يبدو أن أي اتفاق بين إيران والغرب يحد من برنامج طهران النووي يظل اتفاقاً سيئاً من وجهة نظر نتنياهو، فقبل الانتهاء من المباحثات النووية التي جرت في جنيف يوم الجمعة الماضي خرج نتنياهو محذراً من أن الحديث المتواتر عن التوصل إلى اتفاق مع إيران يشكل «خطأ تاريخياً جسيماً»، قائلاً إن إسرائيل ترفض «تماماً» هذا الاتفاق الذي يفترض أنه سيجمد البرنامج النووي الإيراني لعدة أشهر مقابل تخفيف جزئي للعقوبات الدولية، وفي نفس الوقت يستمر البحث عن اتفاق دائم بضمانات يمكن التحقق منها. وحتى دون التفاهم على اتفاق نهائي كان نتنياهو يلوح مسبقاً بالسلاح، والسبب أنه بالنسبة لتنياهو يبقى الاتفاق الوحيد الممكن والمقبول هو الذي ينهي برنامج إيران النووي كلياً دون نقاش، فهو لا يثق في المبادرات الانفتاحية التي أبداها الرئيس الإيراني حسن روحاني، كما يصر على فرض المزيد من العقوبات على طهران، وهو موقف يلاقي دعماً واضحاً من كلا الحزبين في الكونجرس الأميركي، حيث تناقش حالياً إمكانية تشديد العقوبات أكثر على إيران. ولكن وقبل التوجه إلى تكثيف الضغط على إيران يتعين على المشرعين الأميركيين النظر ملياً فيما إذا كان تبني موقف يقوم على أخذ كل شيء أو لا شيء تجاه طهران سيضر بالمصالح الأميركية والإسرائيلية أكثر مما سيخدمها. فبعد سنوات من التهديدات تبدو الدولة العبرية مصممة على إنهاء برنامج طهران النووي، بما في ذلك حظر أي نوع من أنواع تخصيب اليورانيوم، حتى لو كان ذلك موجهاً لأغراض توليد الطاقة، أو الأبحاث العلمية، ولكن السؤال هو: هل يمكن الوصول إلى هذا الهدف الصعب عبر طاولة المفاوضات؟ فهذا هو التساؤل الذي يتعين على الجميع طرحه بصدق والسعي للإجابة عليه، وهو ما فعله، روبت إينهورن، الذي شغل حتى وقت قريب منصب مستشار رئيسي لوزارة الخارجية الأميركية، حيث أكد أن الأمر «غير قابل للتطبيق»، مضيفاً «لا أعتقد أن الحكومة الإيرانية في إمكانها تسويق مثل هذا الاتفاق القاضي بوقف كلي لعملية التخصيب وإقناع الداخل به». ففي الوقت الذي يبدو فيه روحاني وفريقه الاستعداد للحد من التخصيب، إلا أنهم بالقطع لن يذهبوا إلى حد وقفه تماماً، ويرى «إينهورن»، أن تشديد العقوبات على إيران لن يدفعها إلى التزحزح عن مواقفها، وذلك على رغم الرغبة الملحة لدى روحاني في تخفيف العقوبات الاقتصادية المؤلمة على بلاده. وفي حديثي مع عدد من الخبراء في الشأن الإيراني وجدت الموقف ذاته الذي تبناه «إينهورن»، فبدلاً من دفع إيران إلى تغيير مواقفها ستؤدي العقوبات المشددة إلى تعطيل مسار المفاوضات. بل وعوض وقف برنامجها النووي سيمثل أي توقف للمباحثات مع طهران حافزاً قوياً لتسريع عملية التخصيب، وهو ما جرى في كل مرة توقفت فيها المفاوضات. وأكثر من ذلك ستتحمل واشنطن مسؤولية الإخفاق الدبلوماسي بتداعياته الخطيرة، وسيكون من الصعب، حسب «إينهورن»، إقناع العالم بالالتزام بفرض العقوبات في حين ينظر إلى أميركا على أنها هي المتسبب في توقف المفاوضات. والبديل هو ما طرحه «إينهورن» نفسه من خلال مداخلته في شهر أكتوبر الماضي بأحد مراكز البحث الإسرائيلية، فحسب الرجل لا يكمن المحك الأساسي لأي اتفاق نووي مع إيران في مدى اتساقه مع الأهداف المثالية التي يريدها الغرب، بل بمقارنته مع البدائل الأخرى المطروحة، فلو اعتبرنا أن العقوبات فشلت في زحزحة الموقف الإيراني، ونحّينا جانباً الدبلوماسية كخيار، فإننا في هذه الحالة نبقى أمام بديلين لا ثالث لهما: إما تغيير النظام في طهران، أو الدخول في حرب. ولكن طبعاً لابد أن التجربة الأميركية في العراق قد أنهت كلياً أوهام تغيير الأنظمة وفرض أخرى. أما فيما يتعلق بتوجيه ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية فإن المخاطر والسلبيات تبقى كبيرة، فهل يملك الصقور في الكونجرس القدرة على الانخراط في حرب شرق أوسطية أخرى، لاسيما في ظل وجود فرصة حقيقية للتوصل إلى اتفاق دبلوماسي يعمل على الحد من البرنامج النووي وإبقائه تحت المراقبة والسيطرة؟ وهو ما يعود بنا مجدداً إلى الفكرة الأساسية التي طرحها «إينهورن» والتي تقول بأن الوصول إلى اتفاق مثالي غير ممكن، ليبقى التساؤل عما إذا كان اتفاقاً لا يرقى إلى الأهداف المثالية للغرب جيداً في النهاية مقارنة بالخيارات المطروحة. وهذا التساؤل يعتمد في الأساس على التفاصيل، فأي اتفاق سيكون عليه وضع سقف لعملية التخصيب وأجهزة الطرد المركزي، ومنع الاشتغال في مفاعل «آراك» للماء الثقيل، كما سيكون على أي اتفاق وضع نظام فعال للمراقبة المستمرة والمباغتة، فضلاً عن مصارحة إيران للمفتشين الدوليين حول برنامج الأسلحة السابق. ومع أن هذا الاتفاق يبقى صعباً وشاقاً، إلا أن صعود روحاني إلى السلطة يمثل فرصة حقيقية سيكون من الخطأ إهدارها. أما المتشككون في الكونجرس فإن عليهم النظر ملياً في البدائل المطروحة وعدم جعل الاتفاق المثالي نقيضاً للاتفاق الجيد. نوع المقال: سياسة دولية