لم يشهد عالم الفن مثله قبل مجيئه إلى الدنيا عام 1946، ولن يكون هناك من يشبهه بعد رحيله مساء أمس، بصمته النادرة جعلته خلال رحلة المجئ والرحيل علامة مميزة ومضيئة، كثيرون أرجعوا ذلك إلى وسامته الشديدة، والبعض الآخر أكد أنه لآدائه الطبيعي والبسيط، وبين هذا وذاك يظل الراحل "محمود عبدالعزيز" ساحر وفنان لن يتكرر مرة ثانية. عَشق "الساحر" الفن منذ السابعة من عمره، وبالرغم من رغبة جميع من حوله في دخوله كلية الزراعة، إلا أن التمثيل ظل كالشبح يؤرق ليله فاتجه إليه كالمجذوب، وبحث عن مسرح الجامعة هنا وهناك، حتى التحق به وصعد من خلاله أول سلم في طريق عالمه الفني الكبير، وقدم من خلاله أعمال فنية مثلت بدايته. كان فنانًا شاملًا بمعنى الكلمة، فحين يقف أمام الكاميرا لا تجد ممثلًا فقط أو كوميديًا فقط أو مغنيًا فقط، ولكنه مزيج من هذا وذاك وتلك، يستطيع أن يأسرك بتمثيله الدرامي الجاد، وآفيهاته التي لا تنسى، وأيضًا أغانية الشعبية التي نافست كبار مطربي اللون الشعبي. على صعيد التمثيل، كان يجيد الأعمال الكوميدية التي أخرجت الضحكات من قلوب الجماهير عنوة، فجسدها في أفلام "الكيف وأبو كرتونة والشقة من حق الزوجة"، حتى صُنف كممثل كوميدي لإجادة تلك الأدوار، وحين جسد أدوار "التراجيدي" في أفلام "إبراهيم الأبيض والعار" وضُع في قوائم فناني الدراما ليجمع بين هذا وذاك. تجلت موهبته الفنية، في المزج بين أكثر من دور، ونجاح في المزج بين الشخصية ونقيضها، وهو ما حدث في تقديمه دور الجاسوس بفيلم "إعدام ميت"، وبطل المخابرات المصرية الوطني من خلال مسلسل "رأفت الهجان"، ومثلت إجادته وفصله التام بين الشخصيتين علامة فارقة في تاريخه الفني الطويل. لم يملك الفنان الراحل يومًا صوتًا جيدًا، إلا أنه امتلك ما هو أغلى من ذلك، الحضور والقبول لدى الجماهير، فقد كان أدائه متميز وطريف جعل الجمهور يستمع لأغانيه الشعبية باستمتاع فاق سماعه لأي مطرب آخر، ما دفع الفنان لتقديم ألبومًا غنائيًا ضم أغانيه في فيلم "الكيف" ونجح من خلالها في منافسة نجوم الطرب الشعبي، بعدما تميز "عبدالعزيز" وعشق أجادة فن الغناء الشعبي. رحل "الساحر"، تاركًا ورائه أفلام ومسلسلات وأعمال فنية لا تُنسى كأي فنان عادي، إلا أن التميز هو أنه ترك علامات مضيئة في السينما المصرية، ليست عبر الأدوار ولكن من خلال "الأفيهات" التي علقت في أذهان المصريين والعرب وباتوا يرددوها من بعده، وأصبحت دليلًا على الكوميديا وخفة الظل. فمن منا ينسى كلمة "الإنسان ضعيف" من فيلم "إبراهيم الأبيض"؟، أو جملة "بحبك يا ستاموني مهما الناس لاموني" من فيلم "الكيف"؟، أو "أنا بشوف أحسن منك في النور وفى الضلمة كمان" من فيلم "الكيت كات"؟. فرصيده الفني، به ما يزيد عن 100 عملًا ما بين أفلام ومسلسلات تلفزيونية وإذاعية، ومسرحيات ومسلسلات لا تنسى، لاحقتها الجوائز والأوسمة هنا وهناك، حصد بها لقب أحسن ممثل عربي، من مهرجانات دمشق والقاهرة السينمائي والإسكندرية جميعها خلدت ذكراه. لم يهب الفن أو يخاف منه، بل اعطاءه الكثير من عمره، وأَهل أولاده الصغار للسير على نفس الدرب، فلم يتردد "عبدالعزيز" في دعم دخول ابنيه "محمد وكريم" الوسط الفني، بل أنه ساعدهما في بداية مشوارهما إكرامًا وفداءً للفن الذي أخذ كل حياته. ملك الفن والسينما رحل اليوم، ولكنه ترك سيرة عطرة وطيبة في الوسط الفني، ظهرت جلية في بكاء الكثيرون على جثمانه اليوم وهو يواري الثرى، فقد كان محمود عبدالعزيز يمتلك صداقات عديدة داخل الوسط الفني، أبرزهم: "ليلى علوي ويسرا وإلهام شاهين ويحيى الفخراني وحسين فهمي وسمير صبري".. لذلك سيبقى "عبدالعزيز" فنان لن يتكرر.