اختلفت الصحافة العالمية في رؤيتها للواقع المصري إلى الحد الذي يصل إلى التناقض، وفي الوقت الذي تطرح فيه إحدى هذه الصحف تساؤلا تجيب إحداها بالإثبات والأخرى بالنفي، مما يعكس حالة واضحة من التذبذب والتشويش، ربما تعاني منه تلك الصحف التي تعبر لا شك عن مجتمعاتها السياسية، وربما تحاول إضفاء المزيد من الاضطراب على الواقع المصري ومستقبله المنتظر. من جانبها تساءلت مجلة "التايم" الأمريكية عن إمكانية أن يكون فوز الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية يقرب المواجهة الحاسمة مع المجلس العسكري الذي قد يسعى لجلب رئيس ذى خلفية عسكرية كما كان يحدث في الماضي، لرئاسة البلاد، بجانب رفضه التنازل عن السيطرة على مقاليد الأمور، والرجوع إلى ثكناته. وأوضحت المجلة أن سيطرة الأحزاب الإسلامية لا تشكل قلقًا لكثير من المصريين ولكنهم يعربون عن مخاوفهم من أن هذه السيطرة وضعت الجيش والإسلاميين على قضيب واحد وقربت المواجهة الحاسمة بينهما خاصة أن الجيش لا يرغب في التنازل عن سلطاته وسيواصل التدخل في شئون البلاد حتى بعد الانتخابات الرئاسية، والإسلاميين سيرفضون ذلك. ومن اللافت للنظر أنه وقبل أن تطرح المجلة تساؤلها وتعبر عن حيرتها حول قضية الصراع بين العسكري والبرلمان والإسلاميين، كانت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتورز" تتوقع في اليوم السابق مباشرة احتمال حدوث صدام بين المجلس العسكري الحاكم وجماعة الإخوان المسلمين على خلفية تصريحات العسكري بالتدخل في صياغة الدستور. وقالت الصحيفة: إن رغبة المجلس العسكري فى السيطرة على البرلمان تصطدم برغبة الإخوان المسلمين مما قد يثير مواجهة بين الطرفين خاصة بعد مطالبة جماعة الإخوان المسلمين المجلس العسكري بالاعتراف بشرعية البرلمان المقبل. ولعل أكثر ما يثير الإنتباه أكثر من هذا وذاك هو رأي صحيفة "وول استريت جورنال" الأمريكية أيضا والتي استبعدت بنفس قوة سابقتها أي احتمال لوقوع تصادم بين المجلس العسكري الحاكم وجماعة الإخوان المسلمين على خلفية إعلان المجلس اعتزامه التدخل في صياغة الدستور. ودللت على ذلك بأن العسكري أكد على ضرورة الاتفاق على أعضاء اللجنة التي ستقوم بصياغة الدستور والتي من المفترض أن يشكلها الفائز في الانتخابات البرلمانية، وهم جماعة الإخوان، مشيرة إلى أنها لن تصطدم مع المجلس بل ستسعى إلى إبرام صفقة تتيح تدخلا أقل للجيش في صياغة من الدستور. وبالرغم من ذلك طرحت الصحيفة رؤية لا تعزز توقعها بسلامة الموقف بين العسكري والإخوان عندما قالت إن المجلس العسكري يسعى لتعزيز سلطاته من خلال صياغة دستور جديد للبلاد في محاولة لتقليل صلاحيات الإسلاميين الذين عززوا انتصارهم وتواجدهم في البرلمان في جولة الإعادة من المرحلة الأولى من الانتخابات، وهو ما قد يشير إلى إمكانية التصادم بينهما إذا تشبث كل طرف بمصالحه دون الآخر، وهو عكس ما أبرزته الصحيفة من عدم الصدام بينهما. وأشارت إلى أن المجلس العسكري بعد ظهور النتيجة أكد أنه لابد أن يوافق على تعيين أعضاء الجمعية التأسيسية الذين سوف يقومون بصياغة الدستور، وقال أحد أعضاء المجلس "إننا لن نفرض أشخاصا معينين.. ومع ذلك، ينبغي أن نتفق على الأشخاص قبل تعيينهم". وفي نفس السياق تخرج صحيفة "تليجراف" البريطانية بتعليقها الذي اتفق وعزز لرأي كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية وليختلف مع نظريتها وول ستريت جورنال وليجيب تساؤل تايم البريطانية ايضا قائلة بإن قرار المجلس العسكري الحاكم بتشكيل لجنة مكونة من 100 شخصية سياسية لصياغة الدستور، الذي تقع مهامه على البرلمان الجديد، جاء تخوفا من العسكري وضعف ثقته بالبرلمان القادم، الذي سيشهد نزاعات طائفية ودينية وصفتها الصحيفة بالتطرف. وأشارت الصحيفة إلى تصريحات المجلس العسكري أمس والتي أعلن بها أن البرلمان القادم ليس ممثلا للشعب المصري، وإن كان صعوده على اكتاف الديمقراطية وصناديق اقتراع حقيقية. وأوضحت الصحيفة أن دور اللجنة الدستورية التي يشكلها المجلس العسكري إشرافيا على عملية صياغة الدستور الجديد للبلاد، حتى لا ينفرد به الإسلاميون، في ظل التوقعات التي تشير إلى اندلاع النزاعات الطائفية بين الإخوان المسلمين والسلفيين والأقباط والليبراليين والعلمانيين.