وتصل خطورة هذه الانتقادات وجديتها, حداً كان ممكناً فيه لبلير أن يخسر هذه الانتخابات تماماً, لولا جودة الأداء الاقتصادي لحكومته, وهو الأداء الذي لعب فيه وزير الخزانة البريطانية جوردون براون, دوراً مقدراً يحسب له. ففي داخل حزب العمال نفسه, تتزايد الضغوط الرامية لإحلال براون محل بلير في رئاسة الوزراء. وإلى جانب ذلك, فقد انحسرت شعبية بلير الشخصية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق, مما جعل الخبراء البريطانيين يتشككون فيما إذا كان سيستطيع أن يسد فجوة الثقة الهائلة التي أحدثتها حربه على العراق، إلى جانب الولاياتالمتحدة الأميركية. \r\n \r\n وبصرف النظر عن المدة التي سيمضيها بلير في رئاسة مجلس الوزراء, فإن الذي لا شك فيه أنه لم يعد طليقاً وحراً كما كان, في الدخول في أي التزامات أو أنشطة عسكرية، لها صلة ببقاء القوات البريطانية في منطقة الشرق الأوسط. لا يعني هذا أن بريطانيا ستقرر انسحاباً سريعاً وغير مدروس لقواتها الموجودة حالياً في العراق. لكنه يشير في الوقت ذاته, إلى عدم احتمال تأييد بريطانيا لأي أنشطة أو أهداف عسكرية جديدة في المنطقة, كاستهداف المرافق النووية الإيرانية على سبيل المثال. وفيما لو قرر الرئيس الأميركي جورج بوش، شن هجمات عسكرية ضد إيران, فإنه سوف يواجه صعوبة كبيرة في العثور على حلفاء له في تنفيذ عمليات كهذه. وفي هذا ما يشكل لجماً لولاية بوش الثانية, التي شرعت تأخذ مسألة التحالفات الدولية على محمل الجد, خلال دورتها الحالية. وسوف تكون الحالة الوحيدة التي تستطيع فيها حكومة بلير مؤازرة إدارة بوش عسكرياً ضد طهران, هي مصادقة الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي, سيما فرنسا وألمانيا على خطوة كهذه, فضلاً عن حصول القرار على دعم أغلبية الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي. وعليه فقد لاحت نذر خسارة بلير كحليف عسكري رئيسي للولايات المتحدة الأميركية, خلال الدورة الثالثة هذه التي بدأت للتو. ومما لا شك فيه أن دعم بلير العسكري لواشنطن كان أمراً حاسماً خلال الأشهر القليلة التي سبقت حرب واشنطن على العراق في مارس من عام 2003. فلولا تلك المؤازرة البريطانية للحرب, لشق على بوش الحصول على دعم الكونجرس للمضي قدماً في تنفيذ مخططاته العسكرية لشن تلك الحرب. \r\n \r\n وكان أمل بلير أن يمضي الرئيس بوش قدماً في شق الطريق إلى مبادرة سلام, تضع حداً للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني, ما أن يسدل الستار على حرب العراق. والمعلوم أن هذا النزاع, يمثل أولوية استراتيجية كبيرة بالنسبة لكل من بريطانيا وأوروبا. وقد أسهمت جهود وسياسات واشنطن لاحقاً في إحراز تقدم ما في هذا الطريق, ربما كان من بينه مبادرة شارون الأخيرة بخطة الانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة. ولكن مما لم يعد الآن محل خلاف, أن على الأرجح أن تخسر واشنطنلندن كحليف استراتيجي لها في مجال الحروب والعمل العسكري. وإذا كانت المبررات التي خاض بها بلير الحرب ضد العراق, كانت أكثر تماسكاً ومنطقية من تلك التي قدمتها واشنطن, فإنه لم يعد مؤكداً ما إذا كان من سيخلف بلير, سيواصل هذا التحالف العسكري الثابت مع واشنطن. بل الأرجح أنه لم يعد هناك في لندن من سيتطوع بمواصلة لعب هذا الدور بعد ذهاب توني بلير. \r\n \r\n