ليلة القدر خير من ألف شهر، هكذا وصفها الله تعالى فى كتابه المجيد، وهذا دليل كاف على فضل تلك الليلة، التى ينتظرها المسلمون كل عام تبركَا وتيمنًا بها لما فيها من فضائل عظيمة تجعلها مختلفة عن باقى ليالى العام الهجرى، وتجعلها فى مقدمة الأيام المباركة الطيبة المليئة بالمغفرة والرحمة والحسنات. ويقول الرّسول عليه السّلام: «مَن صامَ رمضانَ، وفى لفظٍ، مَن قامَ شَهْرَ رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ، ومَن قامَ ليلةَ القَدرِ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذَنبِهِ». لماذا سميت ليلة القدر بهذا الاسم؟ تعدّدت آراء العلماء حول سبب تسمية ليلة القدر بهذا الاسم، إلا أن الغالب هو أربعة آراء، أولها أنه نزل فى هذه الليلة كتاب قدير يحمله ملك قدير إلى رسول قدير لأمة ذات قدر عظيم. ويقول الرأى الثانى، إن القدر لغوياً هو الضيق بالاستناد إلى الآية الكريمة: «وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ»، فتقيض هذه الليلة بسبب عدد الملائكة الهائل النازلين من السماء ليحفوا المسلمين فى قيامهم وتهجدهم لهذه الليلة العظيمة. كما أن الرأى الثالث، ان القدر يعنى التعظيم وهو بالاستناد إلى ما ورد فى الآية الكريمة من القرآن الكريم «وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ». ويؤكد الرأى الرابع، أن ليلة القدر تعنى التقدير ففيها يُكتب قدر كل الناس بغض النظر عن مكانتهم ومستواهم، من مطر ورزق وحياة وممات وغيرها، قال تعالى فى كتابه العزيز: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ). وقت ليلة القدر تحتل ليلة القدر مكانة عظيمة فى شهر رمضان المبارك، فهى الليلة التى نزل فيها القرآن، وهو الأمر الظاهر فى الآية الكريمة: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ». أمّا وقتها تحديداً فهى إحدى ليالى العشر الأواخر من شهر رمضان لما ورد فى الحديث الشريف عن الرّسول عليه السّلام: «كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يجاور فى العشرِ الأواخرِ من رمضانَ، ويقول: تَحَرَّوْا ليلة القدرِ فى العشرِ الأواخرِ من رمضانَ»، وفى الحديث الشريف: «التمِسوها فى العشرِ الأواخِرِ - يعْنِى ليلَةَ القدْرِ- فإِنَّ ضَعُفَ أحدُكم أوْ عَجَزَ فلا يُغْلَبَنَّ علَى السبْعِ البواقِي». أما عن سبب جهل وقتها، فالله صاحب الحكمة من هذا الأمر، فلو ألمّ المسلمون وقت ليلة القدر تحديداً لخفّت عزائمهم طوال شهر رمضان، واقتصر جهدهم وقيامهم بإحياء هذه الليلة، وعليه، فإنّ إخفاء وقتها تحديداً يُعتبر حافزاً مُشجّعاً لقيام الليل والمداومة على العمل الصالح طوال الشهر كله، ومن ثمّ مضاعفة هذا العمل فى الليالى العشر الأواخر، وبهذا يعود الخير على المسلمين أفراداً وجماعات. ونرى الأمر يتكرّر بإخفاء وقت ليلة القدر، كما هو الأمر فى ساعة الاستجابة يوم الجمعة. علماء الأزهر يكشفون فضائل ليلة القدر قال الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن ليلة القدر هى ليلة خير من ألف شهر، قال النبى صلى الله عليه وسلم «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»، وعندما سألت السيدة عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها عن ليلة القدر فقالت: «يا رسولَ اللَّهِ أرأيتَ إن وافقتُ ليلةَ القدرِ ما أدعو؟»، قالَ: «تقولينَ: اللَّهمَّ إنَّكَ عفوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنِّي». وأضاف «كريمة» أن ليلة القدر الراجح لدى الفقهاء أنها فى ليالى الأوتار فى العشر الأخير من رمضان، قال النبى صلى الله عليه وسلم، التمسوها فى العشر الاواخر من رمضان، مبينًا أن تكون من بين أذان المغرب إلى أذان الفجر. وعن الأعمال المستحبة فيها قال أستاذ الشريعة الإسلامية إنه يجب عل كل المسلمين الصائمين التقرب إلى الله فى هذه الليلة وإحيائها بصلاة التهجد والإكثار من الأدعية لما فيه الخير والزاد فى الاخرة، حيث إنها ليلة فيها يفرق كل أمر حكيم. بدوره قال الدكتور محمد عبد العاطى، عميد كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، إن الله فضل ليلة القدر على غيرها من الليالى لما فيها من الميزات، حيث إنها ليلة خير من ألف شهر، كما أن الملائكة تتنزل فيها من كل أمر سلام هى حتى مطلع الفجر، لقوله تعالى: «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْر. وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْر. ليْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ. سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ» كما أنها هى الليلة التى نزل فيها القرآن على النبى صلى الله عليه وسلم. وأضاف «عبدالعاطي» أن ليلة القدر كانت محددة عند النبى صلى الله عليه وسلم فخرج على صحابته فوجدهم يختصمان فقال بسببكما رفعت ليلة القدر أى رفع تحديد وقتها، وقال التمسوها فى الوتر من العشر الأواخر، لذلك فمن الممكن أن تكون فى أى ليلة وتر من العشر الأواخر وفقا لكلام النبى صلى الله عليه وسلم والأرجح أنها تكون ليلة السابع والعشرين، مبينًا أن من أحب الأدعية وأفضلها فى هذه الليلة هي: «اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عني»، وهو الدعاء الذى وصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها حينما سألته ماذا أقول فى هذه الليلة يا رسول الله قال لها قولى اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عني. أبرز فضائل ليلة القدر امتازت ليلة القدر دون غيرها من ليالى شهر رمضان بالعديد من الفضائل، وذلك وفقًا لما أورد عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، تأكيدًا لما جاء فى كتاب الله، وفضل الله تعالى هذه الليلة بأن أنزل القرآن الكريم فيها، وهو الأمر الوارد فى القرآن الكريم نفسه حين قال تعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ». وعدم قدرة العقل البشرى على إدراك أهميّة ليلة القدر واحدة من مميّزاتها، فيعلم المسلم أنها ليلة قديرة يتضاعف فيها الأجر والثواب وتُغفر الخطايا، إلا أنّ القدر الصحيح لهذه الليلة يعجز عن وصفه المسلم، وهو لما ورد فى كتاب الله العزيز إذ قال: «وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ». كما تفوق هذه الليلة بأهميّتها على ألف شهر فيرتفع فضلها ويعلو شأنها ويتضاعف الأجر فيها بما يزيد على الألف شهر، وهو ما ورد فى القرآن الكريم حين قال تعالى: «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ». وتتنزّل الملائكة فى هذه الليلة، حيث قال تعالى فى القرآن الكريم: «تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْر»، قال ابن كثير فى تفسير هذه الآية: «أى يكثر تنزّل الملائكة فى هذه الليلة لكثرة بركتها والملائكة يتنزّلون مع تنزّل البركة والرحمة كما يتنزلون عند تلاوة القرآن ويحيطون بحلق الذّكر ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق تعظيماً له، وأما الرّوح فقيل المراد به ها هنا جبريل عليه السّلام. وأخيرًا تخلو هذه الليلة من الشرور فيعمّ السلام والطمأنينة والرّاحة، وهى كما ورد فى الآية الكريمة: «سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ».