ضاقت السبل ولم تجد السيدة «بمبمة قادن» أم الخديو عباس، وهى السيدة التى كانت تعرض الجوارى الجميلات الفاتنات على السلطان ليختار من بينهن من تشاركه ليلته! هذه السيدة لم تجد باباً تقرعه أو مسئولاً تلجأ إليه لتشكوا إليه حالها الذى بكى عليه كل من يمر على السبيل المسمى باسمها، والذى يقع حالياً فى منطقة القلعة ليروى ظمأه بعد أن انقطعت مياه الشرب عن المريدين للسبيل، واختفت منه المدرسة التى ألحقتها الست «بمبة» بالسبيل الذى أنشأته خصيصاً على روح ابنها الخديو عباس بعد مقتله ب13 عاماً، والمؤسف أن السبيل التفت حوله كل أنواع «الزبالة» من كل جانب، وأصبحت صناديق القمامة التى وضعتها محافظة القاهرة تزين السبيل فى مشهد يدعو للشفقة ويكشف مدى إهمال المسئولين فى المحافظة وحى الخليفة فى الحفاظ على أثر مهم بحجم سبيل أم عباس، الغريب أن الست «بمبة» التي كانت في يوم من الأيام السيدة الأولى للمصريين فى قصر الخديو عباس الذى حكم مصر سبع سنوات، لم تجد محافظ القاهرة أو وزير الآثار حينما ذهبت إليهما لتشكو حالها بعد انقطاع الصدقة الجارية التى أنشأتها على روح فقيدها خديو مصر من أجل الفقراء غير القادرين على تكاليف مياه الشرب والتعليم. فسبيل أم عباس ألحقت به مدرسة لتعليم الأطفال والبنات من أبناء الفقراء بالمجان! ولم تعرف الست بمبة أن حاله سيصبح مزرياً بعد أن طاله الإهمال وأكله الفساد الذي استشرى فى جسد أحفادها من كبار القوم المنوط بهم حمايتها والحفاظ على عمل خيرى كانت تعتقد أنه سيستمر بعد وفاتها وغياب سلطتها! سبيل أم عباس «1284ه/1867م» بالقاهرة أنشأته بمبة قادن أم عباس باشا وزوجة الأمير أحمد طوسون باشا، يقع السبيل عند تقاطع شارع الركبية وشارع السيوفية مع شارع الصليبة أمام حمام الأمير شيخو بالقاهرة. خصص سبيل أم عباس لتوزيع مياه الشرب النقية المعطرة بماء الورد والزهر على المارة طلباً للثواب واستجلاباً للدعاء، فقد ألحقت به السيدة «بمبة» كتاباً أو مكتباً عينت به معلمين لتعليم الأطفال العلوم الحديثة، كما فى المدارس الحكومية على عهد الخديو إسماعيل، وقد وفر السبيل مياه الشرب للمارة وأيضاً للبيوت التى لا يقدر أصحابها على تحمل أجور السقائين. ولأن الكلام عن سبيل أم عباس لا ينقطع، كما انقطعت المياه عنه، نرى أن تضع وزارة الآثار دلوها فى السبيل، وتعيد فتحه للجمهور لقاء أجر رمزى لتشجيع السياحة خاصة أن السبيل تحيطه الآثار الإسلامية من مساجد وقلاع ويكتظ بعشرات الآلاف من السكان الذين يقفون يومياً لاستقلال وسائل النقل المختلفة من أمام السبيل وسط حكايات الغريب والفتاوى وشرح الناس بعضهم لبعض عن تاريخ السبيل الذى لا تملك معه إلا أن تنفجر حزناً.