توفيت زوجتى بعد صراع مع المرض استمر حوالى 21 عاماً ، كنت خلالها وفيا لها ، فلم أهنها أو أتضجر منها حتى لقيت ربها وتركت ابنتين متزوجتين ومستقرتين فى بيتهما ، وأنا أعيش وحيداً وقد تجاوزت السبعين من عمرى ، وأحتاج إلى من يؤنس وحدتى خلال المرحلة القادمة ، لكن ابنتىَّ ترفضان أن تحل أى امرأة محا أمهما .. وترفضان أن أتزوج فى بيتها وأنا فى حيرة من أمرى ، أخشى ان أغضبهما وفى الوقت ذاته أريد زوجة تحدثنى وأحدثها ، وتؤانسنى وأؤانسها ... فهل من كلمة لابنتىَّ لإقناعهما بوجهة نظرى ، وأن هذا لا يتعارض مع وفائى لأمهمها. أعراف ومخاوف يجيب د.محمد المهدي، الطبيب النفسي، على صاحب المشكلة من خلال مجلة "الزهور" قائلا: الزواج حق شرعى وإنسانى لكل رجل وامرأة يستطيعان القيام بتكاليفه وتحمل مسئوولياته: عملا بحديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) : "من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" والباءة هنا يفسرها العلماء بمعنى الاستطاعة بكل جوانبها المادية والمعنوية. والمشكلة فى حالتك هنا مشكلة اجتماعية نفسية ، بمعنى أن ابنتيك لا يحتملان وجود امرأة غريبة فى منزل الأسرة تحل محل أمهما ، وهذا أمر مرتبط بعادات وتقاليد وأعراف اجتماعية ليست لها علاقة بالناحية الشرعية . كما أن ثمة غيرة لدى البنت على أبيها ، فهى تريده ملكاً لها ، ولا تحتمل بسهولة أن تأخذه امرأة أخرى ، ويضاف إلى ذلك حالة غيرة بالوكالة ، بمعنى أن البنت تغار بالنيابة عن أمها التى توفيت ، وتعتبر أن الزوجة الجديدة ضرة لها ويحتمل أن تتخوف ابنتاك من أن الزوجة الجديدة ربما تؤثر فيك بشكل أو بآخر ، فتتغير مشاعرك نحوهما أو تحدث هى مشكلات داخل نطاق الأسرة ، وقد يفكران فى مشكرت تتعلق بالميراث ، أو تخشيان أن تنجب لهما الزوجة الجديدة طفلاً يزاحمهما فى الميراث ، أو يتحملان مسؤولية تربيته. وربما يضاف إلى ذلك رغبتهما فى الحفاظ على صورتك وهيبتك أن تهتزا فى هذا الزواج حين لا تستطيع القبام بمتطلباته، أو تكون طرفاً ضعيفاً فيه بسبب ظروف السن . كل هذه تخوفات وتحفظات قد يكون بعضها أو كلها ينتاب ابنتيك ، ويجعلهما يتخوفان من زواجك ، وقد يكون بعضهما حقيقة واقعية ، وقد يرجع ذلك إلى خبرات مجتمعية لزيجات مماثلة أحدثت انشقاقات أو مشكلات داخل الأسرة. وهذا يستدعى أن تجلس معهن ، وتناقش مخاوفهن وتحفظاتهن ، وتضعها فى الاعتبار، كما تشرح لهن مدى احتياجك إلى من تؤنس وحدتك وتلبى احتياجاتك ، بل وتستشيرهن فيمن تفكر أن ترتبط بها حتى تطمئن على قدرتها على الحفاظ على العلاقات الأسرية بينكم، وأنها ستراعى الله فيك وفيهن . إعفاء من المسئولية وإلى ابنتيك أقول : حاولا أن تفكرا فى راحة أبيكما وفى احتياجاته فى هذه السن، فكل واحدة منكن تعيش فى بيتها وحده ، وقد لا تنفعه تلك الأوقات القصيرة التى تزورانه فيها، كما أن هناك أشياء لا تستطيعان القيام بها نحوه ، وهو قد عاش وفياً لأمكما مخلصاً لها ولم يتزوج عليها فى حياتها ، وزواجه الآن لن يؤذيها فى شىء . وإذا كانت لديكن أى تحفظات أو تخوفات فناقشاها معه ووضحاها له ، ولكن فى النهاية لا تفكرا فقط فيما يريحكما، ولكن فكرا أيضاً فيما يريحه ، بل إن من البر به أن تهتما باحتياجه فى هذا الأمر ، وأن تتحملا بعض المشكلات التى قد تنشأ بسبب زواجه وتعتبرا ذلك نوعًا من المجاهدة لنفسيكما ، وأن تتخلصا من مشاعر الأنانية وحب التملك التى تنشأ فى مثل هذه الحالات . واعلما أن الله أحل له هذا الأمر ، ولم يضع سناً معينة له وإنما فقط القدرة عليه، ومسألة القدرة هذه نسبية ، وقد تشيران عليه بأن يختار زوجة قريبة من سنه ذات شخصية ناضجة تحقق له احتياجاته فيمن يؤنس وحدته ، وفى نفس الوقت لا تحمله فوق طاقته ولا تشكل عائقاً فى علاقتكما به، ولكن لا ترفضا هذا الأمر بشكل مطلق، فوحدته قد تدخله فى حالة من الاكتئاب وقد تتدهور صحته ويكون عبئاً عليكما ، أما لو كانت له زوجة فهى ستتحمل مسئولية رعايته وتعفيكما من كثير من المسئوليات تجاهه وستفعل ذلك بصفتها زوجة على سنة الله ورسوله، يفضى إليها بكل شىء دون حرج وهذا ما لايستطع فعله مع شخص آخر . وفقكما الله لبر والدكما ورعايته وأعانكما على مخاوفكما ومشاعر الغيرة والقلق والأنانية والتملك لديكما.