ألقى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كلمة موجزة في ميدان التحرير يوم 19 أكتوبر عام 1954 وبالتأكيد لم يدر بخلد عبد الناصر أن طفلا لا يناهز عمره آنذاك 3 سنوات يدعي محمد مرسي سيعتلى منصة الميدان ليلقى خطبة كأول رئيس مدني منتخب ينتمي لواحد من أكثر التنظيمات التي حاربها عبد الناصر بعد اتهامها باغتياله . وقال عبد الناصر في كلمته مخاطبا شباب الحرس الوطني (متطوعين): "لقد أردتم الكفاح وتطوعتم في الحرس الوطني من أجل الكفاح، وأحب أن أقول لكم: إن كفاح مصر لم ينته، وإن مرحلة من كفاح الوطن قد انتهت، وفي نفس الوقت بدأت مرحلة أخرى نريد فيها القوة والعزيمة حتى نحقق الهدف الأول الذي قامت من أجله الثورة؛ وهو بناء وطن قوى عزيز" . ولم يكن عبد الناصر هو أول من ابتدع الخطب الجماهيرية التي يلقيها القادة والزعماء والرؤساء في الميادين فقد سبقه قبلها الكثيرون في مصر وفي غيرها من دول العالم وقد غيرت بعض هذه الخطب مسار التاريخ ، ولعل من أشهر العبارات المقتبسة عن إحدى هذه الخطب عبارة الزعيم أحمد عرابي في ميدان عابدين في مواجهة خديوي مصر آنذاك توفيق ، حيث قال له:"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار" ردا على وصف الخديوي للمصريين بأنهم "عبيد إحساناته" . وفيما يلي نعرض لعدد من أشهر الخطب التي ألقاها رؤساء مصر في الميادين.. مع تولي جمال عبد الناصر الحكم في مصر رسميا عام 1954 كان بحاجة لجمع جماهير المصريين حوله خاصة بعد الطريقة التي استبعد بها عبد الناصر ورفاقه الرئيس السابق محمد نجيب والذي كان يحظي بشعبية طاغية أسهمت في إحباط محاولات سابقة جرت لإبعاده عن صدارة المشهد السياسي في مصر ، وكان من الوسائل التي اعتمد عليها عبد الناصر كثيرا في تحقيق غايته الكلمات والخطب في عدد من ميادين مصر . وفي مساء 26 أكتوبر من العام 1954 ألقى الرئيس جمال عبد الناصر خطبة في ميدان المنشية بمناسبة ذكرى الجلاء وبعد دقائق من شروع عبد الناصر في إلقاء خطبته ومع تصفيق الحضور دوى صوت ثماني طلقات نارية متتالية وسادت الفوضى واعتقد كثيرون أنه تم اغتيال عبد الناصر بينما لم تستوعب الغالبية ما حدث وبعد فترة وجيزة عاد صوت عبد الناصر ، قائلا: "أيها الرجال .. فليبق كل في مكانه .. أيها الأحرار .. فليبق كل في مكانه .. دمي فداء لكم .. حياتي فداء لكم.. دمي فداء مصر .. حياتي فداء مصر .. هذا جمال عبد الناصر يتكلم إليكم - بعون الله - بعد أن حاول المغرضون أن يعتدوا عليه وعلى حياته .. حياتي فداء لكم ودمي فداء لكم، أيها الرجال.. أيها الأحرار.. إن جمال عبد الناصر ملك لكم، وإن حياة جمال عبد الناصر ملك لكم" . وعلى الرغم من أن مضمون هذه الخطبة لم يؤثر كثيرا لا سياسيا ولا اجتماعيا إلا أن ما ترتب على ما اصطلح على تسميته ب"حادث المنشية" أو "محاولة اغتيال عبد الناصر" كان له بالغ الأثر في اندلاع "حرب" معلنة بين النظام وعلى رأسه عبد الناصر وبين تنظيم الإخوان المسلمين وبدأت حملة اعتقالات ومحاكمات واسعة في صفوف التنظيم ووصلت لإعدام عدد من قيادات التنظيم على رأسهم الأديب والمفكر سيد قطب . وفي مساء 26 يوليو في عام 1956 وفي ميدان المنشية ألقى جمال عبد الناصر خطبته الشهيرة بمناسبة مرور 4 سنوات على رحيل الملك فاروق عن مصر والتي أعلن فيها تأميم قناة السويس ، حين قال: "قرار من رئيس الجمهورية بتأميم الشركة العالمية لقنال السويس البحرية .. باسم الأمة.. باسم الأمة.. رئيس الجمهورية .. مادة 1: تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية، وينتقل إلى الدولة جميع ما لها من أموال وحقوق وما عليها من التزامات، وتحل جميع الهيئات واللجان القائمة حالياً على إداراتها، ويعوض المساهمون وحملة حصص التأسيس عما يملكونه من أسهم وحصص بقيمتها، مقدرة بحسب سعر الإقفال السابق على تاريخ العمل بهذا القانون في بورصة الأوراق المالية بباريس، ويتم دفع هذا التعويض بعد إتمام استلام الدولة لجميع أموال وممتلكات الشركة المؤممة ". وشهدت الخطبة تجاوبا وصدى كبيرا ليس في مصر فقط بل في العالم كله، وترتب عليها أحداث جسام لم تقتصر على العدوان الثلاثي على مصر في نفس العام، وإنما كانت بمثابة تدشين لدور مصر على الصعيد العالمي . هذه هي رسالتكم .. إننا سنكافح وسنكافح وسيكافح كل منكم مع أخيه ويمد يده إليه، ونمتثل بالمثل العليا والمبادئ السامية؛ فبهذا نستطيع أن نبنى مصر بناء شامخاً قوياً متيناً نتيه به على مر الأيام . والسلام عليكم ورحمة الله" .. وبرغم قصر هذه الخطبة إلا أنها تعد أول خطبة يلقيها رئيس مصري في ميدان التحرير بعد تغيير اسمه من ميدان الإسماعيلية . ولكن أكثر ميادين القاهرة التي شهدت إلقاء خطب عبد الناصر كان ميدان الجمهورية أمام قصر عابدين ومن أشهر الخطب التي ألقاها عبد الناصر فيه، خطب أعياد الوحدة والعمال، بل إن عبد الناصر ألقى في 30 مارس 1960 خطابا بميدان رانجيلا بالهند . وعلى النقيض من سلفه جمال عبد الناصر لم يمل الرئيس محمد أنور السادات كثير إلى إلقاء الخطب الجماهيرية في الميادين وإنما كانت معظم كلماته وخطبه تلقى في قاعات مغلقة كقاعة مجلس الشعب أو قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة أو في المؤتمرات المحلية والدولية، وإن كان أشهر ظهور للرئيس السادات في ميدان مكشوف هو ذلك الذي وقع في 6 أكتوبر عام 1981 في طريق النصر في اليوم الذي شهد اغتياله وربما يرجع ذلك لشيوع وانتشار أجهزة التليفزيون التي ضمنت للرئيس السادات تغطية جماهيرية واسعة لخطاباته وكلماته وهو ما لم يكن متاحا -بنفس القدر على الأقل - للرئيس جمال عبد الناصر . وعقب توليه رئاسة الجمهورية سار الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك على خطى سلفه السادات ولم يؤثر عنه إلقاء خطابات أو كلمات جماهيرية في ميادين مفتوحة وإنما كان يلقي معظم خطاباته وكلماته في قاعات مغلقة، وكان البث الإذاعي والتليفزيوني يكفل نشرها على الجماهير المصرية . واليوم وبعد أن أثبتت ثورة 25 يناير أن قلب الشعب المصري النابض لا يزال مستقرا في الميادين التي لم تقتصر على ميدان التحرير بقلب القاهرة، وإنما امتدت لميادين أخرى على امتداد محافظات مصر، يستعد الرئيس محمد مرسي أول رئيس منتخب بعد الثورة لإلقاء كلمته الأولى من ميدان التحرير بعد أن أصبح رئيسا اليوم الجمعة .