ارتكبت الأطراف الثلاثة المشاركة فى المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية كل الأخطاء الممكنة، وها هى تستأنف من جديد الاتصالات تحت رعاية الوسيط الأمريكى مارتن إنديك. لم يتقوّض كل شىء، لكن الخطر المحدق بمستقبل المباحثات السياسية آخذ بالتفاقم. فهذا هو البديل الأقل سوءا عن وقف المباحثات، لأنه فى أعقاب الفراغ تبرز بعد حين الاشتباكات العنيفة، أى «الانتفاضة» باللغة العبرية الحديثة. لقد وجّه وزير الخارجية الأمريكية جون كيرى انتقادا مشروعا ل(وزير الإسكان والبناء الإسرائيلى) أورى أريئيل الذى اختار فى منعطف مصيرى فى المفاوضات أن ينشر مناقصة لبناء (700 وحدة استيطانية) فى القدس. لم يغضب كيرى وحده بل أيضا كل من (رئيسة الوفد الإسرائيلى المفاوض) تسيبى ليفنى و(وزير المالى) يائير لبيد، وقد يكون رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو من رأيهما لكنه آثر التزام الصمت. تكمن المشكلة فى تجاهل كيرى لحقيقة قاطعة، ألا وهى أن أبومازن غير مهتم بالمفاوضات مهما كانت الظروف؛ فهو يخرب عجلات عربة المفاوضات كلما انطلقت. هكذا فعل بالتنسيق مع ياسر عرفات حيال إيهود باراك فى العام 2000، وحيال إيهود أولمرت فى العام 2009، وهكذا يفعل فى رفضه الاعتراف بحق الشعب اليهودى فى تقرير المصير، وفى دولة ذات سيادة. هو من أشعل الحريق، وكيرى علم ورأى وسكت. هذا الانحياز مدعوم بملاحظات فظّة صادرة عن «مسئول أمريكى كبير» هو على الأغلب مارتين إنديك، الذى أدان موشيه (بوغى) يَعَلون وأورى أريئيل، لكن لم يدن ولا مرة واحدة مساعدى أبومازن. لكن الخطأ الفلسطينى ليس مجرد خطأ وإنما تخريب مقصود للمفاوضات. فحتى عرفات اعتبر أن إسرائيل هى «دولة يهودية»، ويستطيع أبومازن فعل ذلك لكنه غير راغب. فهو ذئب (يتهرب من تأسيس دولتين لشعبين) فى ثياب حمل (يمتنع عن ممارسة الإرهاب). ولقد عاد الآن إلى مجال خبرته: الابتزاز. وهو يضغط للحصول على الموافقة الإسرائيلية على جزء من سعيه إلى الانضمام إلى المنظمات الدولية، خلافا للتفاهم الذى حصل فى مستهل المفاوضات قبل عام. أما إسرائيل فقد ساهمت فى تفاقم الأزمة من جراء عدم الإيفاء بتعهداتها بشأن إطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى (الفلسطينيين)، صحيح، من دون إطلاق عرب إسرائيليين لأنها لم تلتزم بذلك، لكن كان ينبغى إطلاق هذه الدفعة. كما أن إعلان المناقصة من قبل أريئيل وأيضا مطالبة (وزير الاقتصاد وزعيم حزب «البيت اليهودى») نفتالى بينيت بضمّ الكتل الاستيطانية إلى إسرائيل هما ديماغوجيا تشكل عبئا على إسرائيل فى الولاياتالمتحدة وأوروبا. علاوة على ذلك، أعلن حزب «البيت اليهودى» وقسم من تكتل الليكود أنهما يعارضان مسبقا أى اتفاق مع الفلسطينيين، لكنهم تعهّدوا بترك إدارة المفاوضات لنتنياهو لكى تخرج إسرائيل من المياه السياسية الهائجة دون أن تصاب بالبلل. لكن اليمين فى الحكومة الإسرائيلية لم يفِ بتعهداته، وعوض أن يحاسبه نتنياهو، فجّر غضبه المفهوم فى وجه كيرى وشدّد العقوبات ضد الفلسطينيين. لماذا؟ إذا كان الفلسطينيون لا يريدون استئناف المفاوضات، فلن تقدم إسرائيل تنازلات، لكن لماذا ينبغى معاقبة المواطن فى رام الله وفى نابلس؟ سوف تكون هناك حاجة لتطبيق مثل هذه التدابير الصارمة عندما يحين، لا سمح الله، أوان استخدام القوة. غير أن جعبة الحكومة الإسرائيلية تحمل المزيد من المفاجآت. فقد أعلن (زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» ووزير الخارجية الإسرائيلى) أفيغدور ليبرمان أن الأفضلية هى للانتخابات التشريعية المبكرة على تبنى خطة كيرى. لكن، بعد أن يخرج من المباحثات مع وزير الخارجية الأمريكى سيتبين ما إذا عاد إلى اللهجة المعتدلة، الموالية للولايات المتحدة، التى تميّز بها فى الأسابيع الأخيرة. نوع المقال: الولاياتالمتحدةالامريكية القضية الفلسطينية