حسن عبد الله يتسلم جائزة أفضل محافظي البنوك المركزية عالميًا من «جلوبال فاينانس»    وزيرة التخطيط تُشارك في إطلاق «صندوق الثقة متعدد المانحين»    الرئيس السيسي يبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين مصر وماليزيا    توروب يبدأ المشوار مع الأهلي بانتصار على إيجل نوار في دوري أبطال إفريقيا    بسبب الهرج والمرج.. وكيل تعليم دمياط يحيل إدارة مدرسة للتحقيق    الدفاع الروسية: السيطرة على بلدة بليشييفكا بدونيتسك والقضاء على 1565 جنديًا أوكرانيًا    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مخيمي بلاطة وعسكر شرق نابلس بالضفة الغربية    دميترييف: العمل على فكرة النفق بين روسيا والولايات المتحدة بدأ قبل 6 أشهر    معاون وزير السياحة يشيد بمشروع بوابة تراث مصر الثقافي الرقمي    اختبار طبي يحسم مصير الدوسري أمام السد القطري    إنجاز مصري في الرماية بالخرطوش.. ماجي عشماوي ضمن أفضل 6 راميات على مستوى العالم    الأرصاد الجوية تحذر من الشبورة وانخفاض درجات الحرارة    مصرع شخصين بحادث اصطدام موتوسيكل وسيارة ملاكي فى الدقهلية    هالة صدقي: يسرا تستحق أكثر من تكريم    إيرادات "أوسكار عودة الماموث" تتخطى 6 ملايين جنيه في 3 أيام    «الصحة» تختتم البرنامج التدريبي لإدارة المستشفيات والتميز التشغيلي    محافظ الشرقية يثمن جهود الفرق الطبية المشاركة بمبادرة "رعاية بلا حدود"    بدء تقديم خدمات كهرباء القلب والكي الكهربائي بمستشفيي بنها ودمنهور التعليميين    قطاع الأمن الاقتصادي يضبط 6630 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    موعد مباراة الأخدود ضد الحزم في الدوري السعودي والقنوات الناقلة    اليوم الرسمي ل بدء التوقيت الشتوي 2025 في مصر بعد تصريحات مجلس الوزراء.. (تفاصيل)    نجمات اخترن تسريحة ذيل الحصان فى مهرجان الجونة 2025    أحمد مراد: نجيب محفوظ ربّاني أدبيًا منذ الصغر.. فيديو    انتخاب اللواء أحمد العوضي والمستشار فارس سعد وكيلين لمجلس الشيوخ    «تموين كفر الشيخ» تواصل حملاتها الرقابية لضبط المخالفين    المشدد 6 سنوات وغرامة 100 ألف جنيه لعامل لاتجاره فى الهيروين بشبين القناطر    طريقة عمل الفطير الشامي في البيت بخطوات بسيطة.. دلّعي أولادك بطعم حكاية    مرشح وحيد للمنصب.. «الشيوخ» يبدأ انتخاب رئيسه الجديد    ضبط منادى سيارات اعتدى على سائق وطلب إتاوة فى الجيزة    الرئيس السيسي يستقبل رئيس مجلس إدارة مجموعة «إيه بي موللر ميرسك» العالمية    موعد مباراة المغرب ضد الأرجنتين والقنوات الناقلة في نهائي كأس العالم للشباب 2025    القنوات الناقلة لمباراة بايرن ميونخ ضد بوروسيا دورتموند في الدوري الألماني.. والموعد    بعثة المصري تغادر طرابلس فى طريقها إلى القاهرة بعد التعادل مع الاتحاد الليبي    لا تدَّعِ معرفة ما تجهله.. حظك اليوم برج الدلو 18 أكتوبر    الثقافة: تعامد الشمس على وجه رمسيس الثانى من أعظم المعجزات الفلكية فى التاريخ    ياسر جلال بعد أداء القسم بمجلس الشيوخ: لحظة فخر ومسؤولية كبيرة    ما هو حكم دفع الزكاة لدار الأيتام من أجل كفالة طفل؟.. دار الإفتاء توضح    مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية يوضح 7 فضائل لإطعام الطعام.. اعرفها    الدويري: خروج مروان البرغوثي سيوحد حركة فتح ويمنح الموقف الفلسطيني زخمًا    زلزال بقوة 5.3 درجة على مقايس ريختر يضرب تايوان    رئيس جامعة القاهرة: مصر تمضي نحو تحقيق انتصارات جديدة في ميادين العلم والتكنولوجيا    تعرف على مواقيت الصلوات الخمس اليوم السبت 18 أكتوبر 2025 بمحافظة بورسعيد    تعليمات جديدة من «الصحة» لضبط معدلات الولادات القيصرية في الإسكندرية    نجوى إبراهيم عن تطورات صحتها بعد الحادث: تحسن كبير واستكمل العلاج بمصر    عبير الشرقاوي ترد على تجاهل ذكر والدها: نقابة المهن خسرت كتير    مجلس أمناء جامعة بنها الأهلية يوافق على إنشاء 3 كليات جديدة    البنك الأهلي ضيفا ثقيلا على الجونة بالدوري    محافظ أسوان في جولة مفاجئة على المخابز والأسواق: هدفنا ضبط الأسعار    100 مُغامر من 15 دولة يحلقون بمظلاتهم الجوية فوق معابد الأقصر    مواقيت الصلاة اليوم السبت 18 أكتوبر 2025 في محافظة المنيا    رئيس وزراء مالطا يشيد بدور مصر في وقف حرب غزة خلال لقائه السفيرة شيماء بدوي    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 18 أكتوبر 2025    رد صادم من متحدثة البيت الأبيض على سؤال بشأن قمة ترامب وبوتين يثير جدلًا واسعًا    زيادة الشيدر 65 جنيها والفلمنك 55، آخر تطورات أسعار الجبن في ثاني أيام ارتفاع الوقود    تفكك أسري ومحتوى عنيف.. خبير تربوي يكشف عوامل الخطر وراء جرائم الأطفال    انخفاض كبير في عيار 21 الآن بالمصنعية.. سعر الذهب والسبائك اليوم السبت بالصاغة    حكم التعصب لأحد الأندية الرياضية والسخرية منه.. الإفتاء تُجيب    هل يجوز للمريض ترك الصلاة؟.. الإفتاء تُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجذور التاريخية لجماعات الإرهاب والتكفير فى الإسلام (1-5)
نشر في الوفد يوم 08 - 11 - 2017

ما أشبه الليلة بالبارحة.. عبر قرون طويلة يدفع الإسلام والأمة الإسلامية ثمناً غالياً بسبب انحراف جماعات الخوارج عن صحيح الدين، وشقهم عصا الطاعة للحكام، وتكفير المجتمع، واستحلال دماء وأموال المسلمين.
فمنذ اللحظة التى أفتى فيها ذو الخويصرة التميمى برأيه الشخصى، ودون علم وبجهالة فى قسمة قسمها الرسول «ص» متهماً إياه بعدم العدل، كانت هذه شرارة انطلاق الفتنة، بظهور أول خارجى فى الإسلام، والذى رأى الرسول «ص» أنه سيخرج من أصلابه من يتلون كتاب الله لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.
لتتوالى بعدها أحداث الفتن والإرهاب، بداية من قتل أميرى المؤمنين عثمان وعلى رضى الله عنهما، ومروراً بعشرات جماعات الخوارج التى ظهرت فى كافة العصور، ووصولاً لداعش وأخواتها حتى هذه اللحظة.
وفى أحاديث عديدة وصفهم الرسول «ص» بأنهم طائفة مارقة، متشددة فى الدين، تدخل الإسلام وتخرج منه كما يمرق السهم من الرمية، رغم كثرة عبادتهم من صلاة وقيام وصيام وتلاوة للقرآن، وحددهم بأنهم صغار السن ضعفاء العقول لا يفقهون ما يتلون من كتاب الله، ولا يجاوز إيمانهم حناجرهم، وأنهم شر الخلق والخليقة، حرمهم الله تعالى من معرفة الحق أو الاهتداء إليه، وكتب عليه التيه وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
ولعل فى خطبة زعيمهم عبدالله بن وهب، بعد مبايعتهم له ما يبين ويكشف قواعد المنهج الذى وضعه الخوارج الأوائل، وسارت عليه كافة جماعات الإرهاب والتكفير حتى هذه اللحظة كأساس فكرى لمرجعيات التطرف وتكفير المجتمع وضرورة الهجرة وإقامة المجتمع البديل، حيث يقول داعياً للخروج على طاعة أمير المؤمنين على ابن أبى طالب «فاخرجوا بنا إخواننا من هذه القرية الظالم أهلها إلى بعض كور الجبال أو إلى بعض هذه المدائن، منكرين لهذه البدع المضلة»، وكان قد عرف عنه شدة التقوى والورع والعبادة حتى سمى بذى الثفنات، لخشونة يديه من جراء وضعهما على الأرض لكثرة وطول سجوده فى صلاته.
واليوم تبدأ «الوفد» عبر مرصد مكافحة الإرهاب، مرحلة جديدة فى مواجهة أفكار التكفير والتطرف، من خلال البحث فى الجذور التاريخية للإرهاب والتطرف، عبر عرض لنشأة الخوارج وصفاتهم وعقائدهم وأفكارهم وفرقهم، كما تواصل جهدها فى إطار المحاولات المجتمعية المختلفة لتجديد الخطاب الدينى، عبر تقديم رؤية مستنيرة لمفهوم الدعوة، وبيان قواعد اليسر والتيسير التى حفلت بها الشريعة، فى مواجهة دعوات التشدد والتنطع والتكفير والاستحلال التى تتبناها قوى وتنظيمات التكفير الظلامية.
ذو الخويصرة.. أول خارجى فى الإسلام
عرف الشهرستانى الخوارج فى مؤلفه الشهير «الملل والنحل» بأنهم الخارجين فى أى زمان أو مكان على الحاكم المتفق عليه من حيث يقول «كل من خرج على الإمام الحق الذى اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجيًا، سواء كان الخروج فى أيام الصحابة على الأئمة الراشدين، أو كان بعدهم على التابعين بإحسان والأئمة فى كل زمان».
وقد زاد ابن حزم بأنه اسم يلحق بالخارجين على الإمام على أو من يشاركهم فى آرائهم فى أى زمن. سواء فيما يتعلق بتكفير أصحاب الكبائر، والقول بالخروج على أئمة الجور، وأن أصحاب الكبائر مخلدون فى النار.
ومع ذلك اعتبر بعض المؤرخين أن نشأة الخوارج بدأت فى عهد الرسول وأن رأس الخوارج وأول الخارجين هو عبدالله بن ذى الخويصرة التميمى، الذى بدأ الخروج بالاعتراض على الرسول فى قسمة الفىء واتهامه إياه بعدم العدل، وقد ورد فى حديث سعيد الخدرى، رضى الله عنه، قال: بعث على بن أبى طالب إلى رسول الله من اليمن بذهبه فى أديم مقروظ لم تحصل من ترابها قال فقسمها بين أربعة نفر، فقال رجل من أصحابه كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء قال فبلغ ذلك النبى، فقال: «ألا تأمنونى وأنا أمين من فى السماء يأتينى خبر السماء صباحاً ومساء»، قال فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة كث اللحية محلوق الرأس مشمر الإزار، فقال يا رسول الله اتق الله، فقال: «ويلك أو لست أحق أهل الأرض أن يتقى الله»، قال ثم ولى الرجل فقال خالد بن الوليد يا رسول الله ألا أضرب عنقه، فقال: «لا لعله أن يكون يصلى»، قال خالد وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس فى قلبه فقال رسول الله: «إنى لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم قال ثم نظر إليه وهو مقف فقال إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبًا لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية»، قال أظنه قال لئن أدركتهم، لأقتلنهم قتل ثمود.
وقال ابن الجوزى أول الخوارج وأقبحهم حالة ذو الخويصرة التميمى، فهذا أول خارجى خرج فى الإسلام، لأنه رضى برأيه، ولو وقف لعلم أنه لا رأى فوق رأى رسول الله، وأتباع هذا الرجل هم الذين قاتلوا على بن أبى طالب رضى الله عنهم.
وروى أن النبى قال: «يخرج فى هذه الأمة قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم فيقرؤون القرآن لا يجاوز حلوقهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ثم يعودون فيه، هم شر الخلق والخليقة»، وأنه ذكر قومًا يكونون فى أمته يخرجون فى فرقة من الناس قال عنهم: «هم شر الخلق أو من شر الخلق، يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق»، كما روى أن النبى قال: «يتيه قوم قبل المشرق محلقة رؤوسهم»، وقال النووى أى يذهبون عن الصواب، وعن طريق الحق.
وعن عبيد الله بن أبى رافع مولى رسول الله أن الحرورية لما خرجت وهو مع على بن أبى طالب رضى الله عنه، قالوا: لا حكم إلا لله، قال على: كلمة حق أريد بها باطل، إن رسول الله وصف ناسًا إنى لأعرف صفتهم وهؤلاء يقولون الحق بألسنتهم لا يجاوز هذا منهم -وأشار إلى حلقه- من أبغض خلق الله إليهم، منهم أسود إحدى يديه طبى شاه، أو حلمة ثدى، فلما قتلهم على بن أبى طالب رضى الله عنه، قال: انظروا فلم يجدوا شيئًا، فقال: ارجعوا فوالله ما كذب ولا كذبت مرتين أو ثلاثًا، ثم وجدوه فى خربة فأتوا به حتى وضعوه بين يديه، قال عبيد الله: وأنا حاضر ذلك من أمرهم وقول على فيهم.
وهذه الأحاديث تصف الخوارج بأنهم طائفة مارقة من الدين، يتصفون بالتشدد فيه، يدخلون فيه ثم يخرجون منه سريعًا دون أن يعوا منه شيئاً، وأن قلوبهم لا تفقه القرآن ويحملونه على غير المراد به، وليس لهم من الإيمان إلا مجرد النطق به، وأنهم حرموا من معرفة الحق والاهتداء إليه.
مقتل عثمان.. لا دينهم دينى ولا أنا منهم
حاصر أهل الأمصار الغاضبين القادمين من مصر والكوفة والبصرة، دار أمير المؤمنين عثمان بن عفان، طالبين منه عزل عماله ورد مظالمهم، مهددين إياه بالخلع أو بالقتل إذا لم يستجب لمطلبهم، فخاطبهم طويلًا قبل أن يشير لهم إلى أن قتله سيفتح باباً للعنف لن يغلق أبداً، قائلاً: «فإنه لا يحل إلا قتل ثلاثة: رجل زنى بعد إحصانه، أو كفر بعد إيمانه، أو قتل نفسًا بغير حق، فإنكم إذا قتلتمونى وضعتم السيف على رقابكم، ثم لم يرفع الله عنكم الاختلاف أبداً».
فكان من ضمن ردهم عليه قولهم تبريرًا مقدمًا لأول عملية قتل واغتيال وإرهاب فى التاريخ الإسلامى: «إنا نجد فى كتاب الله قتل غير الثلاثة الذين سميت، قتل من سعى فى الأرض فساداً، وقتل من بغى ثم قاتل على بغيه، وقتل من حال دون شىء من الحق ومنعه وقاتل دونه، وقد تمسكت بالإمارة علينا، فإن زعمت أنك لم تكابرنا عليه فإن الذين قاموا دونك ومنعوك منا إنما يقاتلون لتمسك بالإمارة، فلو خلعت نفسك لانصرفوا عن القتال معك».
وكانت مدة الحصار أربعين يوماً، وبعد مضى ثمانى عشرة ليلة حالت بينه وبين الناس، ومنعوا عنه كل شىء حتى الماء، فأرسل عثمان إلى على سرًا وإلى طلحة والزبير رضى الله عنهما وأزواج النبى، إنهم قد منعونى الماء فإن قدرتم أن ترسلوا إلينا ماء فافعلوا، فكان أولهم إجابة على، وأم حبيبة زوج النبى.
فأشرف عثمان على الناس فاستدعى عبدالله بن عباس، فأمره أن يحج بالناس، وكان ممن لزم الباب، فقال: جهاد هؤلاء أحب إلى من الحج، فأقسم عليه فانطلق، ورمى عثمان إلى الزبير بوصيته فانصرف بها.
وفى السابع عشر من ذى الحجة، قال عثمان للذين عنده فى الدار من المهاجرين والأنصار، وكانوا قريبًا من سبعمائة فيهم عبدالله بن عمر، وعبدالله بن الزبير والحسن، والحسين، ومروان، وأبو هريرة وخلق من مواليه ولو تركهم لمنعوه، أقسم على من لى عليه حق أن يكف يده، وأن ينطلق إلى منزله، ويخرج دون قتال، فخرجوا وقال من أغمد سيفه فهو
حر، فبرد القتال وخرج الحسن بن على وهو يقول: لا دينهم دينى ولا أنا منهم.
ونادى أبوهريرة فيهم بالآية الكريمة {وَيَا قَوْمِ مَا لِى أَدْعُوكُمْ إلى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِى إلى النَّارِ}.
وفى الثامن عشر من ذى الحجة، سنة ست وثلاثين، اقتحم المحاصرون عليه الدار بالباب، وضربه «الغافقى» بحديدة معه وضرب المصحف برجله، فاستدار المصحف واستقر بين يديه وسالت عليه الدماء، وجاء سودان ليضربه، فأكبت عليه امرأته واتقت السيف بيدها، فنفح أصابعها فأطن أصابع يدها وولت، فغمز أوراكها وقال: إنها لكبيرة العجز! وضرب عثمان فقتله».
وكان عثمان يقرأ فى المصحف وسقط دمه على قوله تعالى «فسيكفيكهم الله» الآية 137 من سورة البقرة، وقيل إن عمرو بن الحمق وثب على صدره وبه رمق فطعنه تسع طعنات، وقال عنهم بعدها فأما ثلاث منها فإنى طعنتهن إياه لله -تعالى- وأما ست فلما كان فى صدرى عليه»، ووثب عليه عمير بن ضابئ، فكسر ضلعًا من أضلاعه وهو يقول «سجنت أبى حتى مات فى السجن»، أرادوا قطع رأسه، فصرخت فيهم زوجته فتركوه، ثم قاموا بنهب بيت المال.
وكان عثمان حينما قتل قد قارب على بلوغ تسعين سنة.
مرجعيات التكفير والتطرف تبلورت فى خلافة على
يرى بعض الفقهاء والمؤرخين، أن نشأة الخوارج بدأت بالخروج على عثمان عنه فيما يسمى بأحداث الفتنة الأولى والتى انتهت بقتله، حيث يسمى ابن كثير الذين ثاروا على عثمان وقتلوه خوارج فيقول: وجاء الخوارج فأخذوا مال بيت المال وكان فيه شىء كثير جداً.
وتوافقت الأغلبية من الفقهاء على أن نشأتهم بدأت بالخروج على على، بعد تفجر مشكلة التحكيم بينه وبين معاوية بن أبى سفيان خلال معركة صفين، حيث تبلورت مواقفهم العقائدية وآرائهم الفقهية، والتى تحددت ملامحها بشكل كبير بظهور طائفة المحكّمة، ثم حركة الأزارقة، حيث يشير أحمد أمين إلى أن اسم الخوارج جاء من أنهم خرجوا على على وصحبه.
ويصفون أيضًا بأنهم هم جماعة القراء الذين طالبوا على بالاستجابة للتحكيم إلى كتاب الله، بعد أن رفع أنصار معاوية المصاحف على أسنة الرماح حينما حاقت بهم الهزيمة، قائلين «يا على أجب القوم إلى كتاب الله إذ دعيت إليه وإلا قتلناك كما قتلنا ابن عفان، فوالله لنفعلنها إن لم تجب».
وقد اعتقد هؤلاء القراء أن الدين يأمر بذلك، ولهذا فما ينبغى لهم الإعراض عن قبوله واحتجوا بقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إلى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ}، ولقد تبين مصداق وصف الرسول لهم بأنهم يقرأون القرآن لا يجاوز حلوقهم وأنهم أهل عبادة.
وكما أجبر الخوارج على على قبول التحكيم، أجبروه على اختيار أبى موسى الأشعرى، بدلًا من رغبته فى اختيار عبدالله بن عباس، وقالوا له هو منك، كما رفضوا الأشتر، وطلبوا رجلاً لم يكن قد انحاز إلى أى من الجانبين، وانتهى التحكيم إلى وثيقة تقرر فيها رضا الطرفين بالرجوع إلى كتاب الله حكماً بينهما، فإن لم يوجد فإلى سنة نبيه، وأن الكل ضد المخالف لما يتفق عليه الحكمان، وأن أجل القضاء إلى رمضان.
وكان إعلان الوثيقة بداية الخروج، فحينما قرأه الأشعث على الناس هاج هؤلاء، وكان أول الخارجين عروة بن أدية وقال المقولة الشهيرة بداية كل كوارث التطرف والإرهاب حنى يومنا هذا «أتحكمون فى أمر الله عز وجل الرجال، لا حكم إلا الله».
وبعد أن أكرهوا «على» على قبول التحكيم وتوقيع الوثيقة طلبوا منه نقض ما عاهد عليه وشرط على نفسه بقولهما له: «تب من خطيئتك وارجع عن قضيتك، واخرج بنا إلى عدونا نقاتلهم حتى نلقى ربنا. فقال «على» «قد أردتكم على ذلك فعصيتمونى وقد كتبنا بيننا وبين القوم كتاباً وشرطنا شروطاً وأعطينا عليهم عهوداً وقد قال تعالى {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ إذا عَاهَدتُّمْ}، فقرروا الخروج عليه وأعلنوا تكفيره، وأنهم لا يصححون الزواج إلا باعتقاد البراءة من على وعثمان، ويقدمون ذلك على كل طاعة، وذهبوا إلى الكوفة وأعلنوا بيعتهم الراسبى.
وفى خطبته بعد البيعة وضع عبدالله بن وهب، جذور الأسس الفكرية لمرجعيات التطرف وتكفير المجتمع وضرورة الهجرة وإقامة المجتمع البديل، حيث خاطبهم قائلًا «فاخرجوا بنا إخواننا من هذه القرية الظالم أهلها إلى بعض كور الجبال أو إلى بعض هذه المدائن، منكرين لهذه البدع المضلة»، وكان قد عرف عنه شدة التقوى والورع والعبادة حتى سمى بذى الثفنات، لخشونة يديه من جراء وضعهما على الأرض لكثرة وطول سجوده فى صلاته.
وتوالت خطب قادتهم لتضع معالم طريق التكفير والخروج على المجتمع فقال حرقوص بن زهير فى خطبته «إن المتاع بهذه الدنيا قليل، وإن الفراق لها وشيك، فلا تدعونكم زينتها أو بهجتها إلى المقام بها، ولا تلتفت بكم عن طلب الحق وإنكار الظلم {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ}، وحثهم زيد بن حصن الطائى على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وتلا عليهم آيات من القرآن منها قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} والآية التى بعدها: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} وهاجم أنصار على بأنهم قد اتبعوا الهوى ونبذوا حكم الكتاب، وجاروا فى القول والأعمال، وأن جهادهم حق على المؤمنين، ثم حرض أولئك على الخروج على الناس وقال فى كلامه: «اضربوا وجوههم وجباههم بالسيوف حتى يطاع الرحمن الرحيم، فإن أنتم ظفرتم أطيع الله كما أردتم وأثابكم ثواب المطيعين له العاملين بأمره، وإن فشلتم فأى شىء أفضل من المصير إلى رضوان الله وجنته».
اتقوا الله فى التمرة والخنزير.. وقتلوا أصحاب رسول الله
تعد قصة قتل الخوارج لعبدالله بن خباب، ابن صاحب رسول الله، نموذجاً مجسماً للإرهاب والتطرف الذى لا يقبله شرع ولا دين، فالرجل كان يسير قرب النهروان معه زوجته حامل وبعض النساء والجوارى، حاملًا على صدره قرآناً، وإذا هؤلاء يعترضونه، فى مشهد لا يختلف كثيرًا عما تمارسه وتسير على نهجه «داعش» وغيرها من هذه الجماعات الإرهابية الحالية. ولنترك ابن الأثير يروى هذا الحادث الإجرامى اللإنسانى بما يجمل من فظائع وتناقضات وهوس مرضى.
يقول ابن الأثير: «لما أقبلت الخارجة من البصرة حتى دنت من النهروان رأى عصابة منهم رجلاً يسوق بامرأة على حمار، فدعوه فانتهروه، فأفزعوه وقالوا له: من أنت؟ قال: أنا عبدالله بن خباب صاحب رسول الله، فقالوا له: أفزعناك؟ قال: نعم قالوا: لا روع عليك، حدثنا عن أبيك حديثاً سمعه من رسول الله تنفعنا به. فقال: حدثنى أبى عن رسول الله أنه قال: «تكون فتنة يموت فيها قلب الرجل كما يموت فيها بدنه، يمسى فيها مؤمنًا ويصبح كافراً، ويصبح كافرًا ويمسى مؤمناً»، وفى رواية أخرى تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشى، والماشى فيها خير من الساعى، فإن أدركتك، فكن عبدالله المقتول».
قالوا: لهذا الحديث سألناك، فما تقول فى أبى بكر وعمر؟ فأثنى عليهما خيراً. قالوا: ما تقول فى عثمان فى أول خلافته وفى آخرها؟ قال: إنه كان محقًا فى أولها وفى آخرها. قالوا: فما تقول فى على قبل التحكيم وبعده؟ قال: إنه أعلم بالله منكم، وأشد توقياً على دينه، وأنفذ بصيرة. فقالوا: إنك تتبع الهوى، وتوالى الرجال على أسمائها لا على أفعالها، والله لنقتلنك قتلة ما قتلناها أحداً.
فأخذوه وكتفوه، ثم أقبلوا به وبامرأته، وهى حبلى، حتى نزلوا تحت نخل، فسقطت منها رطبة، فأخذها أحدهم فألقاها فى فيه، فقال بعضهم؟: أخذتها بغير حلها وبغير ثمن، فألقاها، ثم مر بهم خنزير لأهل الذمة، فضربه أحدهم بسيفه، فقال بعضهم: خنزير معاهد فبم استحللته؟ هذا فساد فى الأرض، فلقى صاحب الخنزير فأرضاه.
فلما رأى ذلك منهم ابن خباب قال: لئن كنتم صادقين فيما أرى، فما على منكم من بأس، إنى مسلم ما أحدثت فى الإسلام حدثاً، ولقد آمنتمونى قلتم: لا روع عليك، فأضجعوه فذبحوه، فسال دمه فى الماء، وأقبلوا إلى المرأة فقالت: أنا امرأة، ألا تتقون الله! فبقروا بطنها، وقتلوها وقتلوا معها ثلاث نسوة.
وفى واقعة مماثلة يقول الشاطبى «روى أن عبادة بن قرط غزا فمكث فى غزاته تلك ما شاء الله ثم رجع مع المسلمين منذ زمان، فقصد نحو الأذان يريد الصلاة، فإذا هو بالأزارقة - صنف من الخوارج - فلما رأوه قالوا: ما جاء بك يا عدو الله؟ قال ما أنتم يا إخوتى، قالوا أنت أخو الشيطان لنقتلنك، قال أما ترضون منى بما رضى به رسول الله ؟! قالوا وأى شىء رضى منك؟ قال: أتيته وأنا كافر، فشهدت أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله فخلى عنى. قال: فأخذوه فقتلوه».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.