يسأل الكثير من الناس هل هناك نعيم وعذاب فى القبر فأجاب الشيخ عطية صقر رحمه الله رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف فقال إن الكلام هنا فى ثلاث نقط ، الأولى فى ثبوته ، الثانية فى دوامه ، الثالثة فى كونه للروح والجسد أو للروح فقط . النقطة الأولى : نعيم القبر وعذابه ثابتان بأدلة كثيرة منها : 1 -روى البخاري ومسلم وأصحاب السنن أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "المسلم إذا سئل فى قبره فشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه " فذلك قول اللّه { يثبت اللَّه الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة} . وفى لفظ : نزلت فى عذاب القبر، يقال له : مَنْ ربك ؟ فيقول : اللَّه ربى ومحمد نبيى ، قذلك قول اللَّه { يثبت اللَّه الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة} إبراهيم : 27 ، . 2 -روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إن العبد اذا وضع فى قبره وتولى عنه أصحابه ، وإنه ليسمع قرع نعالهم ، أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له : ما كنت تقول فى هذا الرجل ؟ - لمحمد - فأما المؤمن فيقول : أشهد أنه عبد اللَّه ورسوله ، فيقولان : انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك اللّه به مقعدا من الجنة فيراهما جميعا ، وأما الكافر والمنافق فيقال له : ما كنت تقول فى هذا الرجل ؟ فيقول : لا أدرى، كنت أقول، ما يقول الناس ، فيقولان : لا دريت ولا تليت ، ويضرب بطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة فيسمعها من يليه غير الثقلين " وقوله : لا دريت ولا تليت ، دعاء عليه بألا يكون داريا ولا تاليا ، أو إخبار بحاله فإنه لم يكن قد علم بنفسه ولا سأل غيره من العلماء . 3-روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم مر بقبور ثم قال " إن هذه الأمة تبتلى فى قبورها ، فلولا ألا تدافنوا لدعوت اللَّه أن يسمعكم من عذاب القبر الذى أسمع منه " ثم قال " تعوذوا باللّه من عذاب القبر" . 4 - روى البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى فى المنام أن ملكين أخذا بيده ، ومرا به على أناس يعذبون فى قبورهم بصور مختلفة لارتكابهم الكبائر، وجاء فيه أن العذاب الذى ينزل بهم يستمر إلى يوم القيامة، يقول ابن القيم : وهذا نص فى عذاب البرزخ ، فإن رؤيا الأنبياء وحى مطابق لما فى نفس الأمر . 5 -وروى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى سعد بن معاذ " هذا الذى تحرك له العرش وفتحت له أبواب السماء ، وشهده سبعون ألفا من الملائكة، لقد ضُمَّ - هى ضمة القبر - ثم فرج عنه " . 6 - روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم مَرَّ بقبرين فقال " إنهما يعذبان وما يعذبان فى كبير، بلى إنه كبير، أما أحدهما فكان يمشى بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله " . 7 - يقول اللَّه تعالى " النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } غافر : 46 ، فالعرض يكون فى القبر قبل يوم القيامة . هذه بعض الأدلة القوية على ثبوت النعيم والعذاب فى القبر، فذلك ثابت بالسنة وظاهر الآية، وأهل السنة مجمعون عليه ، والإِجماع حجة عند أكثر الأصوليين ، وأنكره جماعة من المعتزلة، ومهما يكن من شىء فإن العقائد لا تثبت إلا بالنص القطعى فى ثبوته ودلالته ، والحديث الصحيح الذى دل على نعيم القبر وعذابه اعتبره بعض العلماء من قطعى الثبوت الذى يفيد العلم اليقينى ، واعتبره آخرون ظنى الثبوت الذى لا يفيد العلم اليقينى، ومن هنا كان الخلاف فى الحكم على من أنكر نعيم القبر- وعذابه ، هل هو كافر أو غير كافر . النقطة الثانية : جاء فى كتاب " مشارق الأنوار " للعدوى ( ص 36) . بعد أن ساق ، عدة نصوص - لا ترقى إلى درجة تؤخذ منها عقيدة قوله : فتحصَل مما سبق أن النعيم لا يكون إلا دائما ، وأما التعذيب فإما أن يكون دائما أيضا وهو عذاب الكفار وبعض العصاة ، ومنقطعا وهو لبعض العصاة ، ولذلك قال العلامة الدردير فى " خريدته " : العذاب قسمان إما دائم وهو للكفار وبعض العصاة ، أو منقطع وهو لبعض العصاة ممن خفت جرائمه ، وانقطاعه إما بسبب كصدقة أو دعاء ، أو بلا سبب أى بمجرد العفو . ثم قال فى صفحة 37 : ويرتفع العذاب عن سائر الخلق ليلة الجمعة ولو كفارا ثم يعود على الصحيح ، قال العلامة النفراوى : وقيل إنه بعد ارتفاعه عن المؤمن ليلة الجمعة لا يعود أبدا، قال : وحينئذ من مات قبل يوم الجمعة بيوم لا يكون عذابه إلا يوما، وبه قال بعضهم ، قال العدوى : وهو مردود بما أفاده الإمام السيوطى حيث قال فى " شفاء الصدور " إن عدم العود لا دليل عليه ، فلم يرد فى هذا حديث صحيح ولا حسن . ثم قال : وما قاله الإِمام السيوطى فهو فى غاية الظهور، لما تقدم لك من حديث البخارى ومسلم السابق فى الجريدتين بقوله " لعل اللَّه يخفف عنهما ما لم ييبسا" وفى رواية لأبى داود " يهون عليهما ما دام من بلواتهما شىء " فهذا القيد منه صلى الله عليه وسلم ظاهر فيما قاله السيوطى ولا يلتفت لغيره ، لا سيما فى مجالس الفجرة المتجاهرين بالفسق . النقطة الثالثة : قال ابن القيم : مذهب سلف الأمة وأئمتها أن الميت إذا مات يكون فى نعيم أو عذاب ، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه ، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة ، وأنها تتصل بالبدن أحيانا ، ويحصل لها معه النعيم أو العذاب ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى الأجساد ، وقاموا من قبورهم لرب العالمين . ومعاد الأبدان متفق عليه بين المسلمين واليهود والنصارى . قال الحافظ ابن حجر فى " الفتح " : وذهب أحمد بن حزم وابن هبيرة إلى ان السؤال يقع على الروح فقط من غير عود إلى الجسد، وخالفهم الجمهور فقالوا : تعاد الروح إلى الجسد أو بعضه كما ثبت فى الحديث ، ولو كان على الروح فقط لم يكن للبدن بذلك اختصاص ، ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تتفرق أجزاؤه ، لأن اللّه قادر أن يعيد الحياة إلى جزء من الجسد ويقع عليه السؤال ، كما هو قادر على أن يجمع أجزاءه . والحامل للقائلين بأن السؤال يقع على الروح فقط أن الميت قد يشاهد فى قبره حال المسألة لا أثر فيه ، من إقعاد ولا غيره ولا ضيق فى قبره ولا سعة، وكذلك غير المقبور كالمصلوب . وجوابهم أن ذلك غير ممتنع فى القدرة ، بل له نظير فى العادة وهو النائم ، فإنه يجد لذة وألما لا يدركه جليسه ، بل اليقظان قد يدرك ألما ولذة لما يسمعه أو يفكر فيه ولا يدرك ذلك جليسه . وإنما أتى الغلط من قياس الغائب على الشاهد ، وأحوال ما بعد الموت على ما قبله ، والظاهر أن اللَّه تعالى صرف أبصار العباد وأسماعهم عن مشاهدة ذلك وستر عليهم ، إبقاء عليهم لئلا يتدافنوا ، وليست للجوارح الدنيوية قدرة على إدراك أمور الملكوت إلا من شاء اللّه ، وقد ثبتت الأحاديث بما ذهب إليه الجمهور، كقوله " إنه ليسمع خفق نعالهم " وقوله " تختلف أضلاعه " لضمة القبر، وقوله " يسمع صوته إذا ضربه بالمطراق ؟ وقوله "يضرب بين أذنيه " وقوله " فيقعدانه " وكل ذلك من صفات الأجساد . وقال الدردير فى كتابه " الخريدة " : والتعذيب للروح مع البدن ولو لم يقبر، فالتعبير بالقبر جرى على الغالب ، إذ لا مانع من أن يخلق اللّه تعالى فى جميع الأجزاء أو بعضها نوعا من الحياة قدر ما يدرك ألم العذاب ولذة النعيم ، وهذا لا يستلزم أن يتحرك ويضطرب أو يرى أثر العذاب عليه ، حتى إن من أكلته السباع أو صلب فى الهواء يعذب وإن لم نطلع عل ذلك . ثم قال : ومن عذاب القبر ضغطته ، وهى التقاء حافتيه حتى تختلف أضلاع الميت ، وتختلف باختلاف العمل ، حتى إن الصالح تضمه ضمة الأم الشفوقة على ولدها .