بشرتنا صحيفة «الأهرام» فى عدد الجمعة الماضى، بانتقال ملف وثيقة المبادئ فوق الدستورية من الدكتور على السلمى إلى الدكتور عصام شرف، وقالت الصحيفة إن الدكتور «شرف» سيقود المشاورات التى ستجريها اللجنة السياسية بمجلس الوزراء لاستكمال مناقشة الوثيقة. ويحمل هذا الخبر دلالة واضحة تؤكد أن الأيدى التى تعبث بهذا الملف من صنيعة النظام الذى سقط، وتسير على النهج نفسه الذى كان يسير عليه شياطين مبارك.. فالمسألة بدأت بفكرة، ثم تبلورت فى وثيقة تحمل مبادئ لا يختلف عليها أحد، ثم تطورت إلى وثيقة شيطانية تجهض الثورة وتعيدنا 60 عاماً إلى الوراء.. ودفعت تلك الأيدى بالدكتور على السلمى إلى صدارة المشهد حتى إذا اشتد غضب الشعب تستبدله بشخصية أكثر قبولاً ليظهر وكأنه المنقذ ويدخل فى مفاوضات تتضمن حذف بعض المواد الخلافية وإنجاز مشروع الوثيقة وهو المطلوب تنفيذه. وفات على المخرج أن الجمهور الذى كان يدير ظهره إلى المسرح أصبح الآن فى قلب الحدث، وأن الشعب غضب غضبة الحليم، وأن الذى ذاق طعم الحرية على استعداد أن يضحى بنفسه من أجل الحفاظ عليها، ومرت الأيام ولم يظهر الدكتور عصام شرف، ولم يعقد أى اجتماعات، ولم يتحدث عن الوثيقة من قريب أو بعيد كأن الرجل يرفض أن يحترق بنارها. ولذا سلمنا بأن الأيدى التى تعبث بهذا الملف والتى مازالت مجهولة لنا حتى الآن من صنيعة النظام الذى سقط.. إلا أنها تفوقت عليه فى الغباء السياسى لسبب بسيط هو أن الرئيس المخلوع ونظامه كان يسمح لنواب البرلمان أن يناقشوا ويعترضوا ويحتجوا وينسجوا وينالوا من المنصة فى بعض الأحيان، ويمزقون لائحة المجلس فى أحيان أخرى.. كل هذا كان يحدث حراكاً داخل المجلس ويشعل جلساته.. صحيح أن الأغلبية الميكانيكية للحزب الوطنى كانت تحسم المناقشات وتنتقل إلى جدول الأعمال.. إلا أن مناقشات نواب المعارضة وثورتهم كانت تغير بعض السياسات والقوانين وتسبب حرجاً للحكومة أمام الشعب وللنظام أمام العالم الخارجى.. أما النواب فى ظل هذه الوثيقة لا تبدو كونهم مجموعة من «البصمجية» لا يحق لهم النقاش ولا إبداء الرأى ولا الاحتجاج أو الانسحاب، ولن يكون هناك مجال لتمزيق اللائحة أو الاحتداد على المنصة لأن كل شىء مفروض فى الوثيقة المشبوهة.. فإذا كانت المهمة الأساسية للبرلمان الجديد طبقاً للاستفتاء التاريخى الذى جسد إرادة الشعب هو اختيار جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد فإن الوثيقة حسمت الأمور.. فالمجلس الجديد لا يملك أى سلطة فى تشكيل الجمعية لأن المادة 15 من الوثيقة حددت طريقة تشكيل الجمعية، واشترطت أن يكون 80٪ من أعضائها من غير أعضاء مجلسى الشعب والشورى، وليس هذا فحسب، بل حددت الأعداد الممثلة لكل فئة.. والأغرب أن الأيدى الخبيثة التى تفوقت على نظام مبارك فى الغباء السياسى اشترطت ألا يزيد تمثيل أى حزب فى الجمعية على 5 أعضاء، وطبقاً لهذا النص فإن الحزب الذى سيحصل على النسبة الأكبر من ثقة الشعب فى الانتخابات ويحصد أكبر عدد من المقاعد لا يحق له ترشيح أكثر من 5 أعضاء فى الجمعية.. أى أن الشخصية المجهولة أو المعلومة التى صاغت الوثيقة فرضت وصياتها على ال80 مليوناً، وجعلت من المجلس الأعلى للقوات المسلحة وصياً على البلاد، حيث منحته الحق فى رفض أى نص من نصوص مشروع الدستور، وسحب الثقة من الجمعية التأسيسية التى شكلها البرلمان، وتشكيل جمعية تأسيسية جديدة تتولى إعداد مشروع الدستور خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تشكيلها، باختصار فإن الوثيقة المشبوهة تجعل من المجلس العسكرى هو الدولة والدولة هى المجلس العسكرى.. فالوثيقة فرغت الدستور من مضمونه قبل إعداده، وجردت الرئيس الجديد من سلطاته قبل انتخابه، وألغت دور البرلمان قبل أن يعقد أولى جلساته.. باختصار هى إعلان وصاية على البلاد.. وعلى نواب برلمان الثورة أن يقدموا فروض الولاء والطاعة ويبصموا دون مناقشة، وعلى الرئيس الجديد أن يجلس على كرسيه رئيساً مشوهاً لا حول له ولا قوة ولا مثيل له فى دول العالم.. فهو لن يكون مثل ملكة بريطانيا يملك ولا يحكم، ولا مثل رئيس الولاياتالمتحدة يحكم ويدير شئون البلاد لأنه سيعمل تحت الوصاية المنصوص عليها فى الوثيقة التى تجب الدستور المزمع إعداده. إننى أناشد الأحزاب والقوى السياسية التى رفضت أن تخون الشعب وأعلنت معارضتها للوثيقة المشبوهة أن تتوحد من أجل إسقاط الوثيقة أولاً، ووقف الحملات الانتخابية وتنظيم مظاهرات مليونية فى كل ميادين مصر من أسوان إلى الإسكندرية من أجل رفع الوصاية عن البلاد والدفاع عن حريتها وكرامتها.. ورفع شعار لا انتخابات فى ظل الوثيقة المشبوهة! إن إسقاط الوثيقة لابد أن يتبعه محاسبة كل من شارك فى إعدادها ومحاكمة الأيدى العابثة التى دبرت بليل على طريقة الرئيس المخلوع حتى لا تحاول العبث مرة أخرى وتكون عبرة لكل من تسول له نفسه العبث بمقدرات البلاد.