في جمعة النصر المبين 18 فبراير 2011، حاول الناشط السياسي وائل غنيم اعتلاء المنصة الرئيسية في ميدان التحرير لتوجيه كلمة إلى الحشود المحتفية بتنحي الرئيس السابق حسني مبارك، ولكنه لم ينجح في الوصول إلى المنصة، حيث منعه رجال كانوا حول الشيخ يوسف القرضاوي، الذي أمّ الحضور في صلاة الجمعة وتبعها بصلاة العصر قصرا، وكأنهم جميعا على سفر أو في أرض المعركة. وقتها خرجت الأصوات التي تقول إن الإخوان ركبوا ثورة الشباب، ربما يكون هذا صحيحا في هذا التوقيت، ولكن الآن فقد أصبح واضحا أن الرسالة التي وجهها رجال القرضاوي لوائل كانت واضحة: دوركم خلص، من النهاردة إحنا الثورة". بداية أقولها صراحة، السلفيون لم يشاركوا في الثورة، وإن حدثت مشاركة فإنها كانت في حالات فردية، وكثيرون منهم كانوا ضدها أساسا، ولم يكن هذا حبا في مبارك، ولكنه كان لسند ديني وهو أن الخروج على الحاكم سيجلب مفاسد أكبر من المنافع، وربما يكون هذا قد تحقق بالفعل لمن يرى الواقع بعقله. انطلقت شرارة الثورة بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين مع الإعلان عن نتائج انتخابات مجلس الشعب الأخيرة في نوفمبر الماضي. النتيجة كانت واضحة تماما، فقد قرر النظام البائد أن يلعب على الساحة منفردا، ولم يتخيل العواقب، كان هذا بسبب "غرور" و"غباء" النظام، ولو ترك جزءا من الساحة كي يمارس فيها الإخوان وبقية الأحزاب دورهم في السياسة، فإن يوم 25 يناير كان سيظل عيدا للشرطة. كي تنجح الثورة على الأرض كان يجب أن تكون هناك قيادة "ظاهرة" تخطط وتوجّه وتلعب على مشاعر الناس وتدفعهم إلى النزول للشارع، تلك القيادة كانت ممثلة في الدكتور محمد البرادعي وبعض أعضاء حركة 6 إبريل وعلى رأسهم أسماء محفوظ وبعض القوى الحزبية وعمر عفيفي من واشنطن، ولكن هذا بالطبع لا يكفي. يوم 28 يناير حدث في مصر ما لم يكن يتخيله أحد، قناصة في التحرير وقتلى وجرحى من المتظاهرين والشرطة، وحرق لعربات ومدرعات الأمن المركزي، أعقب ذلك انسحاب الشرطة، وهجوم جماعي على 150 قسم شرطة وعدد من السجون، وقتها وحتى الآن فإن كثيرين قالوا إن هذا كان مخططا من النظام السابق لإحداث فوضى عارمة في البلاد تؤدي إلى إبعاد الشعب عن الثورة، ولكن في هذا الصدد تجدر الإشارة إلى تصريحين خطيرين صادرين من "ثوري" و"مسئول حالي" ربما يقلبان الطاولة رأسا على عقب. التصريح الأول كان على لسان الدكتور مصطفى النجار، مؤسس حزب العدل، والمرشح في الانتخابات البرلمانية، قال فيه بالحرف في برنامج تليفزيوني: تدربنا في الخارج على كيفية "تحييد" الشرطة و"تحييد" أجهزة الدولة. والتصريح الثاني كان للواء منصور عيسوي وزير الداخلية وقال فيه إن تيارا سياسيا يتمتع بقوة كبيرة حاليا له دور في اقتحام أحد السجون للإفراج عن معتقلين سياسيين وأن هذه المسألة موضع تحقيق. بالنسبة للغتي العربية التي أحسبها على قدر جيد، فإن كلمة "تحييد" الشرطة تعني "إخراجها من اللعبة"، وبالعامية تعني "تخليها على جنب"، وإذا وضعت تصريح النجار وعيسوي مع بعضهما البعض ربما تصل إلى نتيجة وهي أن لتلك الثورة "صندوق أسود" لا يجرؤ أحد على فتحه الآن. لست خبيرا استراتيجيا أو مؤرخا، ولكن رؤيتي للثورة أنها كانت بقيادة الإخوان و6 إبريل والبرادعي ومنظمات المجتمع المدني وغيرها من الحركات الشبابية، وشارك فيها الشعب الذي تحركه أقدام أبو تريكه وجدو لينطلق بعفوية في الشوارع للاحتفال، وحرّكه الغضب والفساد ليثور على مبارك ونظامه أملا في مستقبل وحياة أفضل، نجحت الثورة وسقط مبارك، وتفرقت القيادة الثورية، فإذا بالشعب يكتشف في النهاية أنه وقع ضحية انقلاب سياسي عسكري تخريبي، فأصبحت وثيقة السلمي هي لب الصراع بين الإخوان والعسكري، وأصبح كرسي البرلمان هو الغاية للهيمنة على مقدرات الوطن. وفي النهاية أنا آسف يا مصر.