تجربة ديمقراطية من نوع فريد تشهدها رومانيا الآن، هذا البلد الشيوعى الذى كانت له الريادة داخل دول اوروبا الشرقية بثورة التحرر من النظم الستالينية عام 1989، وذلك بخروج الشعب أمس للإدلاء بأصواتهم فى استفتاء حاسم حول اقالة الرئيس اليميني "ترايان باشيسكو". استجابة لمطلب الاغلبية اليسارية بالبلاد والتى تحن بقوة للعهد الشيوعى القديم ، عسى ان يحسم هذه الاستفتاء خلافات وازمة سياسية حادة اشتجرت فى البلاد منذ ثلاثة اشهر بين الرئيس اليمينى وتكتلات اليسار ، وتحمل تجربة الاستفتاء حول اقالة الرئيس خصوصية تعد العامل الأكثر أهمية فى تشكيل تجربة الشعب الرومانى، ومفتاح أساسى لفهم الطبيعة الخاصة للنظام الرومانى منذ مروره بالتحولات السياسية الصعبة بعد الثورة. وباشيسكو «61 عاما» رئيس البلاد الذي كان قبطانا في البحرية التجارية، وانتخب رئيسا للمرة الاولى في 2004، سبق ان واجه في 2007 تصويتا لاقالته ولكنه نجا منه، ويواجه خلافات حادة من اليسار تضاعف من مشكلات البلد الاقتصادية، وتصويت البرلمان فى 6 الجارى على قرار باقالته، لكن هذه الاقالة لن تكون نهائية إلا بالمصادقة عليها عبر الاستفتاء الذى جرى امس ، وقد تم اسناد مهمة رئاسة البلاد فى تلك الايام الانتقالية الى رئيس مجلس الشيوخ «كرين انطونيسكو» فيما علقت مهام الرئيس حتى اعلان نتيجة الاستفتاء ، ويرى اليساريون انه لم ينجح فى تلبية طموحات الشعب، وان «باشيسكو» المتقاعد البالغ من العمر 61 عاما يحصل على راتب تقاعدي يبلغ 700 رون (حوالى 160 يورو) شهريا، ولم يفعل شيئا لهذا البلد، فقد قام بخفض رواتب المواطنين، وزاد الرسوم على المتقاعدين، ورغم ان «باشيسكو» لا يتحمل وحده ثمن إجراءات التقشف، التى فرضتها عليه ظروف البلاد الاقتصادية بل ظروف أوروبا عامة، إلا أن الشعب يعتبره مسئولا، ويصعد اليساريون المقارنات بين وضع رومانيا حاليا وبين وضعها أيام الشيوعية وذلك فى حنين لتلك الأيام. والآن يرتبط مصير الرئيس بنتيجة الاستفتاء، والتى يتوقع كثيرون انها لن تكون فى صالحه إذا أدلى أكثر من نصف الناخبين المسجلين البالغ عددهم 18,3 مليون بأصواتهم، وقد دعا مؤيدو «باشيسكو» إلى مقاطعة الاقتراع معتبرين انه «مهزلة انتخابية» لاضفاء الشرعية على ما يرون انه «انقلاب»، وستحمل رياح تغيير داخل القارة الأوروبية يمكن الاقتضاء بها فى دول اخرى ، فان الاتحاد الاوروبي يراقب عن كثب نتيجة هذا الاستفتاء بقلق كبير ، بسبب الوسائل التي استخدمها تحالف يسار الوسط «الاتحاد الاشتراكي الليبرالي»، لتسهيل إقالة الرئيس، وسيشكل هذا الاستفتاء مرحلة لا بد منها في محاولة لإنهاء أزمة سياسية يشهدها احد افقر البلدان في الاتحاد الاوروبي، وفي حال لم تبلغ المشاركة النسبة المطلوبة، سيكمل باشيسكو ولايته حتى 2014، رغم التعايش الصعب مع الاتحاد الاشتراكي الليبرالي، اما اذا تحققت النسبة المطلوبة وتمت تنحيته ، فسيتم اجراء انتخابات رئاسية خلال تسعين يوما.