\r\n فتلك القوات التي تركز جل جهدها على مكافحة التمرد المتأجج في المناطق السنية من البلاد لم تعتبر ما يجري في البصرة ذات الاغلبية الشيعية من عمليات قتل وخطف وفساد امرا يستحق الاولوية من الاهتمام. لكن الاوضاع في البصرة اتخذت في الشهر الاخير طابع الحرب المكشوفة عندما شرعت الفصائل الشيعية المتنافسة في المدينة بالاقتتال فيما بينها على النفوذ والسيطرة على عمليات تهريب النفط الجارية على قدم وساق. \r\n \r\n يقول سكان البصرة ان فرق الموت تطوف شوارع المدينة علنا ودون تكتم. كما صرح مسؤول في شرطة المدينة عبر الهاتف لمراسل صحيفة »كريستيان ساينس مونيتور« بان الشهرين الماضيين قد شهدا 400 عملية اغتيال مسجلة. \r\n \r\n يصف اجانب مقيمون في البصرة الاوضاع فيها بانها مزيج اوضاع مدينة شيكاغو ايام عصابة ال كابوني ومدينة فلورنسا في عهد ال مديتشي. فالسياسيون, والشرطة, ورجال العصابات يتصارعون فيما بينهم لغرض فرض اليد العليا على مسار الاحداث التي خرجت عن السيطرة. ويدعي عدد من السياسيين الشيعة في المدينة ومعهم ضباط امريكيون وبريطانيون ان بعض المجموعات المسلحة تحصل على الاموال والسلاح من ايران التي لا تبعد حدودها عن مدينة البصرة سوى 10 اميال فقط. \r\n \r\n لا يعتبر وجود فرق الموت التي تطوف شوارع البصرة ظاهرة جديدة في المدينة التي عرفت تلك الفرق منذ اكثر من عام. لكن عدد جرائم القتل المرتكبة قد ارتفع في الاونة الاخيرة بشكل حاد كما ان قائمة المستهدفين بتلك الجرائم اصبحت اكثر تنوعا. \r\n \r\n يقول احد مواطني البصرة الذي رغب باخفاء اسمه الحقيقي والاشارة اليه باسم »غازي« ان عمليات القتل والاغتيالات كانت واضحة المعالم في البداية. »فقد كانوا يقتلون البعثيين والضباط السابقين في جيش صدام. لكنهم اليوم باتوا يقتلون الشيعة والسنة وشيوخ العشائر والاطباء والمهندسين وكل من يعتبرونه معارضا سياسيا لهم«. \r\n \r\n الجهات التي يشير اليها »غازي« تشمل افراد جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر, وافراد الميليشيات الموالية للمجلس الاعلى للثورة الاسلامية, وحزب الفضيلة, وابناء العشائر المحلية وكلها اطراف تتناحر فيما بينها على عمليات تهريب النفط وحماية المهربين والمتلاعبين بكمياته. \r\n \r\n وقد بلغ العنف في مدينة البصرة حدا دفع بالسلطات المعنية الى اعلان حالة الطوارىء فيها ابتداء من يوم الاربعاء الماضي ولمدة شهر. وفي اعتراف ضمني له بما تفعله الاحزاب والجماعات المسلحة في البصرة قال رئىس الوزراء العراقي نوري المالكي ان »قوات الامن يجب ان لا تخضع لضغوط القوى السياسية ومضايقاتها. حيث ينبغي لضابط الامن ورجل الشرطة والجندي ان لا يشعر بالخوف بسبب التدخلات السياسية«. \r\n \r\n وكان التصفيق الذي انتزعته هذه الكلمات من الجمهور الذي حضر اللقاء تعبيرا عن ادراك الحضور بان الاشخاص الموالين للميليشيات الحزبية والسياسية قد تغلغلوا بعيدا في صفوف الشرطة في البصرة, وكذلك في انحاء عديدة من البلاد. \r\n \r\n ويذكر ان محافظ البصرة, محمد الوائلي المنتمي الى حزب الفضيلة يتصارع منذ اشهر مع عناصر من قوة الشرطة التابعة للمحافظة. كما انه يخوض معركة ضد ممثلي اية الله علي السيستاني الزعيم الشيعي الاعلى في البلاد ومع ممثلي المجلس الاعلى الذين يعتبرهم منافسيه الرئيسيين في المدينة. \r\n \r\n وكمثال على ما يجري بين المحافظ المتحزب لجماعته ومصلحته من جهة وبين القوى المنفلتة في المدينة, قام رجال يرتدون زي الشرطة المحلية باطلاق النار على الشيخ حسن الجراح شيخ قبيلة الغرامشة التي تهيمن على مجموعة من النشاطات الاجرامية في المدينة. وقد القى اتباع الجراح اللوم على المحافظ عن عملية الاغتيال التي وقعت في منتصف الشهر الماضي. وسرعان ما قام اتباعه بشن هجوم على مخفر الشرطة وقتلوا عشرة ن ضباطه. \r\n \r\n وتعتبر التهديدات التي اطلقها مؤخرا عدد من اتباع حزب الفضيلة بتخريب حقول النفط في جنوب العراق وقطع صادراته النفطية من اخطر التهديدات التي يمكن ان تزيد في زعزعة الاوضاع في العراق, حيث تبلغ قيمة ما يصدر من النفط من الموانىء الجنوبية حوالي 70 مليون دولار يوميا. \r\n \r\n وكان حزب الفضيلة, وهو عضو في الائتلاف الشيعي الذي يضم ايضا حزب الدعوة والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية, قد طالب بشدة بالسيطرة على وزارة النفط, بحجة كونه يستحق هذه الوزارة بحكم القوة التي يتمتع بها في المنطقة الجنوبية الغنية بالنفط. \r\n \r\n لكن التشكيلة الوزارية التي اعلنت قبل حوالي اسبوعين حرمت حزب الفضيلة من شغل هذا المقعد الامر الذي دفع بالحزب الى الاعلان عن انتقاله الى موقع المعارضة. ويذكر ان حزب الفضيلة لا يزال يسيطر على المجلس البلدي في مدينة البصرة. \r\n \r\n يقول مصدر في شركة نفط الجنوب الحكومية ان »هناك الكثير من الاموال النفطية وحزب الفضيلة يعتقد ان له الحق في الاستحواذ على جزء منها« ويضيف المصدر نفسه قائلا:»انهم يطلقون التهديدات, ولا اعلن اذا كانوا يملكون القدرة على تنفيذها«. \r\n \r\n من جانب آخر, اكدت مصادر مطلعة بان العديد من المقاولات الحكومية التي تنفذ في المحافظة تحال الى العشائر التي ايدت محافظ البصرة ودعمت ترشيحه لمنصبه. اما العشائر الاخرى التي حرمت من مثل تلك المقاولات فقد حمل رجالها السلاح وانخرطوا في اعمال العنف. \r\n \r\n وتؤكد المصادر نفسها ان الشرطة نفسها منقسمة على ذاتها حيث يدين بعض الضباط بالولاء للمحافظ في حين يدين آخرون بالولاء لجيش المهدي او المجلس الاعلى للثورة الاسلامية. ويلاقي العشرات من رجال الشرطة مصرعهم في شوارع البصرة منذ اكثر من شهرين وتتهم اسر بعض المغدورين افرادا آخرين في الشرطة بالمسؤولية عن قتل زملائهم. احد سكان البصرة الذي قتل قريبه لانه كان يعارض الطريقة التي يتم بها تسييس الشرطة في البصرة اخبر مراسل الصحيفة بانه يعتقد بان انصار حزب الفضيلة هم الذين قتلوه. \r\n