وجوه خائفة تترقب ما يحدث، أطفال يصرخون من شدة الخوف، رجال أعينهم مع كل طوبة تتساقط من العقار، ونساء هزمتهن الدموع، والأرض تغطت بلون الغبار، حناجر المواطنين هلكت من الآهات صباحًا لما حدث، وأكملت فى المساء لما سوف يحدث لهم. عائلات بالكامل نزحت ودُمرت منازلهم، افترشوا الأرض ونظروا إلى السماء داعين الله عز وجل أن يلطف بحالهم، بعد ان انفضحت عوراتهم، وبات تشردهم جراء آمالهم المشروعة في غد أفضل لم يروا له مقدمات، عبر سنوات طويلة بحكومات ورؤساء مختلفين فى الأسماء فقط. فمجرد دخولك منطقة أبو الريش بالسيدة زينب، منذ عصر أمس الأول، ستجد عويل سكان العقارين المنهارين، على فقدان بيوتهم التي يحتمون بها، ثم تذللهم لموظفي الحي ليوفروا لهم البديل، ونظرات الوداع المليئة بالدموع من أعلى سيارات نقل تم استئجارها لنقل ممتلكاتهم، وصولاً إلى طفلة تبكي على لعبتها التي بقيت تحت الانقاض وتركتها، ومسنات على رصيف الطرقات ينتظرن مأوى لهم، وحالتهن لا تسر «عدوًا» ولا «حبيبًا». بداية الواقعة.. أول أمس الأول، تفاجأ سكان عقار، المكون من 4 طوابق، المجاور لمستشفى أطفال الطلبة بأبو الريش التابع للتأمين الصحي، بحدوث انهيار جزئي للعقار، وسقوط بعض الاجزاء بالداخل، كذلك سقوط السلالم، وتم تحرير محضر بقسم شرطة السيدة زينب، الذين أبلغوا الحي التابع لنفس المنطقة، وأرسل موظف من الإدارة الهندسية، الذي طالب الأهالي بإخلائه فورًا، دون توفير سكن بديل، وبالفعل استمر الأهالي على مدار اليوم بإخلاء المنزل. وببلوغ عصر أمس الأول، انهار العقار، حيث تلقت غرفة عمليات الحماية المدنية بمحافظة القاهرة، بلاغًا بانهيار العقار، وانتقل اللواء علاء عبد الظاهر نائب مدير الحماية المدنية للمكان للوقوف على ملابسات الواقعة. واستمرت قوات الدفاع المدنى، حتى الساعات الأولى من أمس، فى عمليات البحث عن أشخاص أسفل ركام العقار، ورفع الحطام بأربعة لوادر، وعربيتين «ونش»، ودفعت الصحة بعدد من سيارات الإسعاف، وذلك بعد أن حدثت اختناقات للمواطنين نتيجة انتشار الغبار. فيما شكلت قوات الأمن المركزي، سلسلة بشرية أمام المواطنين، المتجمعين لمساعدة قوات الحماية المدنية، خوفًا من سقوط أجزاء من العقار أثناء عمليات الإزالة، كذلك أغلقت الشارع أمام السيارات المارة وتحويل الطريق إلى الشوارع الجانبية، كما تواجد عدد من ضباط مباحث قسم شرطة السيدة زينب لاستجواب شهود العيان حول الواقعة. «المصائب لا تأتي فرادى» للأسف ربما هذا أفضل وصف للمأساة، فقد أصيب شخصان تصادف مرورهما أسفل العقار المنهار، بكدمات بسيطة وتم إسعافهما عن طريق إحدى سيارات الاسعاف المتواجدة فى مكان الحدث، كما تحطمت ثلاث سيارات كانت أسفل المنزل لمواطنين يسكنون فى عقار مجاور. أما عن المشكلة الأكبر، فقد أمر حي السيدة زينب، بهدم العقار المجاور، للعقار المنهار، والمكون من طابقين، بعد حدوث تصدعات وتشققات كبيرة به، والذين لم يختلف وضعهم عن جيرانهم، فجميعهم يبحثون عن البديل. «مصائب قوم عند قوم فوائد» الجميع منشغل إلى حد التخوّف مما يحدث، فالحماية المدنية تبحث عن الضحايا وعمليات الإزالة، والأمن يغلق الطريق، والإسعاف يسعف المصابين، وسكان العقارين يبحثون عن البديل، إلا مجموعتين استغلوا انشغال هؤلاء، وذهبوا للبحث عن مصالحهم. المجموعة الأولى، انشغلوا فى البحث عن الأجهزة الكهربائية المحطمة، والمتواجدة أسفل حطام العقارين، والمجموعة الأخرى تخصصت فى جمع الأطعمة الخشبية وبقايا الأثاث المنزلي، وجمع هؤلاء البقايا على «تروسيكل» وفروا هاربين. إخلاء الغرف المقابلة للعقارين قال مصدر بمستشفي أطفال مصر، إن أمن المستشفي أغلق الباب الخلفي، وذلك لمجاورة العقارين المنهارين، وفتح الباب الرئيسي لاستقبال جميع الحالات، سواء كانت بسبب العقار أو حالات أخرى. بينما أوضح المصدر، أنه تم إخلاء الغرف المقابلة للعقارين، نتيجة تصاعد الغبار بشكل كبير، مما قد يؤثر على المرض، وتوفير غرف أخرى لهم لحين الانتهاء من عمليات الإزالة. فيما أكد مصطفى رضا برئاسة حي السيدة زينب، فى تصريحات صحفية، إن المحافظة تحركت لتوفير وحدات سكنية بمدينة السادس من أكتوبر، لأسر العقار المنكوب بمنطقة أبو الريش. «رضينا بالهمّ والهمّ مش راضى بينا» عاشت «الوفد» مع سكان العقار المنهار، والمجاور له المهدوم، لليلة كاملة، لعرض قصص مآسٍ انسانية لبعض الحالات، والتعرف على مشاكلهم وأحلامهم البسيطة فى الحياة، عسى أن يكون لنا دور فى عرض هذه المشاكل على المسئولين. «أنا برده مش زعلان منك.. هو ممكن ميكونش عارف ايه إللى بيحصل.. احنا شعب مصر إللى بتحبه وبنحبك».. وبكثير من الألم تحدث « أحمد سلامة» ، عن الرئيس السيسي، وتابع الحديث قائلاً:« يا سعادة الرئيس أنا وعيالي فداك.. عايز ترمينى فى الشارع أنا خدامك وتحت أمرك.. بس حرام إللي بيحصل فينا.. إللي يخلينا نقعد فى منطقة كلها أمراض مش حب فيها، بس مفيش غيرها، ما بالك دلوقتي مفيش مكان خالص نقعد فيه أنا وعيالي.. يا ريس احنا رضينا بالهم والهم مش راضى بينا». وتابع «سلامة»، قائلاً:« يا ريس احنا هنا كلنا مش قادرين نقف على رجلينا مع تعب الحياة والمصاريف، بس كنا بنلاقي مكان ننام فيه، طيب دلوقتي مفيش حتى السترة، هنترمي فى الشارع، وهنفضل أيام نجري فى ورق المحافظة علشان نقدر ناخد شقة بديلة». بينما قال عبد اللطيف متولي، أحد سكان العقار المنهار، إن أحد موظفي حي السيدة زينب، تحدث مع سكان العقارين، ووعدهم بتوفير بديل عن منازلهم، فى السادس من أكتوبر والعاشر من رمضان. وأوضح متولي، قائلاً:« احنا انتخبنا السيسي علشان قال انه يعطي كل واحد من الفقراء حقه.. بس احنا كدة حقنا رايح .. احنا مش عايزين كتير .. كل إللي بنطلبه شقة صغيرة أقدر أطمن فيها على ولادي ومراتي لما أروح شغلي». أما « أم سمر»، قالت والدموع تنهمر بغزارة على وجنتيها « أنا عندي السكر والضغط، ومش قادرة على القاعدة فى الشارع، ومفيش حد فى عائلتي أقدر أروح له، كل واحد فيهم مش قادر يعيش.. أنا عايزة شقة ألم أولادي فيها بس كدة.. هروح فين بعيالي.. من امبارح وانا مرمية فى الشارع».