د.مازن النجار \n\n وجدت دراسة تحليلية أميركية نشرت مؤخراً، بدورية \"الأمراض المدارية المهملة\" الصادرة عن مكتبة العلوم العامة، أن أسقاماً وعللاً شبيهة جداً بتلك التي تجتاح أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية تصيب كثيراً من الفقراء في الولاياتالمتحدة أيضاً، خاصة بين النساء والأطفال.\nيطلق الإخصائيون على هذه الأمراض \"أمراض الفقر المهملة\"، وهي ناجمة عن أنواع عدوى مرضية مهلكة ومتعددة ومزمنة؛ وقد تكون أسبابها طفيلية أو جرثومية أو وراثية (خلقية)، وفقاً لما أوردته مصادر الصحافة العلمية.\nوفي حين لم يسمع معظم الأميركيون بأمراض المناطق المدارية المهملة، تقدر هذه الدراسة أن عدوى تلك الأمراض تصيب مئات الآلاف من المواطنين الأميركيين الفقراء، ويتركز معظمهم في مناطق دلتا نهر المسيسبي، حيث ترتفع نسبة المواطنين السود، وبما في ذلك ولاية لويزيانا في أعقاب إعصار كاترينا المدمر، ومنطقة الأبلاش، والمناطق المحاذية للحدود المكسيكية، والتجمعات السكانية العشوائية. \n\n تمثل هذه الأسقام المرتبطة بالفقر سبباً رئيساً للإعاقة البدنية أو العجز الدائم، وتعطيل نمو الأطفال، والنتائج السلبية للحمل، ومع ذلك يمكن منع وقوع معظم هذه الحالات الضارة، لدى اتخاذ السياسات والخطط اللازمة.\nالدكتور بيتر هوتيز، مؤلف هذه الدراسة التحليلية ونائب رئيس معهد سابن للقاحات، ومدير الشبكة العالمية للأمراض المدارية المهملة، وأستاذ كرسي الأحياء الدقيقة والطب المداري بجامعة واشنطن، يلفت إلى أن عدوى أمراض الفقر المهملة تمثل بعض الاختلالات والتفاوتات الصحية الكبرى بالولاياتالمتحدة، واستمرار انخفاض موقعها في أدنى مستويات الأجندة الوطنية يشكّل وصمة عار على المستوى القومي.\n\n مزايا السيطرة على العدوى\nيلاحظ الدكتور هوتيز أن هناك سمات مشتركة بين عدوى أمراض الفقر المهملة؛ وتشمل التفاوت الشديد في آثارها الصحية التي تطال الأقليات وأولئك الذين يعيشون الفقر المدقع، وخصائصها المزمنة والمفاجئة (الغادرة) والمعوّقة إلى حد كبير، وقدرتها على مفاقمة الفقر، نظراً لتأثيرها السلبي على نمو الأطفال ونتائج الحمل والقدرة على العمل والإنتاج.\nودعا الدكتور هوتيز المسؤولين عن السياسات الصحة العامة والتنمية الاجتماعية إلى الاهتمام بهذه الأمراض المهملة وجعلها على رأس قائمة الأولويات المنوطة بجدول أعمال الصحة العامة.\nويؤكد الخبراء أن السيطرة على عدوى الأمراض المهملة له مزايا من حيث فعالية آليات تكلفة إنقاذ السكان الفقراء من براثن الفقر، ومتسق تماماً مع القيم المجتمعية السائدة حول العدالة والمساواة.\nكذلك يركز الباحثون على الحاجة إلى حوار على المستوى القومي حول هذه الأحوال الهامة جداً والمهملة أيضاً، والتي تصيب أكثر الناس فقراً في الولاياتالمتحدة. فعدوى الأمراض المهملة تنال القليل من الدراسات والأبحاث اللازمة، وهي غير معروفة جيداً لدى الكثير من الأطباء وخبراء الصحة العامة.\nهذا النقص الملموس في الفهم والمعرفة حول أمراض الفقر تشير إلى حاجة عاجلة لزيادة الرقابة والمتابعة لعدوى هذه الأمراض، واستخدام فعال (من حيث التكلفة) للجهود العلاجية والعقاقير المتاحة للسيطرة على المرض، واتخاذ تدابير لفحص المواليد الجدد، وتطوير عقاقير وطرائق تشخيص ولقاحات فعالة جديدة ضد عدوى أمراض الفقر.\n\n التكاليف الباهظة لتأخير العلاجات الجديدة\nعلى صعيد آخر، أكّد علماء مركز فوغرتي الدولي، التابع لمعاهد الصحة القومية الأميركية، أن جسر الفجوة بين تطوير الأدوية والعلاجات الجديدة وبين وضعها موضع التنفيذ في بلاد العالم النامية يمكن أن ينقذ آلاف الأنفس كل يوم، ويزيد فعالية استخدام المساهمات الدولية المقدمة لبرامج الصحة العالمية.\nجاء ذلك في بيان لمعاهد الصحة القومية حول دراسة طبية نشرت مؤخراً بمجلة \"سيانس\" العلمية، وتناول فيها الدكتور روجر غلاس، مدير مركز فوغرتي الدولي، أسباب هذه الفجوة في أبحاث تطبيق العلاجات الجديدة، ويقترح سبلاً للحد منها.\nيلفت الدكتور غلاس إلى أن كثيراً من الابتكارات المستندة لأدلة علمية تخفق في تحقيق نتائج عندما يتم نقلها إلى مجتمعات محلية في جنوب الكرة الأرضية، ويعود ذلك على الأرجح إلى أن تطبيقها غير مجرّب أو غير ملائم أو غير كامل.\nفمثلاً، أظهرت الدراسات المثابرة أن الاستخدام الملائم للناموسيات المعالجة بالمبيدات الحشرية يمكنه منع العدوى بالملاريا، لكن الواقع أن أقل من 10 بالمائة في المتوسط من أطفال 28 دولة أفريقية بجنوب الصحراء، ينامون بانتظام متمتعين بهذه الوقاية.\n\n الأسباب المركبة للمشكلة\nوفقاً لهذه الدراسة، يبقى التطبيق الفعال للعلاجات الجديدة في البلاد فقيرة الموارد مشكلة مستعصية لعدد من الأسباب المركبة:\nأولاً، لقد أبطأ العلماء في النظر إلى تطبيق العلاجات كظاهرة دينامية تكيفية متعددة النطاقات، يمكن معالجتها من خلال وضع جدول أعمال بحثي. ثانياً، إن الناس الذين يعيشون في فقر مدقع يواجهون قيوداً أو حدوداً اجتماعية وتهديدات صحية تجعل الوقاية والعلاج أكثر صعوبة، كما تقلل فرصهم في الحصول على الرعاية الصحية الجيدة بانتظام.\nبيد أن استثماراً صغيراً في أبحاث تطبيق العلاجات الجديدة يمكنه أن يحسّن هذا الوضع بشكل هائل، كما تزيد إلى حد كبير فعالية المساعدات الرئيسة المقدمة إلى برامج الصحة العالمية.\nولكن عوضاً عن ذلك، يفترض المخططون، لتلك المساعدات الصحية، في كثير من الأحيان أن حصيلة البحوث السريرية (الإكلينيكية) يمكن أن تنعكس إيجاباً أو تُترجم فوراً إلى تأثير جيد على الصحة العامة، وذلك ببساطة عن طريق إصدار توجيهات إكلينيكية أو ممارسات يُفترض أنها نموذجية \"واحدة مناسبة للجميع\"، دون انخراط في دراسة منهجيه لكيفية تفاوت النتائج الصحية باختلاف الأحوال المجتمعية.\n\n تطوير وتدريب وتعاون\nيدعو الدكتور غلاس الأوساط والمؤسسات البحثية إلى تبني ثلاثة أهداف لتحسين طريقة وضع هذه العلاجات الجديدة موضع التنفيذ في العالم النامي:\nأولاً، ينبغي للعلماء العمل على تطوير نماذج نظرية وأساليب تحليلية جديدة تناسب أو تنطبق على الأوضاع التي تفتقر إلى الموارد.\nثانياً، ينبغي لهم تدريب جيل من الباحثين في مناهج بحثية عابرة للتخصصات، منظوماتية التوجه، والتي ستتيح لهم جسر الفجوة في التطبيق على نحو أكثر فعالية.\nأخيراً، ينبغي للباحثين أن يتعاونوا بشكل أوثق مع حكومات البلاد النامية، والمنظمات غير الحكومية، والمجتمعات المحلية.\nيخلص الدكتور غلاس إلى أنه في حين أن تجارب وضع العلاجات الجديدة موضع التنفيذ قد تكون أكثر تركيباً أو صعوبة، من حيث تصميم الدراسات وتحليل البيانات، مقارنة بدراسات الرصد والمراقبة التي تمولها حالياً بعض الجهات المانحة، فإن قدرة النتائج العلمية المثابرة على توجيه الموارد الصحية المحدودة نحو إنقاذ نفوس أكثر ترجح بحد ذاتها كافة صعوبات ومعاناة الأبحاث المطلوبة لجسر الفجوة بين العلاجات الجديدة والأوضاع الصحية في العالم النامي.