قد يستغرب الكثيرون من عنوان هذا المقال، وأن شخصيا لم يكن في بالي أن أعنون مقال بشكل محاسبي، ولكن الواقع فرض علي ذلك، حيث أن الوضع في سوريا لم يخرج عن كونه عملية تجارية سياسية بحته، لها دراسة جدوي وخطة تنفيذ ونتائج بخسائر وربحيه. وبحكم عملي كرجل قانون لا استطيع أن أتطرق لهذه المعادلة التجارية الساسية، وبالتالي لم أجد حلا سوي التطرق في باقي المقال فحسب عن النواحي القانونية للوضع في سوريا رغم اقتناعي بالمعادلة آنفة الذكر. قانونية الوضع في سوريا لقد تعرض العالم بأسره للمعاناة من ويلات النزاعات والجرائم المرتكبة بها والتي بدأت منذ نشأت الخليقة واستمرت حتي الوقت الراهن، فلم يخل عصر من العصور من أهوالها ومصائبها؛ ونحن نري هذه الأهوال تحدث في الوقت الراهن في العديد من الدول العربية أخص منها في هذا المقام دولة سوريا التي ترتكب فيها الآن أبشع الجرائم والمجازر التي يندي لها جبين البشرية. ويقف وراء هذه الجرائم النكراء رئيس الدولة وعدد من القادة المدنيين أو العسكريين السوريين، فترتكب إما بأمر أو تحريض منهم وإما بتقديمهم العون أو الإغراء أو الحث على ارتكابها، كما أنها قد ترتكب بواسطة القوات الخاضعة لسيطرة وسلطة هؤلاء القادة نتيجة إهمالهم وعدم اتخاذهم التدابير اللازمة لمنعهم من ارتكاب تلك الجرائم، أو معاقبتهم في حالة قيامهم بذلك، خاصةً وأن القانون الدولي الإنساني عهد إليهم (أي إلي القادة) بمهمة كفالة احترام مرءوسيهم للقواعد القانونية الواردة به. وقد كانت امكانية مساءلة الرؤساء جنائياً عن جرائمهم الدولية بمثابة الحلم الذي يصعب تحقيقه نظراً لأن هؤلاء الرؤساء يعدوا رمزاً لدولهم التي يحملون جنسيتها، كما أنهم يتمتعون بسلطات وحصانات جمة تصعب معها تلك المساءلة، ولكن بدا هذا الحلم يتحقق شيئاً فشيئا، بدأت من خلال المحاكمات التي تمت لعدد من رؤساء الدولة أشهرها علي الإطلاق الرئيس اليوغسلافي سلوبودان ميلوسوفيتش وفي الوقت الراهن الرئيس السوداني عمر البشير والرئيس الليبي معمر القذافي. وما يرتكب في سوريا الآن من جرائم يدخل في عداد الجرائم ضد الإنسانية، فهو متوافر فيها كافة شروط هذه الجرائم من حيث أنها تتطلب أن يرتكب فعلا من الأفعال المكونه لهذه الجريمة في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد عدد من السكان المدنيين. ويقصد بعبارة "هجوم" السلوك الذي ينطوي علي ارتكاب أعمال العنف، ولا يقتصر على القتال المسلح فحسب، بل يمكن أن يشمل أيضاً حالات من سوء المعاملة للأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية. أما عبارة "فى إطار هجوم واسع" فيقصد بها أن الجريمة ضد الإنسانية هى من نوع الجرائم الجماعية التى تستهدف عدداً كبيراً من الضحايا؛ فالاعتداء على ضحية واحدة لا يرتب مسئولية جنائية دولية على مرتكبه إلا إذا كان جزءاً من اعتداءات متكررة واسعة النطاق، أما عبارة "منهجى أو منتظم" فإنها تعنى أن يكون الفعل الإجرامى ارتكب بشكل مرتب ومنظم ولم يكن فعلا عشوائياً. ويلزم أن تكون الأفعال الإجرامية المكونة للجرائم ضد الإنسانية قد وقعت عملا لسياسة دولة أو سياسة منظمة (غير حكومية)، وهذه السياسة لا يشترط فيها أن تكون معلنة بل يمكن أن تكون ضمنية وهذا هو الغالب فى معظم الحالات. وإذا حللنا ما يحدث في سوريا في الوقت الراهن سنصل إلي إمكانية محاكمة الرئيس السوري وعدد من المسئولين عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية حيث أن هناك جرائم قتل وتعذيب ارتكبت ومازالت ترتكب في كافة أرجاء سوريا، وقد أدلى عدد من الجنود والضباط المنشقين عن الخدمة العسكرية باعترافات خطيرة، حين صرح هؤلاء بأن الأوامر صدرت إليهم بالقتل الجماعي للمتظاهرين لأجل التخلص منهم، وأنهم أمروا بقصف البيوت والمساجد على من فيها في مناطق معينة. (وقد يدخل ذلك ايضا في إطار جريمة الإبادة الجماعية). وقد ارتكبت هذه الجرائم ضد عدد كبير من الضحايا ( يصل عدد القتلي الآن إلي الالاف) وبشكل منظم في جميع انحاء دولة سوريا – علما بأن المحكمة الجنائية الدولية في أحدث قرارات القبض التي أصدرتها بخصوص الأوضاع في جمهورية الكونغو ذهبت إلي أن قتل 240 مدني هو دليل علي أن الهجوم كان واسع النطاق- وترتكب هذه الجرائم تبعا لسياسة الحكومة السورية. كما أنها ترتكب ضد السكان المدنيين لا العسكريين، فضلا عن توافر الركن المعنوي للجريمة والذي يتمثل في العلم بالجريمة واتجاة الإرادة إلي إحداثها. ويمكن اثبات هذه الجرائم من خلال الأدلة المادية وشهادات الشهود، فضلا عن توافر العديد من القرائن التي تساعد على إثبات التهمة على المتهمين. ويستلزم الأمر في سوريا الأن اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لمنع هذه الجرائم حفاظا علي الأمن والسلم الدوليين، خاصة أن الوضع في سوريا يشبه إلي حد كبير الوضع في ليبيا بل تعداه الي ارتكاب العديد من الجرائم المعاقب عليها دولياً، ويستلزم الأمر تدخل حاسم وسريع من مجلس الأمن بما له من سلطات بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة وذلك بإحالة الحالة في سوريا إلي المحكمة الجنائية الدولية خاصة أنه قام بمثل ذلك التصرف في دولة ليبيا بعد حوالي خمسة عسر يوما من بدء المظاهرات فيها!!!!. ومطلوب كذلك من الحكومات العربية في الوقت الحالي إحالة الملف السوري إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة لإحالة الحالة السورية إلى لجنة قانونية دولية، بقصد عمل تحقيق دولي على غرار التحقيق الذي أجرته المنظمة بعد الحرب الإسرائيلية على غزة، المعروف باسم "لجنة جولدستون"، وأن يطلب من مجلس الأمن إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة المسئوليين السوريين مرتكبي هذه الجرائم دوليا ومحاكمتهم على الجرائم التي اقترفوها. وأتساءل كما يتساءل الكثيرون غيري لماذا هذا الصمت الرهيب تجاه ما يفعله الرئيس السوري وحكومته ضد المدنيين العزل من جرائم دولية بشعه تعبر عن تأصل الإجرام في نفوس هؤلاء القادة والمسئوليين السوريين. ولا أملك في النهاية سوئ أن أقول ..... "سحقا لكي أيتها المصالح السياسية إن كنتي ترتوين بدماء المدنيين العزل الأبرياء!". ---------------------------------- الخبير في القانون الجنائي الدولي