يضم 7 رؤساء محاكم، تشكيل المجلس الخاص للشئون الإدارية لمجلس الدولة    قرار الشعب وعودة الروح    مطار الغردقة يستقبل أولى رحلات "Vision Air" من مولدوفا    الاستثمارات الخاصة تتصدر للربع الثالث على التوالي وتستحوذ على 62.8%.. وتراجع للاستثمار العام    فور التصديق عليه.. "إسكان النواب": الحكومة جادة في تطبيق قانون الإيجار القديم    بسبب ترامب، إيلون ماسك يعلن تأسيس حزب سياسي جديد    بسبب دعم فلسطين.. الشرطة الألمانية تعتدي بالضرب على مشجع أهلاوي (فيديو)    وزير الخارجية ونظيره السعودي يبحثان هاتفيا مستجدات الأوضاع في المنطقة    أيمن يونس: جون إدوارد مكسب كبير للزمالك وغياب أبناء النادي عن المشهد صدمني    مصطفى شوبير يثير الجدل بمنشور كوميدي عن والده    القباني : لم أفضح أسرار الزمالك وتعرضت لحملة ممنهجة    بسبب درجة الحرارة.. اتحاد الكرة يعلن تأجيل انطلاق دوري القسم الثاني (ب)    خبراء يكشفون للحكومة بدائل ل الطريق الإقليمي بعد غلقه    تاريخ الدكتور عمار علي حسن!    مدير دار الافتاء بمطروح يجيب.. هل نصوم مابعد عاشوراء أم قبله؟    بني سويف الجامعي تعيد النور لطفل يعاني من انفجار بالعين    3 توجيهات عاجلة من الرئيس السيسي للحكومة بشأن «طريق الموت» بالمنوفية    "أوبك+" يرفع إنتاج النفط في أغسطس 548 ألف برميل يوميا    بمسرح كامل العدد.. الإيقاعات الشرقية تحيي أولى حفلاتها الصيفية بقصر ثقافة الأنفوشي    ثلاثي منتخب مصر يتأهل لنهائي رجال الخماسي الحديث في كأس العالم 2025 بالإسكندرية    تأجيل اولي جلسات محاكمة 5 رجال أعمال متهمين بتمويل الإرهاب ل 9 سبتمبر    مستشفيات جامعة بنى سويف تعيد الأمل لطفل أصيب بانفجار فى العين اليمنى    الإسماعيلية تتوسع في زراعة عباد الشمس.. 1271 فدانًا لدعم الاكتفاء الذاتي من الزيوت    أمينة الفتوى: "مقولة على قد فلوسهم" تخالف تعاليم الإسلام والعمل عبادة يُراقبها الله    أسماء الفائزين فى الموسم الرابع من المسابقة العالمية للوافدين والأجانب بالأزهر    أيمن الرقب: ترامب وإدارته جزء من المقتلة الكبيرة ضد المدنيين في قطاع غزة    أمريكا.. مقتل 27 شخصًا جراء فيضانات مفاجئة وسط ولاية تكساس    باحث: رفع العقوبات عن سوريا يفتح الباب أمام الاستثمارات ويُحسن الاقتصاد    غدًا.. النواب يستكمل مناقشة قانون المهن الطبية    الأمين العام للأمم المتحدة يُحذّر من خطر نووى فى زابوريجيا    «خفاف على القلب» 3 أبراج روحهم حلوة.. هل أنت واحد منهم؟    "المخدرات مش هتضيعك لوحدك" حملة لرفع وعى السائقين بخطورة الإدمان.. فيديو    بي إس جي ضد البايرن.. التشكيل الرسمى للقمة النارية فى كأس العالم للأندية    إجتماع تنسيقي بين «الرعاية الصحية» و«التأمين الصحي الشامل» في أسوان    استمرار تلقي تظلمات الإعدادية بكفر الشيخ حتى 13 يوليو الجاري    وفاة رئيس قطار أثناء تأدية عمله بأسيوط.. و«النقابة» تبدأ نقل الجثمان إلى طنطا    لمرشحي مجلس الشيوخ 2025.. «الصحة» تطلق منظومة إلكترونية لخدمات «الكشف الطبي» (تفاصيل)    براتب 8000 جنيه.. العمل تعلن عن 300 وظيفة بإحدى شركات تسويق الأدوية    محافظ أسيوط يعتمد الخطة السكانية لتحسين الخصائص السكانية    وزير الرياضة يفتتح منشآت جديدة بمركز التنمية الشبابية بالساحل    «الصمت أحيانًا يعني أننا تعبنا».. حنان مطاوع توجه رسالة غامضة في أحدث ظهور لها    بمشاركة طلاب صينيين| بالصور.. تنظيم أول مدرسة صيفية بجامعة القاهرة    "بدأت بموقف محرج".. قصة تعارف أمير صلاح الدين وزوجته ليالي    العروض تحاصر ثلاثي بيراميدز.. والإدارة تعد قائمة بدلاء    «محتوى البرامج الدراسية» في ندوة تعريفية لطلاب علوم الحاسب بجامعة بنها الأهلية    محلل بريطاني: انتقادات زيلينسكي قد تدفع ترامب للانسحاب من تسوية الحرب الروسية الأوكرانية    أحمد نبوي: الأذى النفسي أشد من الجسدي ومواقع التواصل تتحول لساحة ظلم    «المونوريل والبرج الأيقوني».. المشروعات القومية رموز جديدة ب انتخابات مجلس الشيوخ 2025 (فيديو)    شريهان تعود للأجواء الفنية بزيارة خاصة لمسرحية "يمين في أول شمال"    مصرع شخص وإصابة اثنين آخرين في حادث مروري بدمياط    طبق عاشوراء يحسن صحتك.. فوائد لا تعرفها    طقس الأحد شديد الحرارة وشبورة ورطوبة والعظمى بالقاهرة 36 درجة والإسكندرية 31    محافظ بني سويف يستقبل وزير الإسكان والمرافق في بداية زيارته للمحافظة    3 وديات.. في الجول يكشف تفاصيل معسكر الأهلي في تونس تحضيرا للموسم الجديد    استقرار أسعار السكر اليوم السبت بالسوق المحلي    محافظ المنوفية يتوجه لمستشفى الباجور العام للإطمئنان على الحالة الصحية لمصابي حادث الإقليمي    اختيار ناصيف زيتون لحفل افتتاح مهرجان جرش بالأردن.. وأصالة في ختام الفعاليات    الجار قبل الدار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المستشار لبيب حليم لبيب يكتب: هل من حق البابا أن يستقيل؟
نشر في الوفد يوم 02 - 01 - 2019

الكهنوت ليس سلعة يمكن شراؤها أو بيعها أو التنازل عنها
اختار الرب 12 شخصاً معروفين بأسمائهم وسمّاهم رسلاً
المسيح لتلاميذه: «ليس أنتم اخترتمونى.. بل أنا اختركم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر»
علاقة الأسقف بكنيسته أبدية.. ولا تنتهى إلا بالموت
لا يجوز للمطارنة أو الأساقفة إعفاؤهم من الخدمة
من المعروف أن السيد المسيح أقام فى كنيسته وظيفة الكهنوت، وخوّل للذين انتخبهم لهذه الوظيفة القوة ومنحهم السلطة ليكونوا معلمين وخداماً، ولم يسمح بهذه الوظائف لأحد غيرهم من عامة المؤمنين، فقد اختار الرب بنفسه من بين تلاميذه اثنى عشر تلميذاً معروفين بأسمائهم وسماهم رسلاً، هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع، وأوصاهم قائلاً: إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة السامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحرى إلى خراف بيت إسرائيل الضالة.. اكرزوا قائلين: لقد اقترب ملكوت السموات ومن لا يقبلكم ولا يسمع كلامكم فاخرجوا خارجاً من ذلك البيت، أو من تلك المدينة، وانفضوا غبار أرجلكم.. من يقبلكم يقبلنى ومن يقبلنى يقبل الذى أرسلنى.
ويحكى لنا القديس يوحنا فى إنجيله أن المسيح قال لتلاميذه: ليس أنتم اخترتمونى، بل أنا اخترتكم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم.
والسيد المسيح أعطى هؤلاء الرسل السلطان والحقوق فى تعليم الأمم، فقال لهم وحدهم: دفع إلى كل سلطان فى السماء وعلى الأرض، فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الأب والابن والروح القدس وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به، وها أنا معكم لك الأيام إلى انقضاء الدهر، ولهم وحدهم قال: كما أرسلنى الأب أرسلكم أنا، ولما قال هذا نفخ، وقال لهم أقبلوا الروح القدس، من غفرتم خطاياه تغفر له، ومن أمسكتم خطاياه أمسكت.
ولما أرسل السيد المسيح تلاميذه وأمرهم بالكرازة بالإنجيل للخليفة كلها، قال لهم: وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر، وفى قوله هذا دليل قاطع على حضور المسيح الدائم فى كنيسته ومساعدته لخلفائهم الذين يقومون من بعدهم فى وظيفتهم.
وبعد صعود السيد المسيح اجتمع الرسل وأقاموا اثنين يوسف ومتياس، وصلّوا قائلين: أيها الرب العارف قلوب الجميع عين أنت من هذين الاثنين أياً اخترته، ليأخذ قرعة هذه الخدمة والرسالة التى تعداها يهوذا ليذهب إلى مكانه، ثم ألقوا قرعتهم فوقعت القرعة على متياس فحسب على الأحد عشر رسولاً.
وذكر فى سفر الأعمال عن الرسل، وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس أفرزوا لى برنابا وشاول للعمل الذى دعوتهما إليه، فصاموا حينئذ وصلّوا ووضعوا عليهما الأيادى ثم أطلقوهما.
كاهن إلى الأبد
ومن المعروف أيضاً أن الرسل أقاموا فى الكنائس التى أسسوها أساقفة ومنحوهم موهبة الخدمة بوضع أيديهم عليهم، كما أمرهم أن ينوبوا عنهم فى سياسة الكنيسة، وخوّلوا لهم سلطان إقامة الأساقفة والقسوس فى كل مدينة لرعاية شعب الله وإتمام الخدمة الإلهية.
ففى سفر أعمال الرسل انتخب بولس وبرنابا قسيسين فى كل كنيسة، ثم صلّيا بأصوام واستودعاهم للرب الذى كان قد آمنوا به، وقال بولس الرسول لتلميذه تيموئاوس: وما سمعته منى بشهود كثيرين أودعه أناسا أمناء يكونون أكفاء أن يعلموا آخرين أيضاً.
ومؤدى ذلك أن الكهنوت ليس سلعة يمكن شراؤها أو اغتصابها أو التنازل عنها، إنما هى دعوة من الله «لا يأخذ أحد هذه الوظيفة لنفسه بل المدعو من الله».
وقد كشف لنا الإنجيل أن درجات الكهنوت ثلاث: الأولى: درجة الأسقف، والثانية درجة القس، تخضع للأساقفة، والدرجة الثالثة هى درجة الشماس، فالأسقفية هى الدرجة العليا فى الكهنوت والأسقف كاهن ذو رتبة أولى موكول إليه كما للكاهن أن يقدم القرابين، ويعمل ما يعمله الكاهن، وهو فى كنيسته ورعيته نائب المسيح وبالتالى فله حق الرياسة على الكهنة الذين تحت إدارته وعلى رعيته، وله السلطان أن يقيم الكهنة لشعبه ويمنحهم الحقوق والسلطة الروحية، فهو الذى يعلم الشعب ويدبر أموره وهو الذى يقيم له الرعاة.
دعوة للخدمة
وإذا كانت الأسقفية درجة سامية، فقد أمر الله ألا يدنو منها ويقبلها إلا من كان مستحقاً لها، بناء على دعوة إلهية، وهذه الدعوة واضحة تماماً فى الكتاب المقدس، ففى العهد القديم، قال الرب: «وتخدمون خدمة، عطية أعطيت كهنوتهم والأجنبى الذى يقترب يقتل، وقوله لارميا: قبلما خرجت من الرحم قدستك، جعلتك نبياً للشعب، وفى العهد الجديد قال السيد المسيح لتلاميذه: كما أرسلنى الأب أرسلكم أنا، وقال أيضاً: الحق الحق، أقول لكم أن الذى لا يدخل من الباب إلى حظيرة الخراف، بل يطلع من موضع آخر فذاك سارق ولص، وأما الذى يدخل من الباب، فهو راعى الخراف.
وقال: لا يأخذ أحد هذه الوظيفة بنفسه بل المدعو من الله ذلك لأن خدمة الكهنوت خدمة سماوية خدمة أسرار، تشتهى الملائكة أن تطّلع عليها، هذه الخدمة لم يعطها الله للملائكة ولا لرؤساء الملائكة، وسميت هذه الخدمة خدمة الروح وخدمة البر وخدمة المصالحة.
لذلك اقتضى الأمر ألا يقبله أحد إلى هذه الدرجة إلا بناء على دعوة إلهية، فالرب يسوع نفسه الذى تتوافر فيه كل كنوز الحكمة والعلم، كان كل شىء وبغيره لم يكن شيئاً مما كان، قيل عنه أنه انتدب إلى الكهنوت حسب قول الرسول، كذلك السيد المسيح لم يمجد نفسه ليعيد رئيس كهنة، بل الذى قال له أنت ابنى أنا اليوم ولدتك، كما يقول فى موضع آخر: أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكى صادق، وترتيباً على ما تقدم، فإن الذين يختارهم الله للكهنوت ينتدبهم، ويدعوهم ليكونوا خداماً له، فالذى يختاره يقربه إليه، ومن تجاسر وصار كاهناً من غير أن يدعوه الله
يهلك، ومنه هذا نصيبه نصيب الأنبياء الكذبة الذين قال عنهم الرب: لم أرسل الأنبياء بل هم جروا، لم أتكلم معهم بل هم تنبأوا والذين يسرقون كلمتى ويضلون شعبى وأنا لم أرسلهم ولا أمرتهم فلا يفيدوا هذا الشعب فائدة.
صحيح ليس لنا اليوم صوت مسموع من الله يدعو به الإنسان إلى خدمته، ولا يرسل إلينا ملاكا لانتداب المدعو إلى الكهنوت، لكن هذه الدعوة تعرف بطريقة ظاهرة هى تصديق الكنيسة وشهادتها للأهلية لأنها تمنح السلطان الرسمى لهذه الخدمة.
وتعرف أيضاً بطريقة باطنة وهى صوت روح الله وقدوته اللذان يؤثران فى إرادة الإنسان وإقناعه حين يكون طالب هذه الخدمة مملوءا بالرغبة الشديدة والقصد الثابت فى خدمة الله وخلاص النفوس، علاوة على تجدده بروح الله فالمدعو من الله لخدمة الكهنوت يجب أن يكون محركا من الله لمجرد خدمة اسمه القدوس، ويجب أن يكون مستعدا لأن يكرس ذاته وحياته ويضحى بنفسه فى خدمته وخدمة النفوس التى اشتراها السيد المسيح بدمه، فهى وظيفة تكريس الذات لله والناس، وتقتضى أن تكون حياة الراعى ضحية دائمة للجميع.
راهب من الرهبان
والمعروف أن الأساقفة يختارون من بين الرهبان، والراهب هو إنسان ترك العالم كلية، ترك بلده وأهله وأقاربه وانتقل للأديرة والبرارى، ليعمل فى هدوء ويعبد الله ليلا ونهارا، يصوم ويسهر ويصلى ويسجد، ويعيش حياة التجرد، ويبعد عن كل شر وعن كل شهوة، خاضع لآبائه محبا لزملائه الرهبان، نابذا الشهوات يحيا حياة النسك والتوبة ويبغض ذاته.
فالراهب هو الناسك الذى يستعد ليصير مثل الملائكة بدون هم، فقد شق عن نفسه ثوب العالم ورفض جميع الخرافات، فهو فى ديره مجاهد، وقد يتساءل البعض: إلى أين ولأى حد يجاهد؟ وأقول إلى درجة الموت يجاهد من أجل الله، يجاهد نفسه فى صلاة الليل ويزيدها مزايدا، لأن رجاء عظيما ومعدنه فى الجهاد من أجل الله تنتظره.
إذن الجهاد الرهبانى مستمر حتى الممات، وليس هناك استثناء، وكل القديسين جاهدوا، وجاهدوا وجدوا وتيقظوا لرهبانيتهم واحترسوا من ضعف بشريتهم حتى ساعة الموت، فالرهبنة ظهرت فى مصر فى بداية القرن الرابع، ومنذ ذلك الوقت امتدت وانتشرت فى سائر أنحاء العالم المسيحى، وليست مصادفة أن تمتد بعد تجديد فكر الإمبراطور قسطنطين، وإعلانه التسامح مع كل الأديان، وتعاطفه مع المسيحية بوجه خاص فى إمبراطوريته، مما أدى إلى توقف اضطهاد المسيحيين، هذا التوقف كان هو المبرر الأول للرهبنة ومحرك ظهورها الأساسى، فعوض الاستشهاد بالدم الذى كان يؤديه المسيحى مرة واحدة فى حياته وهى لحظة الاستشهاد مارس الرهبان الإماتة اليومية لشهوات النفس.
كما أنه بعد تغيير موقف الدولة تجاه المسيحية من الاضطهاد إلى التسامح بل إلى المحاباة برز خط داهم هدد المسيحية فى أساسها وهو أن ينسى الناس أن ملكوت الله ليس من هذا العالم، إذ أتى وقت ظن فيه البعض أن ملكوت الله هو هذه المملكة الأرضية التى تحابى الدين غير مدركين أن كل ما على الأرض إنما هو رمز وصورة للحقيقة المجردة الحقيقية فى الدهر الآتى أى ملكوت الله.
وهذا سبب آخر لبزوغ الرهبنة، فقد خرج الرهبان من هذا المجتمع الذى بدأ يفقد حرارة الإيمان إلى الصحارى لكى يمارسوا ويشهدوا للحياة المسيحية الأصلية التى لا تركن إلى سلطان دنيوى فى هذا العالم ولا تأباه بأمجاده وكراماته الدنيوية الزائفة، فخرجوا متجردين من كل متاع ومتع الدنيا، وعاشوا فى فقر اختيارى، وتكريس كامل للحياة مع الله.
فالأسقف منذ بداية رهبنته وبعد سيامته هو راهب، والرهبان وهو منهم ملائكة أرضيون، وبشر سمائيون تابعون للمسيح حسب طاقاتهم، فى جميع أخلاقهم متشبهون برسله فى التجرد من قنايا العالم، ورفض شهواته، ورفض كل شىء حتى نفوسهم فى حب طاعته ومحبته، عاملون بوصاياه التى أمر بها مريدى الكمال محبون له وحده، أكثر من آبائهم وأمهاتهم، فهم مغبوطون على الراحة من الأتعاب الحاضرة، والنجاة من عقوبات الآخرة، ومغبوطون على ما أعد لهم من أعالى منازل الملكوت السمائية من أتعاب مقتضية اختيارية، فإذا كان الراهب قد نذر حياته فى خدمة السيد المسيح، فهو ملزم بهذه الخدمة طيلة حياته وحتى مماته.
وتأصيل ذلك أن الأسقف هو راهب، والرهبنة من وجهة نظر القانون الكنسى هى حالة خلوة نسكية تعبدية جهادية متجردة يمارسها متبتل باختياره فى البرية، أو فى أحد الأديرة سواء فى حالة شركة مع إخوة من رهبان آخرين، أو فى حالة وحدة، فالرهبنة عمل يُمارس ويُعايش.
إذن الرهبنة هى ممارسة أسلوب حياة معين يتضمن تكريس وتخصيص الروح والجسد ومن ثم فإن الأسقف وفقا للقانون الكنسى لا يستطيع الهروب من هذه الممارسة التخصصية، فلو غاب عنه هذا المفهوم، أو خرج أو توقف عن الممارسة الرهبانية هوى وصار مغلوباً لا غالباً،
وانحصرت قامته فى نطاق حياة الشخص المتبتل العادى، أى لا يخرج من أن يكون فى نطاق درجة الجهاد العادية التى للعلمانيين، ومن ثم فإن ممارسة التقليد الرهبانى داخليا وخارجياً كأسلوب حياة لا مفر منه، إذا أراد الأسقف أن يكون غالباً أخذاً بيد المغلوبين من قطيع الشعب المتطلع إلى قدرات صعوده الرهبانية وثقة المخدومين فى نتائج النعمة ومحصلات البركة التى تترتب على استمرار الأسقف فى ممارسة الرهبنة من خلال عمله الرعوى.
القعود عن الخدمة
ومتى تقلد الأسقف كرسيه ملك كل شىء يتعلق بأمور الإيبارشية الموكولة إليه، وهو فى تدبيره لأمورها حر طليق من أى رقابة سوى مراقبة الروح القدس ومحبة المسيح التى تحصره وتجعله مشتغلاً بالخدمة، أما إن تقاعس أو تشاغل عن مسئولية الرعاية، وأعباء الكنائس، ومتطلباتها التى هى المسئوليات الجسام المرتبطة بكرسيه كأسقف، فإنه يكون قد خرج عن السلوك الأسقفى واستوجب المساءلة.
وقد شجب القانون 75 من قوانين مجمع قرطاجة تصرف الأسقف الذى يترك كرسى رئاسته ويتخذ موقفاً سلبياً تجاه مسئولياته، وهو ما يسمى القعود عن ممارسة السلطة، متهاوناً فى الاهتمام بكرسيه.
والأسقف من بعد تنصيبه ملتزم بمسئولية الرعاية، وهذا الالتزام قائم من منطلق أمانة الأسقف فى العمل بدأب، وقد أوضح هذا الالتزام القانون رقم 17 من مجمع أنطاكية، حيث ينص على أنه إذا رسم أسقفاً وراعياً على شعب، لم يقبل الدعوة للخدمة، ولم يقتنع بوجوب عمل مسئولية الكنيسة التى أؤتمن عليها فليقطع إلى أن يرغم على القبول، أو إلى أن ينظر مجمع كامل من الأساقفة فى أمره.
وهذا القطع كعقوبة هو قطع مؤقت وليس دائماً، وهذه العقوبة لا تُوقع بمجرد انتخاب الأسقف لكن بعد تمام السيامة الأسقفية كاملة، أعمالاً لأحكام القانون رقم 18 من مجمع أنطاكية الذى ينص على أنه إذا سيم أسقف على إيبارشية، ورفض الذهاب إليها بحجة أن شعب الإيبارشية يرفض قبوله أو لأسباب أخرى لا شأن له فيها فليحتفظ بكرامة رتبته وخدمتها دون تدخل منه فى أعمال تلك الإيبارشية.
بمعنى صلاحيته وحقه فى ممارسة العمل الكهنوتى والأسرار دون إدارة الإيبارشية رعوياً، والأسقف ملتزم بمكان إيبارشيته، وهذا الالتزام ليس بهدف الأمساك بالأسقف كموظف مرتبط بمكان الوظيفة، فليست طبيعة عمل الأسقف على هذا النحو، ولكن الهدف هذا قائم على مفهوم التكريس لمكان الخدمة، وعدم الانشغال عن مكان إيبارشيته بكنائس أو أعمال أخرى.
وقد نص القانون رقم 71 من قوانين مجمع قرطاجنة المنعقد سنة 419 على أنه لا يجوز لأسقف أن ينتقل من كنيسة إيبارشيته ويذهب إلى كنائس إيبارشية أخرى، ويهمل العناية بإيبارشيته الخاصة لانشغاله بأعماله.
ولا يجوز للأسقف أن يتبطر على مكان قسمته، وهو المكان المحدد لمباشرة مسئوليته، فمن تمت قسمته، وتعينت حدود خدمته اسماً ومكاناً، بسماح العناية الإلهية فلا يملك الأسقف أن يرفض أو يتبطر على مكان قسمته.
وقد نص القانون رقم 17 من مجمع أنطاكية على أن الأسقف الذى سيّم على إيبارشية معينة تسلمها بصك قسمته على مذبحها، ثم بعد ذلك تبطر لأى سبب كان فى الذهاب إليها والالتزام بالخدمة منها، فإن جزاءه يكون الحرمان من الخدمة الكنسية حتى يلتزم ويقوم بأداء ما عليه.
وعدم صمود الأسقف واستقالته مرفوضة فى القانون الكنسى، فالقاعدة فى الخدمة أن من يضع يده على المحراث، وينظر إلى الوراء لا يصلح لملكوت الله، فالأسقف الذى بدأ الطريق الشاق نحو خدمة الله عليه أن يحارب المحاربة صامداً ضد كل التجارب، ضارعاً كقول الكتاب المقدس أستطيع كل شىء فى المسيح الذى يقوينى، مكملاً عمل الخدمة بكل أناة وصبر.
صحيح أن الخدمة الإكليروسية معرضة فى كل وقت للضيقات، ويقول الكتاب للخدام إنكم موضوعون للضيق، لذلك يعتبر أمراً شاذاً أن يطلب أحد الأساقفة إقالته من عمله، أو إقالته من درجته أو رتبته.
وقد أرسى مجمع أفسس مبدأً مهماً فى القانون الكنسى، وهو أنه لا يجوز للأساقفة والمطارنة أن يطلبوا إعفاءهم من خدمة إيبارشياتهم.
وقد يتساءل البعض عن أسباب رفض استقالة الأسقف، والإجابة أن من يلتصق بامرأة يصير معها جسداً واحداً، كذلك من التصق بالرب فهو روح واحدة، فالاتحاد الأول نسميه زواجاً جسدياً أما الاتحاد الثانى فنسميه زواجاً روحياً.
وفى الكتاب المقدس أمثلة عديدة لهذا الزواج الروحى بين الله وشعبه، أى بين الله وكنيسته، ويقول بولس الرسول فى رسالته الثانية إلى كورنثوس: خطبتكم لرجل واحد، لأقدم عذراء عفيفة للمسيح، وفى رسالته إلى أفسس قال عن هذا الزواج الروحى بين المسيح وكنيسته أن هذا السر عظيم.
ومن هذه المقارنة التى عقدها بولس الرسول بين زواج الرجل والمرأة من ناحية وعلاقة المسيح بالكنيسة من ناحية أخرى، يمكن الاستدلال على أن المسيح هو صاحب زوجة واحدة فى الروح، كذلك توجد كنيسة واحدة لكل المسيحيين، فإذا كانت حواء لم تأخذ زوجاً ثانياً، فإن الكنيسة المقدسة لا تعرف عريساً ثانياً، فإن كانت الكنيسة هى عروس المسيح، فإن علاقة الأسقف بكنيسته هى علاقة أبدية لا تنتهى إلا بالموت.
فضلاً عن أن القوانين الكنيسة لا تجيز إقامة أسقفين فى مدينة واحدة، وقد أكد القانون 34 من قوانين الرسل التزام الأسقف الواحد بكرسى إيبارشيته، كما نص القانون 12 من مجمع خلقيدونية على أنه لا يجوز أن يكون هناك مطرانيان على إيبارشية واحدة، كما لا يجوز أن يكون هناك أسقف على إيبراشيته، لأن الأصل من تواجد الزواج الروحى الرمزى بين الأسقف وإيبارشيته، فلا يجوز حسب التقليد أن يسام أسقف على ذات الإيبارشية ما دام أسقفها ما زال حياً.
ومما يؤكد رفض تخلى الأسقف عن إيبارشيته وعدم جواز قبول استقالته أو إعفائه من خدمتها أن القديس كيرلس الأول قال أن الأسقف أن لم يقم بمسئوليات رتبته يعتبر غير مستحق لتولى الرئاسة لخدمة المذبح فلا يكرم باسمه كأسقف.
فاذا كان الأسقف هو راهباً، فإن الجهاد الرهبانى مستمر حتى مماته، فلا يملك التقاعس عن أداء مهامه، وليس من حقه القعود عن ممارسة سلطاته، فمتى سيّم كأسقف وراع على شعبه، فإذا لم يقبل الدعوة للخدمة، ولم يقتنع بحمل مسئولية الكنيسة التى أؤتمن عليها، فليقطع حتى يرغم على القبول.
لذلك نقولها بكل أمانة أن استقالة الأسقف مرفوضة فى القانون الكنسى، ولا يجوز للبابا أو للأساقفة أو المطارنة أو يطلبوا إعفاءهم ما داموا مستحقين لهذه الخدمة، والأصل أن يكون مستحقين لها، أما إذا كانوا غير مستحقين فلا يكون تركهم لوظيفتهم بطلب الاستغناء عنها، بل تنفيذ لحكم لذلات ارتكبوها.
ولا يغير من ذلك أن الكنيسة الكاثوليكية لديها من التشريعات التى تسمح للبابا أو الأساقفة أن يتقدموا باستقالاتهم، فذلك مردود عليه بأن كنيستنا كنيسة تقليد، ويجب أن نتمسك بتقاليدنا وقيمنا الروحية، فضلاً عن أن استقالة الأسقف فى الكنيسة الكاثوليكية وقبولها، لا يترتب عليها إبعاد الأسقف عن إيبارشيته، بل يظل مقيماً بها، محتفظاً بلقبه، وتتكفل الإيبارشية بمعيشته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.