قال فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إن الإنصاف من القيم المفقودة في حياتنا المعاصرة اليوم، وأصبح عملة نادرة في معاملاتنا الحديثة، وأوشك أن يحال لمستودع الأخلاق القديمة التي ينظر لصاحبها اليوم من منظور الدهشة والاستغراب وكأنه قادم من القرون الوسطى، ويتعامل في الأسواق بعملة مضى عليها الزمن، وضمرتها الأعصر والدهور. وأوضح فضيلته خلال رسالته السابعة عشرة، ببرنامجه الرمضاني "الإمام الطيب"، أن الإنصاف هو العدل مع النفس ومع الغير، سواء وافقك هذا الغير أو خالفك، وهو في باب المعاملات يقتضي أن تعامل الناس بمثل ما تحب أن يعاملوك به، وأن تعطيهم حقوقهم بمثل ما تطالبهم به من إعطائك حقك، لافتًا إلى أن الإنصاف بهذا المعنى هو معيار عدل، بل هو قسطاس مستقيم يزن به المرء معاملاته مع الناس أخذًا وعطاءً في الجليل والحقير من أصناف هذه المعاملات. وأكد فضيلة الإمام الأكبر أن الإنصاف والعدل توأمان متلاصقان، فكلما وُجد الإنصاف وُجد العدل، وكلما انتفى انتفى العدل، موضحًا أن أعلى درجات الإنصاف وأعظمها أثرًا في دنيا الناس هي درجة الإنصاف من النفس، أي قدرة المرء على أن ينتصف لنفسه من نفسه، يخاصمها ويُخطئها ويعاتبها فيما أساءت فيه من قول أو عمل، مضيفًا أن من يعجز عن مواجهة نفسه والانتصاف منها؛ يعجز عن إنصاف الناس من باب أولى، ففاقد الشئ لا يعطيه، كما يقول الحكماء. وأشار فضيلة الإمام الأكبر إلى أن الإيمان بمبدأ المساواة بين الناس هو ما أرساه نبي الإسلام "صلى الله عليه وسلم" ورسخه في قوله الشريف: "الناس سواسية كأسنان المشط"، موضحًا أنه بسبب من غياب هذا الخلق العظيم انتشر في حياتنا المعاصرة هذا النوع من الذين يأخذون ولا يعطون، ويبصرون أخطاء الناس وعن أخطائهم غافلون، وحين يخطئون يجهدون أنفسهم في اختلاق المعاذير والعلل التي تبرر لهم أخطاءهم وجرائمهم، وظلمهم للعباد كبرًا وغطرسة، وهروبًا من وخذ الضمير وتأنيبه. وبيّن فضيلته أن الإنصاف مأمور به، وأن القرآن والحديث مملوآن نهيًا ووعيدًا للظالم، والظلم كما نعرف هو نقيض العدل، والعدل هو الإنصاف، موضحًا أن الإسلام دين الإنسانية، أمرنا بالإنصاف والعدل مع المسلم وغير المسلم، ومع الصديق والعدو سواء بسواء، يدلنا على ذلك قانون القرآن في قتال الأعداء المحاربين، وفيه أمر صريح بالتقيد بمبدأ العدالة في قتال الأعداء، وعدم تجاوزها إلى العدوان. قال تعالى:{وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}، وكذلك شهادات التاريخ التي يعلمها أعداء الإسلام قبل أنصاره، التي تؤكد أن الإسلام هو دين الإنسانية والرحمة.