ومن فقهاء القانون الدستوري ومن خبراء إستراتيجيين متخصصين في شؤون المحروسة وكثير منهم مستقل إلى جانب اعتراضات دوائر خارجية عرفت بتأييدها لثورة يناير وتوجهاتها السلمية وسعيها لبناء نسق ديمقراطي في مصر يقوم على التعددية والفصل بين السلطات. تساءلت: هل كل هؤلاء أخطأوا وأصاب مرسي وحده؟ بالطبع لا. ثمة حلقة مفقودة في المسألة؟ وتساءلت مرة أخرى من هؤلاء الذين اقترحوا على الرئيس مثل هذه الإجراءات ولماذا أقدم عليها دون تشاور مع القوى التي ساندته في معركته مع شفيق والقوى التي تنتمي إلى خندق الثورة لماذا فاجأ الجميع؟ وما هي الرسالة التي شاء أن يبعث بها من خلال إصدار هذه القرارات في هذا التوقيت وعلى هذا النحو من الإجراءات التي تكرس سلطته وتظهره من أكثر رؤساء مصر خلال الستين عاما امتلاكا لهذا القدر من الصلاحيات المطلقة التي يخشى منها المرء على مجمل قراراته في الفترة القادمة. ثمة مستشارون خطرون حول الرئيس، فهو طرح عليهم رؤيته لحماية الثورة فاقترحوا له حزمة من الإجراءات التي من شأنها أن تفجر النخبة السياسية بل وتدفع البلاد والعباد إلى نوع من الاحتقان، وقد شهدنا بعضا منه عندما تعرضت مقار جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة للحرق من قبل عناصر مناوئة لقرارات الرئيس في بعض المدن المصرية وباتت القوى المدنية بتجلياتها المختلفة في مواجهة مع القوى الإسلامية بتنويعاتها الإخوانية والسلفية، وهو ما كان واضحا في ميدان التحرير وغيره من الميادين في مدن ومحافظات المحروسة. فلماذا لم يفكر هؤلاء المستشارون في مثل هذه النتائج التي تعرض الأمن الداخلي للمحروسة للخطر؟ إن التشظي والانقسام والتفكك سمات سادت علاقات النخب السياسية المصرية طوال الفترة التي أعقبت نجاح ثورة يناير وكان المأمول أن يدفع الرئيس مرسي في اتجاه إعادة توحدها أو على الأقل توافقها. وللإنصاف هو حاول مرارا ولكن مواقف بعض هذه النخب اتسمت بنوع من التشدد إزاء جماعة "الإخوان المسلمين "، ووضعت مرسي في نفس خانة الجماعة، وهو أمر كنت أرفضه شخصيا رغم أن هناك بعض المؤشرات على وجود امتزاج بين مرسي والجماعة رغم تأكيده وحرصه على أن يقدم نفسه رئيسا لكل المصريين. غير أن القرارات الأخيرة لم تصب في هذا المنحى بل وسعت من دائرة الخلافات والتناقضات وانقسم الشارع المصري بين تيار إسلامي وتيارات أخرى وأظن أن المحروسة باتت أحوج ما تكون إلى التوافق حتى يمكنها أن تبني دستورا جديدا يعبر عن كل أطياف الحالة المصرية والإسراع منه في أقرب وقت لإنهاء حالة الارتباك في المشهد السياسي لمصر والرئيس مرسي بما يمتلكه من رؤية وطنية وحرصه على نجاح تجربته كأول رئيس مدني منتخب مطالب بأن يتراجع فورا عن هذه الإجراءات التي صورته في صورة الراغب في القبض على كل السلطات والذي ينزع لأن يكون الحاكم بأمره في المحروسة وأنا على يقين أنه لم يكن يقصد ذلك وهو ما أكده في خطابه أمام آلاف من المؤيدين ولكن ذلك لا يكفي، بل عليه أن يسارع في اتجاه لملمة الجراح التي اخترقت جسد المحروسة، بل قل روحها، فحماية الثورة تتطلب الإقدام على إجراءات بالتشاور مع قوى الوطن واحترام المحددات الديمقراطية التي جاءت به رئيسا عبر آلية الحوار مع الجميع، المؤيدين والمعارضين. السطر الأخير: لي صلواتي وطقوسي أعبر المسافات إليك أركض في اتجاه العشق المرسوم بعينيك فخذيني لحقول الحنطة في بلادك دثريني بخيمتك الخضراء اكتبيني قصيدة بفجرك البهي نقلا عن صحيفة الشرق القطرية