\r\n وفي الثاني والثالث من مارس الماضي، قام الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بزيارة تاريخية للعراق، كانت هي الأولى من نوعها التي يقوم بها رئيس إيراني إلى بغداد. ومن وجهة نظرهم، رأى الإيرانيون أن تلك الزيارة قد حققت لهم نجاحاً كبيراً، لأن توقيتها كان ممتازاً من ناحية، ولأن الرئيس الإيراني استطاع خلالها أن يستغل فراغ القوة الموجود حالياً في العراق. \r\n \r\n ويشار إلى أن لإيرانيين كانوا من الذكاء بحيث أنهم كانوا حريصين على أن تكون لهم سفارة عاملة في بغداد، منذ أن قامت الولاياتالمتحدة بغزو هذه الدولة في مارس 2003. ومنذ ذلك التاريخ نجحت تلك السفارة في القيام بعملها بكفاءة وفعالية كبيرتين مما أكد انطباعي عن الدبلوماسيين الإيرانيين، وهو كونهم، وبصرف النظر عن اضطراب الأداء في الداخل، يحرصون دائماً على تأدية عملهم بكفاءة كبيرة عندما يعملون في الخارج. هذا الانطباع تولد لدي من خلال احتكاكي بالدبلوماسيين الإيرانيين العاملين في السفارة البريطانية في لندن. ورغم أنني أدرك تماماً مدى خطورة المشكلات الأمنية في بغداد، والصعوبات التي تكتنف الانتقال منها إلى مناطق أخرى، إلا أنني أشعر بالدهشة لعدم اهتمام كثير من الدول العربية الكبرى بإعادة فتح سفاراتها في هذه العاصمة العربية المهمة. وكثيراً ما أتساءل: ما الذي تنتظره مثل تلك الدول حتى تقوم بذلك، خصوصاً أن العراق يدار اليوم من قبل عراقيين وليس من قبل الأميركيين، حتى وإن كان الأخيرون ما يزال لهم القول الفصل فيما يتعلق بالمسائل الأمنية! \r\n \r\n الصور التي احتلت الأذهان، بينما كان \"نجاد\" ينهي زيارته للعراق بالسير على البساط الأحمر... كانت صور الذكريات المريرة لحرب الثماني سنوات! \r\n \r\n \r\n \r\n ومعظم الأوروبيين يجهلون خلفيات وأهمية الشقاق القديم بين العرب والفرس الذين حكموا العراق من منتصف القرن السادس قبل الميلاد، وحتى هزيمتهم عام 637 على أيدي المسلمين العرب. وكانت معركة كربلاء التي جرت عام 680 واحدة من المعارك الحاسمة في التاريخ الإسلامي، لأنها كانت سبباً في الانقسام بين السنة والشيعة الذي ظل قائماً منذ ذلك التاريخ وحتى الآن. وقد أخبرني بعض الأصدقاء العرب، أنه على الرغم من أن شيعة العراق يرغبون في التعاون الوثيق مع نظرائهم من الشيعة في إيران، إلا أن ولاء الغالبية العظمى منهم في النهاية، هو للعالم العربي وليس لإيران. وعندما اطلعت على تفاصيل الاضطرابات والقلاقل التي انتشرت في هذا الجزء من منطقة الشرق الأوسط في العقود الأخيرة، فقد تأكدت من صحة ما كان أصدقائي يقولونه لي. \r\n \r\n ولا شك أن الصور التي احتلت أذهان العراقيين والإيرانيين، بينما كان الرئيس محمود أحمدي نجاد ينهي زيارته القصيرة إلى العراق بالسير على البساط الأحمر لتفقد حرس الشرف على أنغام فرقة الموسيقى العسكرية العراقية، كانت هي تلك الصور المتعلقة بالذكريات المريرة للحرب التي دارت بين البلدين خلال الفترة من 1980 إلى 1988 بسبب الخلاف بينهما على الممرات المائية في شط العرب، وأدت إلى مصرع ما لا يقل عن مليون شخص من الجانبين. ولا زلت إلى الآن أتذكر بوضوح مناظر الجنود الإيرانيين الذين كانوا يحتضرون في المستشفى العسكري الذي اصطحبني أصدقائي الإيرانيون لزيارته، ويتقيأون دماً بسبب تأثيرات الأسلحة الكيماوية التي استخدمها ضدهم صدام حسين. \r\n \r\n في عام 2006 أصدر \"معهد الشؤون الدولية في لندن\" تقريراً عن إيران اجتزئ لكم منه الجملة التالية التي تمثل جوهر هذا التقرير في رأيي: \"ليس هناك سوى القليل من الشك في أن إيران كانت هي المستفيد الرئيسي من الحرب على الإرهاب في الشرق الأوسط\". \r\n \r\n وقد أشار كاتب هذا التقرير إلى نقاط أخرى مهمة، منها على سبيل المثال أن المتطرفين الإسلاميين السنة في كابول يعدّون من الأعداء اللدودين لآيات الله الشيعة في طهران، وأن أميركا قد قدمت خدمة كبيرة لإيران بقضائها على نظام صدام حسين. \r\n \r\n وزيارة \"أحمدي نجاد\" جعلت الكثيرين يتذكرون ما كانوا يقرؤونه ويسمعونه عن نوايا إيران المتعلقة بلعب دور مهيمن في المنطقة يساعدها في ذلك أن كثيرين ممن يتولون مناصب المسؤولية في العراق في الوقت الراهن، كانوا قد أجبروا على الخروج من العراق، واللجوء إلى إيران خلال سنوات الحكم القاسي لصدام حسين، وأن ذلك قد أتاح الفرصة لإيران للعب دور في شؤون العراق وخصوصاً في المناطق الجنوبية التي يعرف البريطانيون جيداً من خلال ما تعرضوا له من خسائر، أن إيران تعد لاعباً رئيسياً في تلك المنطقة، وكانت تعمل على ترسيخ تواجدها ونفوذها من خلال إمدادها للمتمردين الشيعة بالمعدات العسكرية المتطورة ومن خلال نشر عملائها في كل مكان هناك. \r\n \r\n خلال زيارته للعراق، عرض الرئيس أحمدي نجاد على المسؤولين قرضاً بقيمة مليار دولار أميركي، لتمويل مشروعات تشرف عليها شركات إيرانية وليست عراقية. إضافة لذلك وقع الرئيس الإيراني مع الرئيس العراقي جلال الطلباني عدداً من مذكرات التفاهم في مجالات الصناعة، والتأمين، والتعليم، والنقل، والجمارك، كما أعلن وزير طاقته عن الاتفاق على إقامة مشروع بقيمة 200 مليون جنية استرليني لإنشاء عدد من محطات توليد الطاقة الكهربائية التي يحتاج إليها العراق بصورة ماسة والتي ستغطي مدن كربلاء والنجف ومدينة الصدر التي تعتبر من الأحياء الشعبية الفقيرة في بغداد، كما تم أيضاً الإعلان عن بناء مطار بالقرب من مدينة النجف لخدمة الحجاج الإيرانيين العديدين الذين يأتون لزيارة هذه المدينة المقدسة. \r\n \r\n ورغم أن الاقتصاد الإيراني يواجه أزمة، إلا أن ارتفاع أسعار النفط قد وفر لإيران المزيد من الأموال التي يمكن لها استخدامها في تعزيز نفوذها في العراق. والشيء الواضح وضوحاً تاماً هو أن إيران تنوي تركيز مشروعاتها في المناطق التي تسكنها أغلبية شيعية في العراق، وهو ما أثار غضب السنة العرب، وجعلهم يخرجون في مظاهرات احتجاجية ضد الزيارة، خصوصا أن المقترح الإيراني بالتركيز على مناطق الشيعة فقط، سيجعل من مسألة توحيد بلدهم المنقسم بين الطائفتين، أمراً أكثر صعوبة من ذي قبل. \r\n \r\n ولم ينس أحمدي نجاد خلال تلك الزيارة، التي أبرزت بوضوح قوة إيران المتنامية ونفوذها المتصاعد في منطقة الشرق الأوسط الشديدة الاضطراب، أن يدعو الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة وغيرهما من الدول الأجنبية، للانسحاب من المنطقة! \r\n \r\n \r\n