مازلنا فى صحبة الإنسان للتعرف عليه لعلنا نهتدى إلى مقولة «اعرف نفسك» لأن هذه المعرفة توصلنا إلى عظمة الخالق ومسئولية المخلوق فى معرفة قيمة خلقه وتفرده من بين مخلوقات الله: «لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم» التين - 4. ومن حيث مكانته فى الأرض ورسالته: «إنى جاعل فى الأرض خليفة» سورة البقرة - 30، ونقف أمام النشأة الأولى للإنسان.. كيف صار إنساناً؟ ومتى صار؟! «وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين، فإذا سويته ونفخت فيه من روحى، فقعوا له ساجدين»، هذه قبضة الطين تسوى جسداً، ثم تنفخ فيه الروح العلوية وهنا فقط يلتزم الملائكة بالسجود خضوعاً لأمر الله، ولم يأمرهم بالسجود للجسد المسوى على هيئة الإنسان، وإنما بعد نفخه الروح العلوية فيه، فالقيمة نشأت حين تلبست نفخة الروح بقبضة الطين فغيرت طبيعتها فشفت بالمعرفة والإدراك والإرادة والاختيار. فالإنسان عندما يكون على فطرته الحقة - مترابط من الجسد والروح حين تمنحه الروح المعرفة والإدراك والإرادة والاختيار - أى حين تحكمه الروح. ولا يكون على فطرته السوية حين يكون الجسد هو الحاكم، فيطمس إشعاعة الروح وشفافيتها، ويحجب المعرفة والإدراك والإرادة والاختيار ولا يحدث هذا الانفصال إلا إذا حدث اختلال فى كيان الإنسان وحتى فى حياتنا اليومية نعبر عن هذا الأمر عندما نجد إنساناً تارة أقرب إلى طيبة ونقاء الملائكة وأحياناً أخرى أقرب إلى الأشرار شريراً حين يحكم الجسد مزاجه، وخيراً حين تحكم الروح هذا المزاج، والخير والشر بذلك يصبحان واضحين محددين لا يلتبسان ولا يحاد الإنسان فيهما، إنه لا يلغى وجود الروح، ولكنه يطمس عليها بعتامة الطين فتختنق وتكبت إشعاعاتها التى تمنح الطين خفة وشفافية وانطلاقاً. فإذا ترك الإنسان وشأنه، فهو مشتمل على استعداده للخير والشر، فربما ينقلب وينتكس إلى أسفل،بسبب ثقل الطين، وعندئذ تصدق عليه التفسيرات المنحرفة التى تصور الحياة البشرية فى صورة حيوانية، كالتفسير المادى للتاريخ والتفسير الجنسى للسلوك البشرى، ولكن الخبير العليم بخلقه لا يترك الإنسان وشأنه لقد خلقه وهو يحبه ويعطف عليه ويريد له الخير، ولذلك يرسل الرسل يعرفونه المنهج الصحيح ويردونه إليه، والرسالات السماوية وإرسال الرسل لكى يعرفوا الإنسان المنهج الصحيح ويردونه إلى الطريق القويم، فالرسالات ذات مهمة رئيسية فى حياة البشرية،وليست نافلة يستغنى عنها حين نريد.