أوصى الرئيس التونسى، الباجى قايد السبسى، بدفن جثمانه بمقابر الجلاز ليرقد بجوار والدته. وفتحت مقبرة الجلاز التاريخية فى تونس أمس صفحة جديدة من بين صفحات دفترها، حيث دفن الرئيس التونسى الراحل الباجى قايد السبسى، أول رئيس ينتخب ديمقراطيًّا فى تلك المقبرة، التى تدون للأجيال القادمة أحداثًا غير مسبوقة فى تاريخ البلاد، وريت فيها أجساد الثرى، لكنها ستظل محفورة فى الذاكرة. هذه المقبرة تحتوى جزءًا هامًّا من تاريخ تونس المقترن بالنضال الاستقلالى، على أحداث كانت مسرحها مقبرة الزلاج، وسميت حتى باسم هذا المكان، حيث شهدت هذه المقبرة مواجهات وصدامات مع المستعمر الفرنسى فيما عرف بأحداث الجلاز فى نوفمبر 1911. وعبّر تاريخ تونس القديم والمعاصر لم تكن مقبرة الجلاز، المطلة على العاصمة التونسية بمساحتها الفسيحة أعلى ربوة بارزة، مجرد مرقد لمن وافتهم المنية من التونسيين لأسباب شتى، بل هى مكان ذو تاريخ مشبع بالرمزية كتب بعضه فى الماضى، وما زال إلى اليوم يشهد تتمة سطور فيه لا يعلم أحد منتهاها. وتسمى هذه المقبرة، بمقبرة الجلاز أو "الزلاج" باللهجة العامية التونسية، وهى المقبرة الرئيسية فى مدينة تونس، وتقع على المدخل الجنوبى لها، ويؤدى إليها باب عليوة، وهى منطقة متاخمة للعاصمة التونسية تتسم بالحيوية لاحتوائها على المستشفى العسكرى بتونس بالإضافة إلى مرافق أخرى. وتمتاز مقبرة الجلاز بكبر مساحتها الدائرية التى يحفها سور أبيض يسمح برؤية انتشار القبور فيها على مد البصر حتى تعانق أعلى تلة بهذا المكان. ولهذه المقبرة قيمة تاريخية كبيرة، وكذلك روحية عند كل التونسيين، فهى مقبرة عريقة تعود إلى العهد الحفصى، وتنسب إلى الشيخ أبى عبدالله محمد بن عمر بن تاج الدين الزلاج، وهو أصيل قرية فوشانة القريبة من تونس والمتوفى عام 1205. وري الثرى بمقبرة الجلاز عدد كبير من أعلام تونس فى العهد المعاصر، لذلك ينظر إليها التونسيون كأحد دفاتر تاريخهم، حيث ترقد هناك أسماء محفورة فى الذاكرة الجمعية التونسية من أمثال على باش حانبة، عبدالعزيز الثعالبى، المنصف باى، أحمد التليلى والمنجى سليم والحبيب ثامر وعلى بن عياد ومحمود الماطرى والباهى الأدغم وإبراهيم المحواشى، وغيرهم من رموز الوطنية والعلم والنهضة الاجتماعية والبناء فى تونس إبان الاستعمار وبعد الاستقلال، وبالإضافة إلى مكانتها التاريخية التى حفظت هيبتها فى قلوب التونسيين، فإن هذا المكان لطالما حف بقيم روحانية فى وجدان التونسيين، حيث كانت لهذه المقبرة على الدوام ومنذ بدايتها مكانة دينية كبيرة.